الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحرب في منزل طه حسين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو د. زكى مبارك (١٨٩٢- ١٩٥٢) مثالًا على الأديب والشاعر والصحفي، الجاهز دومـًا للاشتباك فى المعارك الأدبية والفكرية.
حمل زكى مبارك القلم مثلما يحمل فلاح سنتريس «النبوت»، وهجا الجميع. يبدو أيضـًا أن تأثير قرية سنتريس بالمنوفية التى ولد بها، كان له أثرٌ كبير على زكى مبارك، فقد نشأ يحبّها ويشير إليها باستمرار.
وربما ليس هناك ما يكشف عن شخصية زكى مبارك أكثر مما أورده هو شخصيـًا فى مقال تحت عنوان «فى منزل الدكتور طه حسين» نشرته مجلة «الرسالة»، عن لقاء وجلسة فى منزل أستاذه وصديقه اللدود عام ١٩٣٩، يتضح فيها كل ما ذكرناه عن شخصية زكى مبارك التى تميل إلى الهجاء، وغمز البعض من قناة أصوله المنوفية، وعلاقته المتأرجحة مع أبرز أدباء عصره ومفكريه.
يقول زكى مبارك فى نص مقاله إنه زار طه حسين فى منزله الكائن فى الزمالك «فكان منزله فى أنس بجماعة من أهل الفضل هم الأساتذة شفيق غربال، وعبدالواحد خلاف، ومنصور فهمي، وعلى عبدالرازق، وسعيد لطفي، وأمين الخولي، وتوفيق الحكيم، وعبدالوهاب عزام، وإبراهيم مصطفى، وعبدالحميد العبادي».
ولنتابع بعض فقرات من الحوار الممتع:
«وبعد أن دارت السجائر على الزائرين شرع الأستاذ أمين الخولى فى الحديث
أمين الخولى - يا زكي، ما تترك أبدًا أخلاق المنوفية؟
طه حسين - وما أخلاق المنوفية؟
أمين الخولى - هى المشاغبة واللجاجة والعناد
طه حسين - وزكى مبارك مشاغب؟ قل كلامـًا غير هذا يا أمين، فما عرف الناس زكيـًا إلا مثال اللطف والأدب والذوق. الدكتور زكى حقيقة رجل لطيف؛ ومن آيات لطفه أنه ينظر فيرى الناس قد ضجروا من الهدوء والسكون فيسلط عليهم القذائف القلمية ليتذوقوا نعمة الحركة والجدَل والنضال.
على عبدالرازق - يظهر أنك راضٍ عن الدكتور زكى مبارك. 
طه حسين - وهل أملك غير ذلك؟
زكى مبارك - تملكُ كلمة النصح يا سيدى الدكتور، إن رأيت ما يوجب كلمة النصح.
طه حسين - لا، يا عم، يفتح الله!
زكى مبارك - يظهر يا سيدى الدكتور أنك غضبان.
طه حسين - لست بغضبان، ولكن يحق لى أن أنزعج من بعض ما أقرأ لك
عبدالواحد خلاف - لعل الدكتور يشير إلى مقالاته فى مهاجمة الأستاذ أحمد أمين.
أحمد أمين - أنا أحتج على إثارة هذا الموضوع فى هذا المجلس.
خلاف - الخطب سهل، ونحن نحاول تصفية القلوب.
أحمد أمين - أنا أحتمل كل شيء إلا التعرض لنبالتي.
طه حسين - وهل تعرض زكى مبارك لنبالتك بشيء؟ إن هذا لو صحّ لكان خروجـًا على شِرعة العقل!
أحمد أمين - لقد تعرض لنبالتى بأشياء.
إبراهيم مصطفى - إن الدكتور زكى لم يتعرض لنبالتك، يا حضرة الأستاذ
زكى مبارك - أنتم تخوضون فى شجون من الأحاديث لا عهد لى بها قبل اليوم، فما كنت أعرف أن الأستاذ أحمد أمين فوق النقد، ولا كنت أظن أن التعرض لتفنيد آرائه يعد هجومـًا على قدسيته الذاتية! فهل تعتقد يا أستاذ أنى تجنيت عليك؟
أحمد أمين - ليس لى معك كلام، ولا أقبل الدخول معك فى نقاش، وأنت حرٌّ فيما تنشر من زور وبهتان.
زكى مبارك - زور وبهتان؟ وهل النبالة أن تنطق بهذه الكلمات فى هذا المجلس؟
منصور فهمى - لاحظ يا زكى أنك جرّحت الأستاذ أحمد أمين وأن من حقه أن يعلن غضبه عليك، والنفس الإنسانية معرضة للرضا والغضب، والفرح والترح، والرجاء والقنوط. فالأستاذ أحمد أمين يعبر تعبيرًا طبيعيـًا عن السريرة الإنسانية
طه حسين - إيه الحكاية؟
أحمد أمين - الحكاية أن زكى مبارك يقول إن طه حسين جاهل، وإن أحمد أمين جهول!
طه حسين - خبر أسود!
سعيد لطفى - أنا كنت أظن أن المسألة مزاح فى مزاح. وأين نشر الدكتور زكى هذا الكلام المزعج؟!
أحمد أمين - نشره فى مجلة «الرسالة» وعند الزيات. «الرسالة» التى خلقتها بقلمي.
زكى مبارك - والزيات الذى سوَّيته بيديك!
طه حسين - لقد قرأت المقالة الأولى قبل السفر، وأوصيت الأستاذ عبده عزام بحفظ المجموعة لأقرأها يوم أعود، وسأقرأها فى هذه الأيام، فإن رأيت فيها أنى جاهل وأن أحمد أمين جهول فستكون وقعتك يا زكى زيْ الزفت!
أحمد أمين - وما شأنك بالأدب العربي؟ وما خدماتك لهذا الأدب الذى تقول إنك تغار عليه كما تغار على عِرضك؟
زكى مبارك - يكفى أنى من تلامذة طه حسين.
طه حسين - العفو! العفو! إنى والله راض بأن تكون من أساتذة طه حسين!
زكى مبارك - يا سيدى الدكتور.
طه حسين - تقتلنى حين تقول (سيدى الدكتور) وأنت ترى أنى جاهل وأن أحمد أمين جهول.
على عبدالرازق - لم أشهد فى حياتى أروع من هذا الحوار، وهو يستحق التسجيل.
طه حسين - فهل نرجو أن يكف زكى مبارك عن العدوان بعد هذا الصفاء؟
زكى مبارك - هل تصافينا حقيقة؟
أحمد أمين - لن نتصافى أبدًا بعد الذى كان.
زكى مبارك - يظهر أنك تستروح بالهجوم عليك، وسأخيِّب ظنك فأسكت عنك بعد ثلاث أو أربع مقالات... مساء الخير، يا سيدى الدكتور، والحمد لله الذى أرجعك إلينا بخير وعافية.