السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

في ذكرى ميلادهما.. "رياض القصبجي" و"إبراهيم سعفان": المضحكان

رياض القصبجي-إبراهيم
رياض القصبجي-إبراهيم سعفان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يختلف اثنان على موهبتهما الفنية المبهرة، فكلاهما عشق التمثيل وقوة الأداء وحب الناس لهما، وبالرغم من ارتباط الجمهور بهما وشهرتهما الواسعة التي حصداها، وتداول "إفيهاتهما" بين جميع أرجاء الوطن العربي، إلا أنهما لم يحظيا ولو لمرة واحدة بأخذ لقب "البطولة المطلقة"، فطالما شاركا بالعديد من الأعمال السينمائية والمسرحية الهامة وسط كوكبة من نجوم الزمن الجميل، والتي شكلوا بها ثنائيات هائلة، وحفرا بها اسميهما في قلوب وعقول متابعيهما حتى يومنا هذا.. هما المضحكان الذي لم يجمعهما حب الفن فحسب، بل جمعهما يوم الميلاد أيضًا، هما الفنانان رياض القصبجي، وإبراهيم سعفان اللذان يصادف ذكرى ميلادهما اليوم.
رياض القصبجي"
"هو بعينه وبغباوته وشكله العكر"، و"صباحية مباركة يابن العبيطة"، و"مخالي شل"، و"بروروم شغلتك على المدفع بروروم" أهم وأبرز مقولات واحد من أفضل من أنجبتهم الساحة الفنية المصرية الفنان الكبير الراحل رياض القصبجي، والتي طالما رددها الجمهور العربي عقود تتلو عقود، فبالرغم من عدم انتسابه لأي مرحلة من التعليم، إلا أن حب الفن وتقديسه وتقدير الإبداع كان يسرى بدمه منذ اليوم الأول لميلاده والذي يوافق 13 من سبتمبر عام 1903، وهو يعمل كل ما في وسعه ليبحر ويغوص في أعماق ذلك العالم الذي حلم به خاصة بعد هروبه من مدينته سوهاج إلى مدينة الإسكندرية ليفر من هاجس الثأر الذي طالما لاحقه، والذي انتشر بشدة تلك الفترة، والذي صادفه الحظ بأن يقطن أمام مسكن الشخصيات الحقيقية لـ"ريا وسكينة" بمنطقة ضرب اللبان، ربما ذالك الأمر الذي جعله يجسد شخصية حسب الله زوج ريا ثلاث مرات، أولها عام 1952 في فيلم "ريا وسكينة" إخراج صلاح أبو سيف، والمرة الثانية في مسرحية "ريا وسكينة" عام 1955، وثالث مرة في فيلم "إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة" عام 1955.
وفي تلك الفترة عمل محصلًا "كمساري" في السكة الحديد، ولأنه كان يعشق الفن والتمثيل، اشترك في جماعة التمثيل الخاصة بالسكة الحديد وأصبح عضوا بارزا فيها، لكن هذه الجماعة لم ترض طموحه الفني، لذلك تقدم باستقالته من وظيفته، مضحيا بالوظيفة الحكومية ذات الراتب الثابت، فسافر إلى القاهرة ليخطو خطواته الأولى في تحقيق أماله المرجوه، فانضم إلى الفرق المسرحية المتجولة في الصعيد، وكانت البداية من خلال مسارح روض الفرج، وهناك تعرف على الفنان محمود شكوكو الذي حاول مساعدته، فقدمه للفنان علي الكسار الذي ضمه لفرقته المسرحية، وقدم له دورا في فيلم "سلفني 3 جنيه"، عام 1939، الذي حصل منه على أول أجر في حياته السينمائية وكان 50 قرشا، وأصبح عضوا بارزا بهذه الفرقة، ثم التحق بفرقة "أحمد الشامي" المسرحية، وهي فرقة للهواة، وكان أول شرط للممثل المسرحي المتجول أن يقتني بطانية وحصيرة ومخدة، وبعدها انضم لفرقة "جورج أبيض"، وكان ظهوره مع تلك الفرق لا يتعدى دقائق، أو مشهدًا في مسرحية"، لكنه عمل مع عدد من نجوم عصره مثل، جورج أبيض، وفوزي الجزايرلي، وعبدالرحمن رشدي، كما اشترك في الأوبريت الغنائي "العشرة الطيبة" الذي لحنه سيد درويش.

وبالرغم من فقره الشديد وعدم تقاضيه أجرًا يحقق له المعيشه الميسرة له ولزوجته الثالثه التي تركنه لعدم تحملها معاناة الفقر معه، إلا أنه ثابر وتخطى تلك الظروف لتحقيق حلمه الذي كان دائمًا نصب عينه، فاتجه للعمل بالسينما في منتصف الثلاثينات، وأختاره المخرجين بأدوار الشر بالرغم من طيبته وبراءته الشديدة،إلا أنه تكوينه الجسماني الضخم وقسوة ملامحه حصرته في تللك الأدوار، وكانت بدايته، خلال فيلم "اليد السوداء" الذي عرض عام 1936، ولعب فيه دور البواب الشرير الذي تحوم حوله الشبهات بقتل أحد الأثرياء، وفي العام نفسه، قدم فيلما آخرا هو "الأبيض والأسود".
في عام 1937، شارك في فيلم "سلامة في خير مع نجيب الريحاني، كما اشتركا معا، عام 1946، في فيلم "أحمر شفايف"، وفيلم "أبو حلموس" عام 1947، وقدمه علي الكسار في مجموعة من أفلامه منها "سلفني 3 جنيه" عام 1939، و"ألف ليلة وليلة" عام 1941، و"علي بابا والأربعين حرامي" عام 1942، الذي قدم فيه دور رئيس العصابة "حافظ شعلان"، و"نور الدين والبحارة الثلاثة" عام 1944.
جسد شخصية زعيم العصابة "أبو الدبل" في فيلم "الواجب"، عام 1948، إخراج هنري بركات،، وهو أقرب أدوار "القصبجي" لقلبه، كما صرح في إحد حواراته، وبدأ التحول المهم في مشواره الفني بعد أن شاهده الفنان أنور وجدي في أحد العروض المسرحية التي كان يقدمها مع الفنان علي الكسار ليمنحه دور شيخ المنصر "غراب" في فيلم "أمير الانتقام" عام 1950.

اتجه القصبجي إلى الكوميديا، بعدما اكتشفه المخرج فطين عبد الوهاب في دور "الشاويش عطية"، الذي اشتهر به، وأصبح راسخا في أذهان الجميع، محققًا نجاحا كبيرا في هذه الشخصية، بعد أن أداها ببراعة خلال 9 أفلام بدأت بفيلم "مغامرات إسماعيل ياسين" عام 1954، وانتهت بفيلم "إسماعيل ياسين للبيع" عام 1958، مرورا بـ7 أفلام شهيرة هي، "إسماعيل ياسين في الجيش، وإسماعيل ياسين في البوليس، وإسماعيل ياسين في جنينة الحيوانات، وإسماعيل ياسين في البوليس الحربي، وإسماعيل ياسين في الأسطول، وإسماعيل ياسين في مستشفى المجانين، وإسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة".
بالرغم من تلك المسيرة الحافلة بالنجاحات والتضحيات من أجل إسعاد الآخرين إلا أن القصبجي اختتم حياته طريح الفراش دون أن يسأل عنه أحد وهو يعاني من الفقر الشديد حتى إنه لم تجد أسرته حق جنازته عند وفاته والتي تكفل بها المنتج جمال الليثي، عقب إصابته بشلل نصفي في يده اليسرى والتي أبعدته عن التمثيل فترة لا بأس بها، إلا أن توفاه الله في 23 أبريل 1963، عن عمر يناهز 60 عاما.

"إبراهيم سعفان"
فنان ذو طابع خاص، خلق لنفسه حيزا مميزا، جعل من أدواره الثانوية، أدوار بارزة ومحلقة في سماء الفن لا يستطيع أن ينساها،وكأن الأدوار التي قدمها كُتبت خصيصًا من أجله، لا يجوز لك كمشاهد أن يطل عليك دون أن تضحك، التحق سعفان بكلية الشريعة بناءً على رغبة والده، إلا أن موهبته كانت دافعًا له لأن يدرس التمثيل أيضًا، فدخل معهد الفنون المسرحية وحصل على الشهادتين، ثم عمل فترة مدرسًا لمادة اللغة العربية إلى أن توفي والده، فإنضم بعدها إلى فرقة التليفزيون المسرحية ثم إلى فرقة الريحاني، إلى أن تتالت مشاركاته في الأعمال المسرحية والإذاعية والسينمائية والتليفزيونية. نجح في دور "زوزو بيه" فى مسرحية "سنة مع الشغل اللذيذ".
كان يظهر أمام أفراد الفرقة على أنه سمو الأمير الذي يتحدث العربية على الطريقة التركية، والذي سمح لهم باستخدام قصر العائلة في خطتهم للوصول لعالم النجومية، ثم يكتشفوا بعد ذلك أنه ابن الغفير، وكان قد أفهم والده أنه يعمل مكانه على حراسة القصر في غياب أصحابه، لكي يعطي الفرصة لوالده أن يستريح إلى أن يعود أصحاب القصر، فقد أقنعنا طوال الجزء الأول من الفيلم أنه سمو الأمير "المتعنتظ"، ثم فاجأنا في الجزء الأخير من الفيلم بأنه فلاح ابن فلاح، ما جعل من هذه المفارقة في حد ذاتها "إفيه" مستقل بذاته.

قدم العديد من الأعمال التي ظلت خالدة في عقول ووجدان محبيه ومتابعيه، فمن ينسى دور "أمين أفندي" في فيلم "تجيبها كده تجيلها كده هي كده"، حين كان مدير القسم الإداري الذي يعمل فيه أبطال الفيلم، فكنت تشعر وكأنه أب روحي لهم بالرغم من تسببهم الدائم في أن يتعرض للتحقيق والجزاءات بسبب مغامرات سمير غانم العاطفية، وعندما كانوا في رحلة صيفية وتشاجروا على الشاطئ كان يقود وينظم المشاجرة وهو جالس على الكرسي المامبو يقرأ الجريدة مرتديًا جلبابه الرحراح، من شاهد هذا الفيلم لا يمكن أن ينسى، أيضًا، اللازمة المشتركة ما بين أمين أفندي ومصيلحي الساعي "المنتصر بالله".. "معايا حاجة حلوة.. وده وقته؟"، كما لا يمكن أن ننسى أيضًا اللازمة المشتركة بينه وبين سمير غانم، حين كان يسأله سمير غانم في منتصف أي حوار وبدون أي مناسبة "تسعة × سبعة بكام"، فيرد عليه دون أن يغير في أداء الحوار الأصلي وكأن السؤال طبيعي ويجيب بأي رقم عشوائي، وفي إحدى المرات كانت إجابته "ماخدنهاش"، وبالرغم من أن بطل الفيلم سمير غانم، إلا أنه صنع لنفسه بصمة وطابعا خاصا داخل ذلك العمل بحنكة واحترافية هائلة.
كان هذا آخر ما قدمه سعفان للسينما قبل وفاته، في دولة الإمارات 4 سبتمبر 1982، وهو نفس شهر عيد ميلاده، فقد ولد في 13 سبتمبر 1924، أي أنه رحل عن عالمنا عن عمر 58 عاما، رحل تاركًا لنا ميراثا من الضحكات، ميراث كلما صرفنا منه لا ينتهي، فقد صنع من أدائه التلقائي ما يجعلنا نضحك مع نفس العمل الفني مهما تعددت مشاهدتنا له.