السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نقد الأساس المعرفي للإسلام السياسي المعاصر «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الضرورى الإشارة فى هذا السياق، إلى هذا الترديد والتكرار المثير لكلمة الحق، والذى يبدو وكأن الصحوة الإسلامية، تتحدث باسمه، حيث يعنى هنا الإلهى أو الربانى أو الدينى، وأن احتكار الحق والحقيقة فى مثل هذه الخطابات هو المدخل الحيوى لاحتكار السلطة أيضا، سواء تعلق الأمر بالسلطة المعرفية أو الرمزية أو السياسية.
ولم تكتف «الصحوة الإسلامية»، بطرح السؤال المشروع، الذى طرح منذ زمن ما يسمى بالنهضة العربية، وهو: لماذا تأخرت الأمة الإسلامية عن اللحاق بركب الحضارة؟ بل تزيده قوة أو حلمًا أو طوباوية، وذلك لأنها طرحت سؤالا سياسيا خالصا وهو: لماذا لا تقود البشرية؟، ما دامت هي: «خير أمة أخرجت للناس» آل عمران،١١٠، مما يفيد ضرورة انطباق النص على الواقع، ويؤدى فى الوقت نفسه إلى طرح سؤال آخر وهو أين يكمن الخلل، هل فى النص أم فى الواقع؟ بالطبع يكمن الخلل، فى نظر الصحوة الإسلامية فى الواقع من هنا، فإن دور هذه الصحوة هو ترقية المسلمين إلى مصاف النص المؤسس، لأن الأمة الإسلامية هى صاحبة الرسالة الخاتمة. 
قد لا يجب أن نستبق الأمور، ولكن إزاء طموح أو حلم مثل هذا الذى ظهر فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، يطرح علينا أردنا أم لم نرد، سؤال المآل، أو بتعبير آخر، أين آل إليه خطاب الصحوة الإسلامية هذه، وما مصير حامليه فى مصر والسودان والجزائر وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا.. إلخ وهذا بعد مرور ثلاثة عقود تقريبًا؟
يحاول خطاب الصحوة الإسلامية الذى يستند إلى إسلامية المعرفة أن يكون إجابة لأزمة المجتمعات الإسلامية. والأزمة فى منظوره هى أساسًا أزمة فكرية، ويصفها بالأزمة الكبرى الناتجة عن الجمود والتوقف عن مسايرة الركب الحضاري، وأن سائر الأزمات التى تعانى منها إنما هى فى منهج الفكر، وما الأمور الأخرى إلا انعكاسات وآثار مختلفة لتلك الأزمة. وسبب اختلال منهج الفكر ناتج عن الأهواء والانحرافات، مما يعنى أن أسباب الأزمة ذاتية، ما دامت ناتجة عن المشكلة الفكرية، بل وأكثر من هذا ما دامت ناتجة عن الأهواء والانحرافات، مما يفيد الصبغة الشعورية والعاطفية والغريزية للأزمة، لذلك نجد خطاب الصحوة الإسلامية وتعبيره الفكرى الممثل بإسلامية المعرفة، معبأ ومشحون بكل ما هو أخلاقى ومعيارى وما يجب أن يكون إلى درجة التشبع.
بين إسلامية المعرفة وموضوع المنهج:
قد لا نحتاج إلى التأكيد على أهمية المنهج فى كل علم ومعرفة، ولكن من البيّن أن المنهج فى خطاب إسلامية المعرفة يفيد أشياء كثيرة ومنها على وجه التحديد الخطة العملية ما دمنا نعلم أن الخلل ناتج عن أمور عملية متعلقة بـالأهواء والانحرافات. من هنا تحتل إسلامية المعرفة بوصفها منظومة فكرية مستقلة، الدور المركزى فى عملية الأسلمة الشاملة للثقافة والمجتمع، وهذا من خلال جملة من الإجراءات والقواعد والطرائق التى تؤسسها.
وبالنظر إلى التشديد الخاص على أهمية المنهج فى خطاب إسلامية المعرفة، فإننا نستطيع القول بأن هناك ما يمكن تسميته بميثولوجيا المنهج! لا لعدم مشروعية البحث فى المنهج وضرورة الاهتمام به، بل لأن الإصرار على المنهج يعنى استبعادا، ولو كان ذلك استبعادا مؤقتا، لمشكلات النظرية، وثم الاعتقاد بأن المشكلات، كل المشكلات عملية، ويمكن حلها بطرق عملية أو بمنهج عملي، وأما النظرية فلا تطرح أية مشكلة، والسبب فى ذلك هو أن خطاب إسلامية المعرفة يعتمد على قاعدة البساطة والفطرة والإيمان وغيرها من المبادئ التى تعكس آليات التأويل، كما سنبينها لاحقا.
مثلا، ترى إسلامية المعرفة أن الدين والعقيدة والشريعة كلها بسيطة، وأن التعقيد جاء من الفلسفة والفلاسفة وعلماء الكلام الذين انحرفوا عن الصواب. من هنا نعتقد أن التركيز على المنهج له وجهان، وجه التقليل من النظرية، ما دامت هناك نظرية قائمة سلفا، ممثلة فى الدين أو فى العقيدة، أو تدقيق فى تأويل معين للعقيدة، أو فى اعتماد نظرية يقال عنها بسيطة، ما دامت البساطة، كما قلنا، تتخذ قيمة الفهم والتأويل عند فريق كبير فى تاريخ الإسلام، تميزت به السلفية من ابن تيمية إلى الحركات الإصلاحية الحديثة ثم عند حركات الإسلام السياسى المعاصر بدءا من حركة الإخوان المسلمين إلى آخر الحركات الإسلامية الفاعلة فى زماننا.