الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تأملات حول أزمة تونس (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من يتأمل تداعيات الأزمة التونسية المتعلقة باختيار منهج للميراث خارج إطار الأنصبة المحددة تحديدا دقيقا فى القرآن الكريم الذى أنزله الخالق سبحانه وتعالى يتوقف عند نقاط عدة:
أولها: أن الدول لم تعد مغلقة على نفسها بمعنى أن ما يحدث فى الدولة أى دولة لم يعد بعيداً عن أعين من حولها فى العالم كله بل ما يعرف باستقلال القرار أو الشأن الداخلى أمر تجاوزه الزمن فليس هناك شأن داخلى لدولة أى دوله فالعالم من حولها يشارك فيه بشكل أو بآخر خاصة إذا كان حالها كحال دولنا العربية، فالمجتمعات صارت أشبه بكوب الزجاج الشفاف الذى يرقبه كل من حوله. وبالتالى فإن الحديث عن دعوة تونس بالاتجاه إلى المساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة والسماح للتونسية المسلمة بالزواج من غير المسلم شأن داخلى أمر لا يتحقق واقعيا بل إن الأقرب للصواب أن تونس تحاول مغازلة الغرب وقيمه فى ظروف شديدة الصعوبة.
ثانيها: أن الحديث عن الخروج على قواعد الميراث المثبتة بدقة فى القرآن بأنه لون من الاجتهاد الفقهى يراعى المتغيرات الحديثة بدليل ما قاله مفتى تونس من أن ما يدعو اليه رئيس الجمهورية يتوافق مع المتغيرات الحالية يخرج الأمر عن كونه تصرفا تنظيميا أو إداريا إلى منطقة الإسلام والاجتهاد وعليه فإن كل المؤسسات العلمية الإسلامية فى أى مكان معنية بما يحدث فى تونس بل أن كل مسلم فى أى مكان له علاقة بالأمر وله أن يتحدث فيه على قدر المسافة العلمية والثقافية بينه وبين الموضوع لأنه موضوع فقهى دينى يمس الجميع .أما لوقدم الأمر على أنه أخذ بقانون وضعى ما كما فعل بورقيبة بالنسبة لتعدد الزوجات والحجاب فإن تعامل المؤسسات الفقهية والعلماء سيختلف تماما وسوف يكون شأنا داخليا فعلا .
ثالثها: وهو الأخطر فيتمثل فى أن الحديث عن قضية المساواة هذه ـ وهى ليست حقيقية ـ تأتى فى وقت تتهاوى فيه داعش فى منطقة العراق وسوريا وليس فى العالم .وإذا كانت حجج داعش المصنوعة من قبل أجهزة مخابرات عالمية والتى جذبت الشباب من خلالها لم تعد منطقية، فإن ما أعلنته تونس على لسان رئيسها يمثل فرصة ذهبية لأجهزة المخابرات لنقل داعش الى تونس التى نجت مما وقعت فيه سوريا والعراق وليبيا وتصبح تونس بؤرة جذب قوية للجهاد ضد خروجها على النصوص الثابته الصريحة فى القرآن الكريم ويصبح تحريرها من الكفار من وجهة النظر المخابراتية التى تسيّر داعش فريضة على كل مسلم وليست قصة الجاسوس الاسرائيلى أبو حفص فى ليبيا الذى كان يعمل إماما لمسجد ويقود مائة من الدواعش الدمويين ويسعى لا ختراق الحدود المصرية لتحريرهاـ كما يزعم ـ ببعيد.
من هنا فالانتباه الى ما يدور فى العالم والمنطقة كان ضروريا على القيادة التونسية التى تعلم أن الحدود الطبيعية القديمة للدول لم تعد كافية للحديث عما كان يسمى شأنا داخليا خاصة وأن ما يحدث فى المنطقة العربية لا يتم بشكل عفوى وإنما تتم صناعته صنعا .
رابعها:هل المساواة التى يتم الحديث عنها فى تونس ولدى بعض أولئك الذى لا يعرفون من الميراث فى النظام الاسلامى إلا هذه القاعدة التى تتعلق بميراث البنت والولد الأخوين أقول :هل المساوات ستتم فى كل الأنصبة فيما يتعلق بالرجل والمرأة بين كل الرجال وكل النساء بمعنى أن يحصل والد المتوفى على نفس نصيب ابنته أو زوجته مثلا فيصبح الضرر بالمرأة كبيرا فى هذه الحالة وهذا نموذج واحد لحالات كثيرة أم أنه سيتم إلغاء الأنصبة خارج الزوجة والابناء سواء أكان أبناء المتوفى ذكورا أو إناسا فلا يرث أبوه أو أمه ولا يرث أخوته إن كان قد أنجب نساء فقط وبالتالى فإن الأمر لا يكون بكاء على حقوق المرأة وإنما هو رفض لنظام الميراث القرآنى تماما .وتصبح المسألة هى تتغير لنظام الميراث وليس علاجا لما يدعيه البعض من ظلم للمرأة لأن النظام الجديد سيظلم أول ما يظلم المرأة .
إذا كان الأمر كذلك ألا يكون الأمر له علاقة بخضوع لإملاءات خارجية وإرضاء لجهات تضغط فى هذا الاتجاه على كل الدول العربية وليس تونس وحدها فى إطار ما يسمى العولمة فى كل شىء وفى إطار ما تسعى إليه الدول الخائفة من الإسلام من سلخ المسلمين عن دينهم؟