الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة العقل العربي: الرغبة في التعايش مع الخيانة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم الفروق الفردية فى الشخصية الوطنية لكل دولة عربية على حدة، تميز فرد عن آخر، وتميز مجموع الشعب فى دولته عن بقية شعوب منطقته، إلا أن هناك مجموعة من الخصائص والسمات التى تميز الشعوب العربية بشكل عام عن شعوب مناطق جغرافية وعرقية أخرى كثيرة فى العالم. هناك وجدان قومى لنا، وهناك عقل قومى لنا. الوجدان هو ما يخلق حالة الفرح لفوز الفريق السعودى أو السورى أو المصرى بالتأهل لكأس العالم، والوجدان هو ما يحرك الدموع فى العيون وترتج الصدور حزنا على تمزيق العراق وتدمير سوريا، وتخريب ليبيا. 
العقل القومى هو ما يجعلنا ندرك هذه الكوارث، فتبكى الأفئدة.
ما سبق بديهيات منطق، ومن السخف جعل البديهيات مقدمات تفضى إلى نتائج يستحسنها العقل، ويبنى عليها،لكن أخبرنى عن أى شىء غير سخيف حولنا الآن؟! وأطلعنى عن أى شىء فيه منطق نقوله أو نفعله حولنا الآن!
سنجعل البديهيات السالفة الذكر مقدمات لكى نصل إلى صدمة كاشفة تتعلق بالطريقة التى نفكر بها ونعقل بها وندبر أفعالنا تأسيسا على ما انتهينا إليه من فهم وفكر وقرار.
لكى نعرف كيف يفهم العقل العربى وكيف يعقل ما يراه فيه وحوله، لا بد أن نعرف فى المقام الأول مكونات، ومحتويات هذه الشاحنة المملوءة بخردوات تاريخ وثقافة العرب منذ الجاهلية حتى الداعشية!
ثقافتنا هوامش السلف وهوامش الهوامش للخلف، حتى تسيد علينا الهوام.
«الخردوات» هى كل شىء من أى شىء، مما لا وزن له، من الإبرة إلى الأزرار إلى الخيوط إلى الطراطير إلى العجلات إلى لعب الأطفال، إلى المسدسات والألى البلاستيكية والفشنكات إلى البالونات إلى أوراق الزينة لأعياد الميلاد إلى البارفانات ماركة لا ريف وريف دامور وجاسمين وموناليزا الشعبية!
مكونات العقل العربى هى مهجور المخازن، هى بقايا جاهلية، على بقايا إسلام، على هوامش وتفاسير، على بقايا عروبة، على بقايا عزة، على بقايا نخوة، على بقايا قراءات. 
مكونات العقل العربي، تعليم قبلي، وتعليم حكومي، تعليم حكومى وتعليم خاص، تعليم خاص وطنى وتعليم خاص دولي، تعليم خاص دولى وتعليم خاص إخواني، تعليم خاص إخوانى وتعليم خاص سلفي، تعليم خاص سلفى وتعليم خاص داعشي. 
انظر المنظومة واذكر وتأمل أين موقع التعليم الحكومى؟!.
الخريجون هم أبناؤهم، وجنودهم، فى منابر الوعظ والصلاة، وفى منابر العلم والعمل، والخدمة.
تلك خطوط عريضة لمكونات عقل تركناه للغزو الدينى والسياسى والعقائدى المذهبي، بعيدا عن الأصولية الوطنية الحقة، التى هى فطرة المواطن السوى على أرض وطنه وعلى تراب بلده. تلك الروح الجامعة للشعور العام بأن الوطن يستحق الرفعة بالعلم وبالعقل وبالسلاح. 
أزمة قطر من الأمثلة المخجلة الكاشفة عن طريقة استقبال العقل العربى لأداء دولة عربية مهووسة بإنفاق المال على الإرهابيين، من المتطرفين فى الدين ومن المتطرفين فى السياسة، فى سبيل تخريب بقية أعضاء الأسرة العربية، وفى القلب منها مصر والسعودية والبحرين. وصفت الأزمة وصفين، مخجلة وكاشفة، والحقيقة أن الجانب المخجل فيها أهم فى التوصيف وترتيب النتائج من الجانب الكاشف. لماذا؟!
لأنك بالعقل السوى والفطرة السليمة لا يجوز عليك قط أن تعرف أن شخصا يقتل أولادك ويخرب بيتك، ثم تتوسل إليه أن يكف عن ذلك. التوسل معناه أنك ضعيف جدا، لا تقوى عليه، أو أنك شريك معه بالصمت. ولنقرب القضية أكثر وعلى نحو أيسر، فإن الدول العربية الخليجية، ومعها وقبلها مصر، تعلم، بالمعلومات وبالديناميت أن قطر دولة ترعى الإرهاب الدينى والسياسي، وتوفر الملاذ الآمن والتمويل اللانهائي، وتجند الأفراد من شتى أنحاء العالم، لزعزعة استقرار الخليج ومصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن، والآن أوروبا من فرنسا إلى بريطانيا إلى إسبانيا، ومن أوروبا إلى أمريكا.
حسنا إنك الآن تعلم من الذى يحرض ومن الذى يمول، ومن الذى يتبجح؟ فماذا فعلت أمريكا، والدول الخليجية، ومصر والاتحاد الأوروبى؟!
الحقيقة أنهم فعلوا جهد طاقتهم، لفد قاطعوا قطر تلك الدولة العربية المارقة، وهزوا ويهزون اقتصادها بقوة، ودخلت على خط الوساطة دولة الكويت، لتعرض المطالب الثلاثة عشر، وتستقبل الردود وتصلح ذات البين، وتدخلت أمريكا، التى تعرف كما يعرف العرب، أن قطر هى خزينة الإرهاب الدينى والسياسى ودرعه وصوته المدوي، لكى تصلح ذات البين بين الدوحة والشقيقات الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
حين تعرف من القاتل وتتوسل إليه ألا يقتل، فماذا يكون اللقب المناسب لك؟ 
ضعيف أم ضالع، أم مستعبط على نفسك؟. 
من يمول القاتل هو قاتل ومن يمول الإرهاب هو إرهابي. إذن قطر إرهابية. 
وما دامت قطر إرهابية وزعيمها إرهابيًا هو تميم، فكيف يجوز عقلا وسياسة وواقعا أن تتفاوض أمريكا مع إرهابى على رأس دولة إرهابية؟ 
هكذا وجدتنى أتأمل كيف برر لنا العقل العربى بمكوناته العبثية، دواعى التعايش مع الخيانة فى أبشع مظاهرها!