الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

توفيق الحكيم.. رائدًا للإصلاح القانوني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"عدالة وفن" مجموعة قصص قصيرة للكاتب الكبير والأديب الراحل توفيق الحكيم، يعود تاريخها إلى العام 1953م. ومن المعلوم أن الكاتب الكبير قد عمل في بداية حياته وكيلاً للنائب العام وفي سلك القضاء، قبل أن يتقدم باستقالته من العمل بالقضاء وينتقل للعمل مفتشاً للتحقيقات بوزارة المعارف. 
وفي هذه المجموعة القصصية، يتناول الكاتب الكبير بعضاً من المواقف التي مر بها أثناء عمله في النيابة العامة. وإحدى هذه القصص تحمل عنوان «رجل المال». وتحكي هذه القصة واقعة اتهام أحد الأشخاص بتبديد مبلغ خمسة آلاف جنيه تسلمها من أحد الباشوات، بصفته وكيل دائرته، لينفقها في أعمال الزراعة وأجور الأنفار. وقبل أن يقوم كاتبنا الكبير بالتحقيق في هذه القضية، بادره المتهم شاكياً تعرضه للضرب في مركز الشرطة. وبالنظر لأن الضرب لم يترك أي إصابات أو آثاراً على جسم المتهم، لذا لم ير وكيل النائب العام من المجدي أو النافع فتح باب التحقيق في الإهانة أو الضرب، مبرراً ذلك بأن مثل هذا التحقيق لا يؤدي إلى نتيجة، ما دام الضرب لم يثبت بإصابات ظاهرة، والبوليس خير من يعرف ذلك، وله طريقته فيما يسميه الضرب «الكتيمي»، وأصبح من المتعارف عليه أن هذا يحدث، وأصبح من حقوق البوليس، ما دام يتم في الحدود التي تكفل السرية التامة. وإذا كان الكاتب الكبير لم ير مجدياً فتح باب التحقيق، إلا أنه تنبأ بأحد الإصلاحات التشريعية التي لم تعرفها القوانين الإجرائية إلا مؤخراً. إذ يشير إلى أنه قال مازحاً ذات مرة لمأمور بوليس: «سيأتي يوم يحدث فيه تحقيق البوليس بواسطة آلات تسجيل الصوت.. وعندئذ تستطيع النيابة أن تعرف ما الذي قيل وحدث بالضبط وقت التحقيق». فقال المأمور الظريف على الفور بكل صراحة: «يا خبر!.. ونضرب المتهمين إزاي؟».
وما تنبأ به توفيق الحكيم منذ أكثر نصف قرن، لم تعرفه التشريعات الجنائية إلا مؤخراً. بيان ذلك أن القانون الفرنسي لم يعرف التسجيل الصوتي المرئي لإجراءات التحقيق سوى في العام 2007م، وذلك بموجب القانون رقم 291-2007 الصادر في الخامس من مارس 2007 بشأن تعزيز التوازن في الإجراءات الجنائية، والذي أضاف مادة جديدة إلى قانون الإجراءات الجنائية، تحت رقم 116-1، وتنص على أنه «في القضايا الجنائية، يتم التسجيل السمعي البصري للتحقيق واستجواب الأشخاص قيد التحقيق في مكتب قاضي التحقيق، بما في ذلك فحص أول ظهور ومواجهة. ولا يجوز الاطلاع على التسجيل أثناء التحقيق أو أمام المحكمة إلا في حالة نشوء نزاع بشأن مضمون الإفادات التي تم الحصول عليها، وذلك بقرار من قاضي التحقيق أو المحكمة الابتدائية، بناء على طلب من النيابة العامة أو أحد الطرفين. ولا تنطبق الفقرات الثماني الأخيرة من المادة 114. 
وعندما يطلب أحد الأطراف الاطلاع على التسجيل، يقدم طلباً بذلك، ويقرر قاضي التحقيق بشأن هذا الطلب وفقا للفقرتين الأوليين من المادة 82-1. ويعاقب كل من ينشر تسجيلاً تم وفقاً لهذه المادة بالسجن لمدة سنة وبغرامة قدرها 000 15 يورو. وعند مرور فترة خمس سنوات من تاريخ انقضاء الدعوى العمومية، يتم إتلاف التسجيل في غضون شهر واحد. وفي الحالات التي يحول فيها عدد الأشخاص الخاضعين للتحقيق والتي يتعين فحصها في آن واحد أثناء نفس الإجراءات أو في إجراءات منفصلة دون تسجيل جميع الاستجوابات، يقرر قاضي التحقيق، في ضوء متطلبات التحقيق، الاستجوابات التي لن يتم تسجيلها. 
وفي الحالات التي لا يمكن فيها التسجيل بسبب استحالة فنية، يجب أن يحدد محضر التحقيق طبيعة الاستحالة. ولا تنطبق هذه المادة إذا كانت المعلومات تتعلق بجريمة مذكورة في المادة 706-73 من هذا القانون أو منصوص عليها في المادتين الأولى والثانية من الكتاب الرابع من قانون العقوبات، ما لم يقرر قاضي التحقيق تسجيل الاستجواب. ويحدد المرسوم، حسب الاقتضاء، القواعد التفصيلية لتطبيق هذه المادة».
وفي مملكة البحرين الشقيقة، استحدث المشرع إجراء التسجيل الصوتي المرئي للتحقيقات الجنائية، وذلك بمقتضى المرسوم رقم 53 لسنة 2012م بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية لعام 2002م. أما النظام القانوني المصري، فقد ظل خلواً من هذا الإجراء حتى تاريخ كتابة هذه السطور. ولم ينتبه المشرع المصري إلى هذا الإجراء إلا في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي قامت بإعداده اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، ويجري النقاش والحوار المجتمعي حوله حالياً. إذ يتضمن المشرع إضافة مادة جديدة إلى قانون الإجراءات الجنائية، تحت رقم 365 مكرراً (أ)، تنص على أن «يلتزم المحقق بتسجيل أقوال الطفل المجني عليه سمعياً وبصرياً، ويجوز أن يكون التسجيل سمعياً فقط، بناء على طلب الطفل أو الشخص الذي يحضر من ذويه، ويحفظ هذا التسجيل بواسطة أسطوانة مدمجة تودع ملف القضية». 
وهكذا، كان توفيق الحكيم سابقاً عصره وزمانه عندما تنبأ بالتسجيل الصوتي للتحقيقات الجنائية. ولكن، ورغم أن الفكرة نشأت في أرض مصر الطيبة على يد أحد أدباءها الكبار، فإن المشرع المصري لم يقرر التسجيل الصوتي المرئي للتحقيقات الجنائية حتى تاريخه، على الرغم من أن العديد من التشريعات الأجنبية والعربية أخذت زمام المبادرة في هذا الصدد. وعلى كل حال، نتمنى أن يجد النص الوارد في مشروع قانون الإجراءات الجنائية المصري لعام 2017 سبيله إلى الإقرار النهائي، حتى نلحق بركاب الدول التي سبقتنا في هذا الصدد. والله من وراء القصد.