السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عصر حقوق الإنسان «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ فجر التاريخ والإنسان يشعر بحاجة لقوى خارقة تساعده فى وضع القوانين التى تنظم مسار حياته، فابتدع الكهنة ورجال الدين كثيرًا من التصورات القانونية ونسبوها إلى الآلهة التى تفوقت على عقل الإنسان وإبداعه ووجدانه تفوقًا جعلته يسلم بقدرتها المتعالية، لكنه يثور على هذه القوى أحيانًا كى يضع مكانها قوانين أخرى أكثر تقدمًا. 
ولهذا، فإننا نجد جذورًا لمفاهيم الحقوق الإنسانية فى الحكمة الصينية والفرعونية والسومرية والبابلية وغيرها. ولعل ما وصلنا من هذه المفاهيم يشير إلى تفاوت فى الاتساع والعمق، وهذا أمر بديهى على اعتبار أن تطور الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية يدل أيضًا على أن هناك تطورًا فى مفاهيم الحقوق الإنسانية واتساعها إن كانت سلبية أو إيجابية. 
ولا شك أن من أقدم الحضارات التى اهتمت بقضايا العلاقات الإنسانية، هى الحضارات الشرقية كالصينية والهندية. وقد حفلت هذه الحضارات بارتباط وثيق بين التعاليم الدينية والنظرة إلى الإنسان وحقوقه. وإذا نظرنا إلى حضارة «الهند» فسنجد أن «مفهوم القيمة» يرتبط بالقوة المقدسة أى «براهما»، وهو مصطلح فى الديانة الهندوسية يدل على الحقيقة النهائية فى العبادة، وهو اسم محايد من حيث الجنس، وهو يشير إلى القوة المقدسة الكامنة فى طقوس الأضاحى التى يقوم بها رجال الدين ويسمون «البراهمة». ويُنْظَر عادةً إلى رجل الدين البرهمى كما لو كان إلهًا.
وهو يُعرف فى الكتب المقدسة على النحو التالي: هناك نوعان من الآلهة: الأول الآلهة على نحو ما نعرفهم، والثانى هم هؤلاء «البراهمة» الذين يعرفون بالـ«ﭬــيدا» Vades أى الآلهة البشر. وهم يمثلون أيضًا ضمائر الناس. فإذا ما تحقق للفرد أن تطابقت ذاته مع براهما أو الوجود المقدس فإنه – عندئذ – يتخلص من كل الشرور التى تصاحب وجود الظواهر الجزئية.
وقد قسم الفكر الهندوسى حقوق الطبقات وواجباتها، فلكل طبقة حقوق تختلف تمامًا عن حقوق الطبقة الأخرى، فطبقة «البراهمة» تتميز باختصاص تقديم القرابين للآلهة والاحتفاظ بأسرار الكتب المقدسة؛ وأحكامهم نافذة المفعول ولا تراجع فيها. وتأتى درجة المنبوذين فى الدرج الأسفل فى المجتمع الهندوسي، وقد حرموا من أبسط حقوق الإنسان ونزل بهم أحيانًا إلى مستوى الحيوان، ولم يسمح لهم باعتناق الدين الهندوسى أو أن يتحلوا بأخلاقه. أما طبقة «الكشتريا» ومنهم الملك وجنوده، فهم يعملون فى سلك العسكرية. وسلطة «البراهمة» الأخلاقية والدينية تسيطران على الفرد سيطرة تامة، فلا يستطيع الهندى – حتى بالموت – أن يتخلص من هذا العالم المقفل لأن على الأنفس جميعًا أن تعود إليه بالتناسخ.
أما «البوذية» فإنها تتميز بنظرة تشاؤمية تقوم على إنكار كل قيمة للحياة، وترى أن مفهوم الشر يكمن فى مولد الإنسان وما يعتريه من أمراض، فى شيخوخته وفى وفاته. ولا تكون هناك قيمة خيـِّرة إلا فعل الإنسان الذى يحاول من خلاله التخلص من هذه المساوئ. وهذا الموقف يترتب عليه بعض القيم الخيـِّرة مثل التخلص من الأنانية والبعد عن كل ما يهدر كرامة الإنسان. وقد تجلت حكمة «كونفوشيوس» فى نشر العدل والدعوة إلى الإخاء العالمى والسلام بين الناس فقال: «إذا ساد التماثل الأعظم أصبح العالم كله جمهورية واحدة، واختار الناس لحكمهم ذوى المواهب والفضائل، وأخذوا يتحدثون عن الحكومة المخلصة ويعملون على نشر لواء السلم الشامل».
وقد شددت تعاليمه على خدمة الإنسان للإنسان، ورأى أن خدمة الإله تصبح لا معنى لها إذا أهملت خدمة الناس. وقد انصب اهتمامه على مشكلات الإنسان الأخلاقية والاجتماعية فى علاقته برفاقه من البشر. أما منطقة فارس فسنجد فيها تعددًا فى العقائد والفلسفات، ولعل أقربها لنا «العقيدة الزرادشتية؛ حيث دعا زرادشت إلى مكافحة الشر والجهل والفقر والظلم، وكلها عقبات فى طريق سعادة الإنسان؛ ودعا كذلك إلى العدل بين الناس، ووضع الفواصل بين الحقوق والواجبات للفرد وللجماعة. ونادى باحترام هذه الحقوق وحث الناس على نيل الآخرة بالعمل الصالح ونشر المودة والتعاطف والإخاء بين بنى البشر.
وأشهر ما وصلنا من قوانين تخص حقوق الإنسان فى العصور القديمة نجد بلاد ما بين النهرين، فهى مهد البدايات الحقيقية للتشريع والقانون؛ والتى تكونت فيها أول التجمعات البشرية المكونة للأشكال الأولى للدولة بكل ما تعنيه الدولة من تنظيم سياسى واقتصادى واجتماعي.
وقد ساهمت تشريعات «حمورابي» إلى حد كبير فى تطبيق العدل حتى يسود على الأرض، وجاءت النصوص القانونية التى تضمنتها لتمجد حماية حقوق الإنسان، ومن أمثلة ذلك اعتبار الدولة مسئولة عن تقصيرها فى حماية الأشخاص والممتلكات، وأن المصالح العليا فى الإدارة والحكومة لا تعفى صاحبها من الحدود القانونية. هذه المبادئ ذات قيمة كبيرة لكونها ظهرت فى بداية تكوين الجماعات البشرية. 
ولا شك أن الإنسان المصرى القديم هو صاحب أول إبداع حضارى عرفه التاريخ الإنسانى بالذات فى مجالى الأخلاق والدين والقانون. فقد شعر المصريون الأوائل بأهمية الضمير الأخلاقي، فكان شعارهم الأساسى – الذى رفعوه طوال عصورهم – هو التصرف وفقًا للعدالة والنظام والقانون. وقد قيل إن الفلسفة اليونانية والفقه الرومانى قد صنعا فلسفة القانون، وقد دون رجال الفقه الرومانى ثلاثة نماذج من القوانين: القانون المدني، وقانون الشعوب، والقانون الطبيعي.
فالقانون المدنى يقتصر تنفيذه على المواطنين ولا يستفيد منه الأجانب، فهو القانون الوطنى الدولي. وقانون الشعوب هو مجموعة من قواعد القانون الرومانى يعطى الحق للأجانب سواء فى علاقاتهم مع بعضهم البعض أو فى علاقاتهم مع الرومان للاستفادة الجزئية منه. أما القانون الطبيعى قهو مجموعة من القواعد المشتركة بين جميع الشعوب، ويستمد هذا القانون أحكامه من الطبيعة نفسها وينص على المساواة.