السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

24 مليار جنيه فاتورة مستشاري الوزارات سنويًا.. وخبراء يطالبون بتخصيص النفقات لقطاعي التعليم والصحة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالرغم من التغييرات الجذرية التي حدثت في المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة إلا أن هناك أزمة لا تزال عالقة تأبى أن تنتهي ألا وهي "مستشاري الوزارات" الذين يكلفون الدولة ملايين الجنيهات، في ظل غموض يحيط بالمهام المطلوبة منهم أو التي يقومون بها في خدمة الوطن، ولأخطر والأدهى أن هذه الأزمة بدأت في الأساس على المجاملات من أجل المصالح الشخصية ومع تعاقب الأنظمة المختلفة ظلت الأزمة تتمدد وتنتشر حتى أصبحت مرضا خبيثا في العديد من قطاعات الدولة. 
وبالرجوع إلى سنوات سابقة، فإن حكومة الدكتور كمال الجنزورى، كانت أول من أعلن صراحة عن أعداد المستشارين بالوزارات ونفقاتهم التي تتحملها الدولة وفق أرقام رسمية صادرة عن الحكومة، حيث أعلنت الحكومة آنذاك أن عدد المستشارين فى أجهزة الدولة يبلغ 1490 مستشارًا، يتقاضون 72 مليون جنيه، وبالرغم من أن الرقم لم يكن منصفا أو دقيقا، فقد خرجت إحصاءات عن مراكز بحثية اقتصادية -غير رسمية- وقتها أكدت أن عدد المستشارين فى الوزارات والمحافظات يبلغ 73 ألفًا، يتركز معظمهم فى وزارات المالية والبترول والصحة والسياحة والتموين، ويحصلون على مليار ونصف المليار جنيه شهريًّا.
ويوما بعد الآخر ظلت الأزمة تتفاقم، حتى أظهرت مضابط لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى، في دورته الأخيرة قبل حله، أن تكاليف الاستعانة بالمستشارين فى الهيئات الحكومية فقط وصلت إلى 18 مليار جنيه سنويا، إلا أن "المركز المصري للدراسات الاقتصادية"، أصدر مطلع العام الجاري تقريرا أكد فيه أن عدد المستشارين في الوزارات والهيئات الحكومية المصرية ارتفع إلى أكثر من 83 ألف مستشار يتقاضون شهريًا مبلغ ملياري جنيه، ما يعادل 24 مليار جنيه سنويًا على شكل رواتب ومنح وحوافز.
ولفت التقرير الصادر في شهر مارس 2017 إلى أن المستشارين هؤلاء يتمركزون في وزارات عدة، منها وزارات المالية، والبترول، والصحة، والسياحة، والتضامن الاجتماعي، والتخطيط، والعدل، والتموين، والتعليم، والتعاون الدولي، كما يوجدون ببعض الهيئات الحكومية، كالهيئات الاقتصادية، وقطاع البنوك، وعدد من الجامعات، وفي بعض المحافظات.
وأكد التقرير أن كثيرًا من هؤلاء المستشارين والخبراء بلغوا سن الشيخوخة، وتجاوزت أعمارهم الخمسة والسبعين عامًا، ولم يقدموا جديدًا للنهوض بالدولة اقتصاديًا، وأن ما يتقاضونه من رواتب ومنح يكفي لحل مشاكل البطالة لدى كثير من الشباب، وتشغيل عدد من الشركات والمصانع المعطلة عن العمل منذ سنوات.
ووفق التقرير فإن "وزارة المالية تتصدر قائمة الوزارات التي يتقاضى فيها المستشارون رواتب ضخمة، حيث يعمل في الوزارة 500 مستشار، يحصلون على رواتب وأجور ضخمة سنويًا، ما يعد انتهاكًا لمبدأ العدالة الاجتماعية".
وفي نهاية التقرير لفت المركز المصري للدراسات الاقتصادية إلى أن "كثرة أعداد المستشارين في الوزارات والمؤسسات الحكومية دليل على استمرار الفساد وتوغله في الكثير من المصالح الحكومية"، كما طالب المركز بضرورة سن قوانين حازمة للحد من زيادة عدد المستشارين.
«البوابة نيوز» حاولت الوصول إلى حل للأزمة العالقة والتي وصلت إلى مجلس النواب الحالي، في الأيام الماضية، وأثارت جدلًا كبيرًا حيث رفض النواب وجود مادة تتيح الاستعانة بالمستشارين فى الوزارات، في بداية التصويت على قانون الخدمة المدنية، ثم عاد المجلس للتراجع مرة أخرى، بعد أن قرر إعادة المادة 16 بمشروع قانون الخدمة المدنية إلى لجنة القوى لتعديلها، ليكون النص النهائي كالآتي: "يجوز التعاقد فى حالات الضرورة، مع ذوى الخبرات فى التخصصات النادرة، وفقا للشروط والضوابط الآتية: 1ـ ألا يوجد بالوحدة والأجهزة التابعة لها من يملك خبرة مماثلة فى التخصص المطلوب ويمكن الاستعانة به. 2 ـ ألا تقل خبرة المتعاقد معه فى التخصص المطلوب عن 10 سنوات. 3 ـ عدم الإخلال بالحد الأقصى للدخول. 4 ـ أن يكون التعاقد لمدة أو لمدد لا تتجاوز ثلاث سنوات. 5 ـ أن يكون التعاقد بموافقة رئيس مجلس الوزراء، بناء على عرض الوزير المختص.
في السياق ذاته، أكد خبراء واقتصاديون أن الأموال التي يتقاضاها المستشارون تُعد أموالًا مهدرة يمكن استغلالها لإقامة مشروعات وتوفير فرص عمل وتدريب الشباب والاستعانة بخبرات جديدة للقيام بمهام المستشارين مثل وكلاء الوزارات الذين لهم باع كبير في العمل العام وهم الأجدر على القيام بمهام المستشارين.
وبدوره، قال الدكتور باسم حلقة، الأمين العام للاتحاد المصري للنقابات المستقلة: إن أزمة المستشارين بدأت منذ سنوات في ظل الأنظمة السابقة وخطورتها أنها لم ترتكز من البداية على الاستفادة من خبرات المستشارين واقتصرت على المجاملات، فكان من المتعارف عليه أن أي مسئول في وزارة أو مؤسسة ينهي فترة عمله يتم تعيينه في أي وزارة بصفة مستشار على سبيل المجاملات الشخصية.
ودعا "حلقة" في تصريحاته لـ"البوابة نيوز" إلى ضرورة وقف المجاملات فورا، وقال: "إذا كان الوزير لا يستطيع إدارة وزارته من خلال خبراته ويستعين بمستشارين من خارج الوزارة لحل مشكلاتها لا يستحق أن يبقى في منصبه".
ولفت "حلقة" إلى أنه في حالة توجيه المبالغ الضخمة للمستشارين والتي بلغت 24 مليار جنيه بحسب إحصائية حديثة في أحد القطاعات المهمة في الدولة كالتعليم أو الصحة سيعود على الدولة والمجتمع بخدمات أفضل بكثير من هؤلاء المستشارين ويخرج جيل مبتكر قادر على ريادة الأعمال في كل قطاعات المجتمع. 
كما شدد على أنه "فى كل وزارة يوجد وكلاء وزارة وخبراء هم أولى من المستشارين المتعاملين من الخارج، فمن خلال خبراتهم المتوارثة على مدار عشرات الأعوام هم قادرون على حل أزمات الوزارة". 
وأردف قائلا: "إذا كان هناك مستشارا أجدر من خلال خبرته في إدارة أي وزارة فهو الأجدر والأولى بمنصب الوزير بدلا من تحميل الدولة المزيد من النفقات".
واقترح حلقة أن يكون الاعتماد على المستشارين من خلال القيام بمهام محددة وفى مدة محددة لا أن يكون المستشار جزء من القوام الرئيسي الذين يتقاضون راتبا شهريا، بمعنى أنه في حال الحاجة إلى مستشار أو لجنة لإدارة أزمة معينة يمكن استقدام خبراء من أجل إنجاز هذه المهمة فقط بمقابل مادي لا يحمل الدولة المزيد من الأعباء والنفقات طويلة الأمد.