الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

عايدة نصيف تكتب: تطرف الفكر بين التعصب والإصلاح

الدكتورة عايدة نصيف
الدكتورة عايدة نصيف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى تاريخ البشرية هناك ألوان من التعصب؛ فقد عرفنا من التاريخ ومن خلال الأدب والشعر التعصب القبلى، وسرد لنا التاريخ أيضًا ألوان من التعصب الدينى والطائفى، بل إذا نظرنا إلى التاريخ الحديث والمعاصر نجده يقدم لنا أنواع مختلفة ومتعددة من التعصب العنصرى أو العرقى. وأعطى تعريف للتعصب بأنه " انتماء زائد إلى جماعة يتنمى اليها الإنسان ويرتبط بها ويعتنق أفكارها الخاصة إلى درجة تصل إلى استبعاد وإقصاء وكراهية الآخر المختلف " 
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل يمكن أن تُعالج هذه الظاهرة، وكيف تعالج، وما هى الآليات لتحقيق ذلك؟ 
وفى الحقيقة بصفتى باحثة فى العلوم التى تخص الإنسان والمجتمع سنوات وسنوات بل اتقابل بصورة واقعية وعلى الأرض مع طلاب وشباب فى جامعات مختلفة وفى محافظات مختلفة تتباين الثقافات المحلية وتختلف أيضًا التقاليد المحلية من الإسكندرية حتى اسوان، أرى أنه يمكن أن تُعالج ظاهرة التعصب بمناهج وأساليب متعددة؛ وننطلق من زاوية مختلفة مع كل ثقافة بعيدًا عن الصرخات الحنجورية والتى تتخذ من مشكلة التعصب سبوبة وأكل عيش، بل أن أصحاب هذه الصرخات والدعوات يأخذون منها مكانة سياسية للّعب بورقة الطائفية فى الخارج والداخل بحجة الوطنية وهم فى الحقيقة يُقسمون الوطن. وبعيدا عن أن استفيض فى وصف هؤلاء وبعيدًا عن أن استغرق وقتا ولو بقليل لوصف المرتزقة أرى إنه من الأفضل أن أتطرق إلى الأساليب العلمية والواقعية لمحاولة معالجة مشكلة التعصب والطائفية، ففى مقدور علم النفس، وعلم الاجتماع، والتاريخ، واالعلوم الانسانية، فى مقدور ومخزون ومناهج هذه العلوم أن تلقى أضواء كاشفة على ظاهرة التعصب وأن تساعد الإنسان بصورة جدية وواقعية بأن تكشف له وتزيل آثار الجهل والتخلف من أمام عينيه وعقله، هذه الظاهرة التى أعمت عين البشرية بل أعمت عين العقل وبصيرته عقودًا كثيرة. 
وأركز هنا على العلوم الفلسفية التى من شأنها أن تعالج من خِلال إعمال العقل ومن خلال مناهج الفلسفة بكل أنواعها ومن خلال المصطلحات والمفاهيم. 
وفى الحقيقة التعصب بنظرة فلسفية له بُعدان الأول هو اعتقاد الإنسان بان الفئة التى ينتمى اليها سواء كانت قبيلة أو مذهب أو دين اسمى وارقى من بقية الفئات، والبعد الآخر هو اعتقاده بأن الفئات الأخرى احط من تلك الفئة التى ينتمى اليها وبديهى أن البعدان متلازمان والتاريخ يحكى لنا ذلك من كبوات ومواقف وأحداث، وفى المجمل صفة الكراهية هى الصفة الناتجة والغالبة من جراء هذا التعصب؛ كراهية الآخرين، وهذه الكراهية ترتكز على وجود الشر والذى ينتج عنه الأفعال المُخربة والارهاب، ويعتقد المتعصب أن ما يفعله هو الخير الأمثل، ومن ثم يجب أن نربط بين العلم والمناهج والعلوم التى سبق وأن ذكرتها فى الكشف للمتعصب ذاته عن مرضه وقصور فكره فالإشكالية وحل مشكلة التعصب لا تكون بالطرق الأمنية فقط بل يجب مساندة هذه الطرق لحل الأزمة فالأزمة المُعقدة ليس لها طريق واحد للحل بل طرق مختلفة ومتكاملة فى آن واحد. 
وفى الحقيقة عند تحليل الهيكل البنائى للتعصب يقال أن التعصب ينشأ عند الأغلبية ضد الأقلية، وتقوم الأقلية بالدفاع عن نفسها، وهذا النمط ينطبق على الأغلبية الساحقة من حالات التعصب التى عرفها تاريخ البشرية على مستوى العالم، ولكن هناك حالات تُخالف هذا النمط العام وهو تعصب أقلية بفكر إرهابى مُتطرف له أبعاد سياسية، ونجد هذا النموذج فى بلاد كثيرة ومن ضمنها مصر ولا سيما الأحداث الارهابية التى رأيناها الأعوام السابقة نهاية بأحداث البطرسية وأحداث كنيسة مارجرجس بطنطا، والكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية، ودير سانت كاترين،وحادث أتوبيس المنيا،وبين أبناء الجيش والشرطة ووقوع شهداء فى مشهد يُندى له الجبين ولكن هذه الأقلية لا تستطيع أن تقوى ولا تشتد ولا تستمر الا اذا ارتفع وعى المجتمع وقوة الدولة. 
وفى الحقيقة هذه الأقلية المتعصبة يجب أن نضعها تحت منظار العلوم النفسية والاجتماعية والفلسفية لحل المشكلة لمساندة الحلول الامنية والقانون، فحل ظاهرة، أية ظاهرة يجب أن يكون من السبب الأول أو بلغة الفلسفة العلة الأولى ووضع حلول لها تعالج الإنسان الذى يعتنق التعصب، أود أن اشير هنا وبصورة مؤكدة على ربط العلم بالمشكلات النفسية والمجتمعية للوصول إلى الحل والوصول إلى الاتساق المجتمعى؛ ويدخل ملف التعليم كطريق أساسي من الطرق المعالجة للأزمة لإزالة الفكر المتطرف والإرهابى فى ذهن المتعصب تجاه مجتمعه وتجاه الآخر المختلف معه، وقد تطرقت إلى هذا الأمر باستفاضة عن أهمية إزالة كل عبارة تنتج منهج إرهابى، أو اتجاه به بذور للتعصب 
وأقول فى نهاية كلمات هذا المقال أن القضاء على التعصب يمثل كفاح ولكن هذا الكفاح لا يمكن أن يكون كفاحًا إصلاحيًّا عن طريق الوعظ الأخلاقى بل هو فى أساسه كفاح أيدلوجى وسياسى واجتماعى وثقافى؛ بل هو عمل مهم جدًا للوطن وعمل يجب أن نضعه أمام أعيننا لمساندة وطن ولمعالجة ظاهرة يستخدمها أطراف داخلية على المستوى المحلى وأطراف دولية وإقليمية أخرى لتفتيت المجتمع، فى شكل ظاهرة الإرهاب. وقبل مواجهة الإرهاب فالأنفع هو مواجهة التعصب الذى يتطلب بالأساس مواجهة فكرية للأفكار المتطرفة، وبالإصلاح الدينى والتعليمى والقيمى وبتفعيل دولة القانون تكريسًا لمبدأ المواطنة بالإضافة إلى ذلك يجب التوقف عند الأبعاد الإقليمية والدولية لظاهرة الإرهاب والتى تجعله أداة للتوظيف الداخلى واستخدام شباب مصر الذين زُرِع فيهم منذ الصغر مفهوم التعصب سواء عن طريق التعليم أيًّا كان نوعه، أو عن طريق الثقافة السلبية، العلم بآلياته موجود والظاهرة بالفعل كائنة ولذا يجب البدء فى العمل...وختاما فإننى اضع مقالي هذا كرسالة إلى من يهمه الأمر.