الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إفريقيا.. النقد المباح للإعلام المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن الإعلام المصرى قد فهم مقولة الرئيس عبدالفتاح السيسى الشهيرة «الرئيس عبدالناصر كان محظوظا بإعلامه» على نحو يتناسب وطبيعة العلاقة بين الدولة والإعلام، فى ظل نظام ديكتاتورى استبدادى لا يريد سماع صوت غير صوته. 
وجنح للخلط بين تأييد الدولة فى سياساتها التنموية واستراتيجيتها لإعادة بناء مؤسساتها، وبين نفاق رموزها من المسئولين التنفيذيين على نحو لا يرضاه النظام ولا يتفق مع مقتضيات بناء دولة، وبدلا من السعى لطرح القضايا الرئيسية لمجتمعنا، وتفجير المعارك الثقافية والفكرية التى من شأنها تحريك الماء الراكد فى مجتمع أسنت مياهه الثقافية، انشغل الإعلام فى حكايات الجن والعفاريت وأساطير المشعوذين ومن سمّاهم بعلماء الفلك قارئى الفنجان والطالع، ولأن قضايانا الحقيقية غابت عن أغلبه؛ فقد مصداقيته حتى فى عرضه للإنجازات التى حققتها الدولة ومؤسساتها خاصة فى المجالات الاقتصادية والسياسية.
واختار الإعلام القومى منه والخاص الاكتفاء بتصريحات المسئولين وبيانات رئاسة الجمهورية حول جولات الرئيس، لتبدو تحركاته رغم أهميتها وحساسيتها، نوعا من الزيارات الروتينية التى اعتاد الجمهور المصرى مشاهدتها فى زمن مبارك فى نشرة التاسعة مساء بالتليفزيون المصري.
إفريقيا كانت أحد العناوين الرئيسية التى استخدمها معارضو مبارك لانتقاده واتهامه بالتخلى عن منجزات عبدالناصر فى القارة السوداء، بل إنها كانت عنوانا متكررا فى مقالات كبار الكتاب بالصحافة القومية والحزبية على حد سواء، بمستويات مختلفة من النقد والتوجيه بضرورة العودة للحضن الإفريقي.
اليوم وقد تغير الحال فى دولة ٣٠ يونيو، أصبح معلومًا لدى الجميع أن إفريقيا بامتدادها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، أضحت فى بؤرة الأجندة المصرية، ومع ذلك لا يشعر رجل الشارع العادى ولا حتى النخبة بتلك الحقيقة؛ فكل ما يقرأه أو يشاهده قاصر على البيانات الصحفية المرتبطة بالزيارات الرئاسية، وبطبيعة الحال لا تتطرق مثل هذه البيانات إلى مضمون وتفاصيل ما يجرى فى لقاءات الرئيس مع نظرائه الأفارقة.
والواقع أنه ليس من المطلوب الإفصاح عن تلك التفاصيل، ولكن من المطلوب أن يجد هذا الاهتمام المصرى بالقارة السمراء الصدى الملائم فى وسائل الإعلام، بأن تتجه إلى تخصيص المزيد من المساحات لتعريفنا بإفريقيا حضاريا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا، ومناقشة إشكاليات العلاقة معها، وأوجه معالجتها لتحقيق المصالح المشتركة. 
كان منتظرا من الإعلام المؤيد للدولة أن يسير فى ركبها، ليس فقط لتوعية المجتمع المصرى وإعلامه بحقائق لا يعرفها عن أشقائه الأفارقة بخلاف أسماء أنديته ولاعبى كرة القدم، وإنما لتشعر الدول الإفريقية بأن المجتمع المصرى مؤمن بأنها عمقه وامتداده الحضارى والسياسى والأمني. 
قبل أيام تحدث الكاتب الكبير وشيخ شيوخ الصحافة مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام، عن التطور الحادث فى العلاقة المصرية الإفريقية، ولو كان أستاذنا رئيسا لتحرير إحدى الصحف؛ لخصص صفحات تخبرنا عن إفريقيا.
وأظنه مدعوًا بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للإعلام، إلى توجيه رؤساء التحرير والمسئولين فى الفضائيات للالتفاف حول توجه الدولة ودعمه.
الانشغال بالمعارك الصغيرة قد أضر بالنظام وجعل أولوياته الجادة على هامش اهتمامات الرأى العام، ولا بد من العودة إلى قواعد العمل الصحفى والإعلامى التى تلزمنا جميعا بأن تكون الرسائل الجادة والعميقة هى النسبة الغالبة، ولا تشغل صحافة الإثارة المطلوبة بطبيعة الحال أكثر من الحيز المسموح لها؛ هذا إذا كنا جادين فى دعمنا لسياسات دولتنا التنموية.
صحيح أن المتخصصين فى الشأن الإفريقى أصبحوا عملة نادرة فى الصحافة المصرية، ومع ذلك فإن مصادر المعلومات المتاحة كفيلة لتؤهل أى صحفى محترف للتخصص فيها بدءًا من معهد الدراسات الإفريقية ومرورًا بتقارير وزارة التجارة الخارجية المعنية بواقع علاقاتنا التجارية مع الدول الإفريقية وما يحتاجونه من صادراتنا وما نحتاجه من وارداتهم، ووصولا إلى السفارات وملحقاتها الثقافية التى بوسعها إمدادنا بالمزيد من المعلومات عن عادات وتقاليد وفنون تلك الشعوب والأمم.
ومن باب النقد الذاتى، أدعو جريدتنا الغراء «البوابة» إلى أن تبادر بتخصيص مساحة للشئون الإفريقية، تقدم موضوعات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية، لتكون نموذجا للانفراد بطرح قضايانا الوطنية، كما تنفرد دائما بالقضايا التى تسهم فى عملية التنوير وبناء الوطن.