الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

قانون بناء الكنائس "لف وارجع تاني"

رغم مرور عام على إقراره..

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«تنسيقية المواطنة» تطالب بتعديله.. و«الوفد» يستنكر تأخر إصدار اللائحة التنفيذية

«يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونًا لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية».. وهو ما نصت عليه المادة 235 فى باب الأحكام العامة والانتقالية بالدستور الحالى، ووسط تصفيق حاد وهتافات عاش الهلال مع الصليب، ورفع علم مصر فى قاعة مجلس النواب، مساء 30 أغسطس 2016، وافق البرلمان على مشروع قانون بناء وترميم الكنائس بصورة نهائية وأحاله للرئيس، لم ينته الأمر عند التصفيق الحاد وهتاف تحيا مصر احتفالًا بقانون الكنائس، إنما خرج رئيس مجلس النواب قائلًا: «إن الانتهاء من القانون شهادة للعالم كله بأن مصر يد واحدة». 
نفس القانون لبناء وترميم الكنائس، لا يزال حائرًا بين الحكومة والمحافظين، فمجلس الوزراء أكد أن القانون صدر برقم 199 لسنة 2017 من رئيس الوزراء، وليس له لائحة تنفيذية، سارية ومعمول بها بالفعل، وهناك لجنة وزارية تم تشكيلها وتم الإعلان عنها بالجريدة الرسمية فى يناير الماضى. 
وتعقيبًا على منع مسيحيى قرية الفرن بمركز أبوقرقاص بالمنيا، من الصلاة بكنيسة القرية، لعدم حصولهم على تصريح ببناء كنيسة، الأمر الذى دفع المسيحيين للصلاة بالشارع، كان رد محافظ المنيا أن التأخر فى عدم تنفيذ قانون بناء الكنائس بسبب أن مجلس الوزراء لم يصدر اللائحة التنفيذية لتنفيذ القانون حتى الآن!

منع الصلاة بدون ترخيص
مؤخرًا عادت الأصوات المسيحية والسياسية مُنددة بصعوبات تطبيق القانون على أرض الواقع، وتقدم الدكتور محمد فؤاد، عضو مجلس النواب والمتحدث باسم حزب الوفد، بسؤال للدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، موجه للمهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، حول عدم صدور اللائحة التنفيذية لقانون بناء الكنائس.
ولفت عضو مجلس النواب فى بيان له إلى أن قانون بناء الكنائس أثار حالة كبيرة من اللغط والتساؤلات على مر الشهور السابقة وحتى الآن، ولم تصدر لائحته التنفيذية دون وجود مبرر أو سبب مقنع من جانب الحكومة، موضحا أن عدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون حتى الآن يعطل سريانه، ويعد انتصارا غير مكتمل بالنسبة للأقباط، وطالب بإيضاح لماذا لم يتم إصدار اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون بناء الكنائس، وما هى المدة الزمنية الموضوعة لإصدارها، على أن يتم الرد على السؤال كتابيا.
وانتقد بيان صادر من «تنسيقية المواطنة» التى تضم شخصيات عامة وسياسيين وشباب مسيحيين، أوضاع الكنائس القائمة والمبنية بغير ترخيص على امتداد عقود، والتصدى من جهة الإدارة لمن يصلى فيها بحجة عدم الحصول على ترخيص، وهى الذريعة التى تتخذ لممارسة أعمال إجرامية من المتشددين والمتطرفين ومن يدعمهم.

«جاد»: الحكومة «بتلاعبنا» بتصريحات متضاربة
«من سيدة الكرم إلى منع أقباط عزبة الفرن بالمنيا من الصلاة داخل كنيسة غير مرخصة، خضع الأمر لسجال وجدال داخل صفوف الأقباط، وأثار غضبا مكتوما لدى البابا، فمتى تتوقف معاناة الأقباط ومتى يتدخل الرئيس»، بهذا التعليق وصف البرلمانى عماد جاد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مشهد صلاة الأقباط فى الشارع تحت حراسة أمنية، معتبرا أنها أكثر المشاهد المسيئة لمصر وصورتها فى العالم.
وقال «جاد» لـ«البوابة»: حدوث مثل هذه المشاهد فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، التى كان يمكن وقوعها فى زمن الإخوان، من الأمور المحبطة للغاية، لا سيما فى ظل عدم تدخل الرئيس بشكل مباشر فى أى من القضايا التى تخص الأقباط. واستنكر تأخر صدور اللائحة التنفيذية لقانون بناء الكنائس، مؤكدا أنه لا يوجد قانون من دون لائحة تنفيذية كما يقول البعض، مضيفا أن: المشكلة الأكبر تكمن فى غياب الإرادة السياسية للجهاز التنفيذى متمثلًا فى الأمن، والبيروقراطية فيما يخص بناء وإصلاح الكنائس.
وأشار إلى أن القانون فى جوهره لم يكن النموذجى أو المطلوب؛ لأنه مُقيد بعدد المُصلين ومساحة الكنيسة وموافقة المحافظ بعد موافقة الأمن، وفى النهاية أصبح قانون تمييزى بين بناء الكنائس والمساجد بعد رفض الأزهر ضم جميع دور العبادة فى قانون موحد، وبالتالى لم يحل القانون المشكلة للآن حتى بعد مرور عام كامل على إقراره. 
مؤشرات بلائحة تنفيذية معقدة للأزمة وليس حلها ووصف «جاد» تضارب التصريحات بين الحكومة والأجهزة التنفيذية فى وجود لائحة تنفيذية للقانون من عدمه، بأنها محاولات لتعطيل تطبيق القانون من جانب الحكومة، وأن من يملك القرار هو رئيس الجمهورية بإصدار التعليمات للأجهزة لتطبيق القانون.
وأكد أن المؤشرات الأخيرة تُنبئ بخروج لائحة تنفيذية تُصعب من تنفيذ القانون وتُعقده، والطريقة التى تُدير بها الأجهزة ملف الكنائس تشير إلى أنهم «يلاعبوننا» بموضوع اللائحة التنفيذية.
ويرى النائب البرلمانى أن دور مجلس النواب انتهى بإقرار الأغلبية موافقتهم على القانون، داعيا رئيس الجمهورية لإصدار لائحة تنفيذية مرنة لإعطاء المسيحيين الحق فى العبادة، متابعا: تصرفات الأمن أصبحت أكثر استفزازا بعد منع المسيحيين الصلاة على موتاهم داخل كنيسة غير مرخصة، ولجأوا إلى الشارع لإقامة طقوس الجنازة، فكيف يتم ذلك فى ظل دعواتنا بدولة حديثة مبنية على المواطنة والمساواة بين المصريين جميعا.

صلاة على جثمان فى الشارع
فبعد أيام قليلة من أزمة كنيسة الفرن بأبوقرقاص، ومنع المسيحيين من الصلاة داخل إحدى الكنائس غير المرخصة، قاموا بالصلاة فى الشارع بعد منعهم من دخول مبنى كنيسة غير مرخص، اندلعت أزمة مسيحيى قرية «بير الشمس» بمركز الباجور، بمحافظة المنوفية، حيث أقام مسيحيو القرية الصلاة الجنائزية على جثمان أحد الأقباط فى سرادق بالشارع، لعدم وجود كنيسة بالقرية بعد أن اعتاد الأقباط الصلاة على موتاهم بقرى «بنهاى» والتى تبعد حوالى ٢ كيلو متر عن بير الشمس، وقرية «ميت عفيف» وتبعد حوالى خمسة كيلوات. ويقيم مسيحيو القرية الصلاة فى مضيفة مملوكة لأحد المسيحيين اتخذوها مقرًا للصلاة، لكن مساحتها لا تساع عددا كبيرًا.
وبعد صدور قانون بناء الكنائس، طلبت إيبارشية المنوفية تقنين وضع الكنيسة، سواء بالسماح بإقامة الصلاة بأحد المبانى التى تبرع بها أحد الأقباط، أو بناء كنيسة على قطعة أرض تمتلكها المطرانية، وحصلت الإيبارشية على موافقة شفاهية من المحافظ سواء ببناء الكنيسة أو ترخيص المبنى.

4 آلاف كنيسة ومبنى خدمى.. تطالب بالتقنين
انتهت الطوائف الثلاث جزئيًا من حصر الكنائس المطلوب تقنين أوضاعها، ويقترب عددها من ٤ آلاف مبنى. تقدمت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأوراق لتقنين ما يقرب من ٢٥٠٠ كنيسة ومبنى خدمى، أما الطائفة الإنجيلية فلديها نحو ٧٠٠ كنيسة ومبنى خدمى، والعدد نفسه تقريبًا للأقباط الكاثوليك، بينما الطوائف الأخرى لديها نحو ١٠٠ كنيسة. ولا تعتبر هذه الأعداد النهائية للحصر؛ لأن هناك كنائس مرخصة لكنها مغلقة، وكنائس تعمل وغير مدرجة فى القائمة.
من جانبه، كلف البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الأنبا إيلاريون، أسقف غرب الإسكندرية، برئاسة لجنة بالمجمع المقدس للعمل على جمع الأوراق الثبوتية اللازمة، ومستندات الملكية للكنائس غير المرخصة من أجل تقديمها للجهات المختصة. 
وقال الأنبا إيلاريون إن اللجنة لا تزال فى مرحلة الحصر للكنائس، ولا يوجد كشف نهائى للعدد بشكل كامل. مشيرًا إلى أن اللجنة عقب انتهائها من الكشف النهائى ستتقدم به للجنة الوزارية، برئاسة وزير الإسكان، الدكتور مصطفى مدبولي، نهاية شهر سبتمبر الجاري. 
وقال الدكتور إكرام لمعي، رئيس مجلس الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية، إن الأزمة ليست فى تعديل القانون ولا مواده، إنما الأزمة الرئيسية حول الجهات المنوط بها إصدار التراخيص، سواء المحافظين أو المجالس المحلية بالمحافظات، وربما هذا سبب تأخر إصدار اللائحة التنفيذية للقانون حتى الآن.
وبحسب تصريح «لمعي» لـ«البوابة»؛ فإن إسناد تراخيص البناء لهذه الجهات يعود بنا إلى نقطة الصفر، وهو التعامل مع موظفين محليين، ربما يكونون متعصبين تجاه تصريح بناء كنيسة، وبالتالى الحل يكمن فى وضع آلية لجهة محددة مسئولة عن إصدار التصاريح وليس ترك الأمر فى يد أفراد. 
ويرى رئيس مجلس الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية، أن الآلية يجب أن تكون مسئولية وزارة الداخلية وحدها، وتكون الجهة المباشرة وحدها، التى تخاطبها الكنيسة، والعكس فى شأن بناء أو ترميم كنيسة. واستنكر لمعى قائلًا: «الكنيسة مش حاجة عورة» ليقف المسيحيون على باب المحافظ ليسمح أو يرفض طلبهم ببناء كنيسة أو ترميم أخرى.
وكما تُحدد وزارة الداخلية شروطها لترخيص منزل، شركة، محل، مسجد أو دار مناسبات.. إلخ، فيجب أن تنص اللائحة التنفيذية لقانون الكنائس على إسناد الأمر إلى وزارة الداخلية، ووضع الشروط الخاصة لاستخراج تصريح بناء كنيسة، ولا تترك الأمر لرأى الأفراد. 

التيار المسيحى العلمانى: إعادة إنتاج لشروط «العزبى باشا»
نصت الشروط العشرة لبناء الكنائس فى مصر الصادرة عام ١٩٣٤ بواسطة العزبى باشا، وكيل وزارة الداخلية حينها، على ١٠ بنود، هي: «تحديد هل الأرض المرغوب فى بناء كنيسة عليها هى أرض فضاء أو زراعية؟، وهل هى مملوكة للطالب أم لا؟، مع بحث ثبوت الملكية ثبوتًا كافيًا، وترفق مستندات الملكية».
كما تشمل البنود «مقادير أبعاد النقطة المراد بناء الكنيسة عليها عن المساجد والأضرحة الموجودة بالناحية، وإذا كانت النقطة المذكورة من الأرض الفضاء، فهل هى وسط أماكن المسلمين أو المسيحيين؟ وإذا كانت بين مساكن المسلمين، فهل لا يوجد مانع من بنائها؟ وهل توجد للطائفة المذكورة كنيسة بهذه البلدة خلاف المطلوب بناؤها؟ وإن لم تكن بها كنائس فما هو مقدار المسافة بين البلدة وبين أقرب كنيسة لهذه الطائفة بالبلدة المجاورة؟ وما هو عدد أفراد الطائفة المذكورة الموجودين بهذه البلدة؟».
وتنص البنود على أنه «إذا تبين أن المكان المراد بناء كنيسة عليه قريب من جسور النيل والترع والمنافع العامة بمصلحة الرى، فيؤخذ رأى تفتيش الري، وكذا إذا كان قريبًا من خطوط السكة الحديد ومبانيها.. فيؤخذ رأى المصلحة المختصة».
يُحرر محضر رسمى عن هذه التحريات، ويبين ما يجاور النقطة المراد إنشاء الكنيسة عليها من المحلات السارية عليها لائحة المحلات العمومية، والمسافة بين تلك النقطة وكل محل من هذا القبيل، ويبعث به إلى الوزارة.
ويجب على الطالب أن يقدم مع طلبه رسمًا عمليًا بمقياس واحد فى الألف، ويوقع عليه من الرئيس الدينى العام للطائفة، ومن المهندس الذى له خبرة عن الموقع المراد بناء الكنيسة عليه، وعلى الجهة المنوط بها إجراء التحريات أن تتحقق من صحتها، وأن تؤشر عليها بذلك، وتقدمها مع أوراق التحريات.
كمال زاخر، مؤسس التيار المسيحى العلماني، قال لـ«البوابة» إن القانون المُقر من البرلمان لم ينجح فى حل الأزمة بل زاد من تعقيدها، وإعادة إنتاج لشروط العزبى باشا العشرة بشأن بناء الكنائس، التى كانت شروطا «مجحفة» وتنتهى إلى عدم بناء الكنائس، وبالتالى القانون الحالى هو إعادة لصياغة شروط ١٩٣٤ بشكل معاصر فى ظاهره رحمة وباطنه عذاب. 
وتابع «زاخر»: القانون يعطى للإدارة سلطة التدخل فى بناء الكنائس، ولم يحُدد للموظف العام مدة معينة للرد بالموافقة أو الرفض بشأن الطلب المقدم لإصدار التصريح، ولا يمكن معه اللجوء للمحكمة فى هذا البند لأن القانون لم يلزمه بذلك، إضافة إلى التعنت والبيروقراطية الموجودة، علاوة على وجود خلايا تنتمى للتيارات المتطرفة التى يصعب كشفها.
واستنكر مؤسس التيار المسيحى العلمانى، تناول البعض الحديث عن كنائس الأرياف التى لا تختلف عن منازل الفلاحين الصغيرة ٥٠ أو ٦٠ مترًا - حسب قوله - ومساواتها بكنائس المدن والعاصمة، مشيرا إلى أنه «عندما ينادى مسيحيو القرى ببناء كنيسة داخل قريتهم، يستغل البعض ذلك ويصدر للرأى العام أنهم يريدون بناء كاتدرائية أو مطرانية، وبالتالى بناء كنيسة صغيرة داخل قرية لا يتحمل كل هذا الرفض والتشدد».
وأكد تمسكه بقانون يُنظم بناء الكنائس ولا يمنع بناءها، لافتا إلى أنه على مدار أكثر من ٨٠ عامًا لم تصدر سوى قوانين لمنع بناء الكنائس.