السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المنتقبة الشفافة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذات يوم ذهبت إلى أحد المطاعم بمحافظة الفيوم تلبية لدعوة إحدى معارفى المنتقبات، شابة جامعية أعرفها منذ سنوات، كانت ترتدى ما تشاء وتهتم بشعرها وتضع طلاء الأظافر وتتعرف إلى الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعى بل وتحادث أكثر من شخص فى نفس الوقت على الشات، سمعت بخبر انتقابها بعد ارتباطها بطبيب متشدد أقنعها بالنقاب، انفصلت عنه ولكنها ظلت منتقبة، ولأن محافظة الفيوم بيئة خصبة للترحيب بأى مظهر متشدد فقد لاقى قرارها ترحيبا وتشجيعا بصرف النظر عن دوافع ارتدائها له!
هاتفتنى بعد وفاة والدى تعزينى، ودعتنى لتناول الغداء سويًا، وحددت المكان الذى تفضله.
تقابلنا على باب المطعم ودخلنا سويًا، كنت أرتدى الأسود حدادًا على والدى وعيناى منتفختان ووجنتاى متورمتان ووجهى باهت وحزين، ولكننى لا أضع غطاءً على شعرى كما هو سائد هناك، هى كانت ترتدى نقابًا كاملًا مبخرًا ببخور خليجى، من ورائه عينان مكحلتان وأهداب محددة بالماسكرا وجفون مرسومة بمحدد العيون!
ما إن دخلنا جاء إلينا شاب وسيم يافع حسن المظهر، عرف نفسه بأنه مالك المطعم ومديره، رحب بنا كوننا نزور مطعمه لأول مرة!
فوجئت برفيقتى تقول له باستنكار: أول مرة إزاى؟ إنت ماتعرفنيش؟ أنا وصاحباتى كل يوم عندك هنا بعد المحاضرات!
تعامل باستخفاف شديد مع كلامها وأنا كذلك، فكيف له أن يعرفها وهى ملثمة؟ هل هى منتقبة شفافة مثلًا؟ هل تتوقع أن يعرفها من نبرة صوتها أو من رسمة عينيها أو من هيئة جسدها؟ ما فائدة النقاب إذًا؟ لماذا ترتديه لتختفى عن عيون الرجال ثم تستنكر عليهم ألا يتعرفوا عليها من خلاله!
ولكنها كانت مصممة بقوة أنه يعرفها جيدًا، حتى أننى تشككت أنها معجبة به وحاولت لفت انتباهه كثيرًا وتوهمت منه قبولًا!
جلست أراقبها وهى غاضبة من توجيه غالبية حديثه لى، ومن ترحيبه المبالغ بى عندما علم بأننى من سكان القاهرة، وجدتها تحاول جاهدة اجتذاب دفة الحديث نحوها بأى طريقة، وهو مصمم على تجاهلها!
أشرف على الطعام بنفسه، وكان يتردد علينا ليطمئن على حسن الخدمة، وعند دفع الفاتورة قدم لى كارته الشخصى وطلب منى تكرار الزيارة كلما قدمت إلى الفيوم، فلم تطق رفيقتى المنتقبة وقالت له بدلال غاضب: وأنا ماليش كارت زى الدكتورة؟
فرد عليها بكل هدوء: مش إنتى قولتى إنك بتيجى هنا كتير، يبقى أكيد معاكى كارت المحل!
خرجنا وأنا أستشعر لديها غضبًا ممزوجًا بالإحراج والغيرة النسائية، فالأنثى ستظل أنثى ولو دفنوها حية، ميلها لجذب الجنس الآخر والاستحواذ على اهتمامه فطرى ولن يمنعه حجاب ولا نقاب ولا حتى خيمة!
الأهم من ذلك أننى تيقنت أن غالبية المنتقبات لديهن فعلًا شعور بالاستعلاء المزيف على باقى النساء، ينهار أمام أول رجل لا يعيرهن اهتمامًا ولا يشعرهن بهذه الأفضلية ويوجه اهتمامه واحترامه لسافرة تراها غير مكرمة مثلها، ولكننى حتى هذه اللحظة أتساءل: لماذا استنكرت عليه أنه لم يعرفها؟