فى الساعات الأولى من صباح عيد الفطر العام الماضي، استيقظ المصريون على فاجعة جديدة وضحية جديدة للعشوائية، حيث ضاعت حياة طفل بريء بسبب إحدى الألعاب الترفيهية في منطقة العباسية.
وبعدها ببضعة أشهر ظهرت حادثة أخرى لفتاة في ربيع عمرها لم تكد تكمل عامها الـ17 حتى أودت بحياتها «الوسادة الهوائية» في مركز مول العرب التجاري، حيث اغتالت اللعبة الخطرة مستقبل إحدى زهور مصر.
كل هذه الحوادث بالطبع تأتي نتيجة انعدام وسائل واشتراطات السلامة والأمن في المنشآت والمناطق الترفيهية، وكذلك غياب الدور الرقابي لوزارة القوى العاملة المخولة بالرقابة على هذه المنشآت الأمر الذي يجسد العشوائية في أبهى صورها.
في الحادثة الأولى، أودت لعبة "السجادة الدوارة" الموجودة في ملاهي قرية الفردوس بمنطقة العباسية بحياة طفل، نتيجة إهمال القائمين على إدارة اللعبة.
ويتجسد الإهمال في إقدام القائمين على المنطقة الترفيهية على فك الجزء العلوي، وتعليق 5 أطفال في الهواء بدون تأمين، ثم سقوطهم على رؤس المواطنين، ما أدى لإصابتهم بإصابات سطحية، ومن بينهم طفل توفى.
أما في مول العرب، فقد كان شهر فبراير الماضي شاهدًا على كارثة جديدة، وضحية أخرى للإهمال، حيث قتلت "الوسادة الهوائية" الضحكة التي لطالما ميزت "نادين زكريا" الطفلة البالغة من العمر 17 عامًا، التي راحت ضحية الإهمال أيضًا في المنطقة الترفيهية التابعة للمركز التجاري بمنطقة أكتوبر، حيث فقدت حياتها فى الحال بعدما سقطت من ارتفاع شاهق.
لم تتوقف الكارثة عند هذا الحد، بل أن الفتاة بعد أن سقطت من ارتفاع قدر بـ12 مترًا أمام أعين عائلتها البسيطة التي تلقت الصدمة الأكبر بعدما رأوا قرة أعينهم تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام أعينهم، ولم تجد من يسعفها، حيث أكدت العائلة أن الطفلة ظلت لأكثر من 6 ساعات ملقاة على الأرض بشكل غير آدمي، حتى وصلت النيابة العامة وأمرت بنقلها إلى أقرب مستشفى.
إدارة الملاهي قالت إن الطفلة لم تلتزم بتعليمات الأمن والسلامة وحاولت الانتحار فسقطت من أعلى اللعبة، إلا أن أهل الضحية أكدوا أن الإهمال هو من قتل ابنتهم.
ولفض الاشتباك في مسألة الأمن والسلامة، سألت «البوابة نيوز»الدكتور مجدي صليب، مدير مركز الأمن الصناعي سابقًا، وخبير الأمن والسلامة المهنية، عن حقيقة هذه الأمور، قال إن توافر اشتراطات الأمن والسلامة في هذه المناطق الترفيهية فى غاية الأهمية لا يقتصر على سلامة المنشآت فحسب، بل يستلزم سلامة المنشآت، والعناصر القائمة على إدارتها والعناصر المستخدمة أو المشغلة لها.
وقبل تدشين أي منطقة ترفيهية سواء ملاهي أو مسرح او سينما أو أي من هذه الأماكن التي تهدف إلى الترفيه والترويح عن المصريين يجب أن تتوافر فيها اشتراطات للأمن والسلامة، ولعل أهمها سلامة المنشآت وإدارتها والمستخدمين، وكذلك وجود خطة طوارئ محكمة ومتقنة لتنفيذها حال وقوع حوادث.
وتابع صليب أن وجود خطة الوارئ يجب أن تكون بالتنسيق مع الدفاع المدني، فالخطة يجب أن تشتمل على نظام لمكافحة الحرائق، ولذلك قبل إنشاء أي من هذه الأماكن يجب أن تأخذ العديد من الموافقات التي تحسم أمور الأمن والسلامة على هذه المنطقة بما فيها نظام مكافحة الحرائق بالتعاون مع الدفاع المدني.
وأشار خبير الأمن الصناعي إلى أن اشتراطات الأمن تستلزم سلامة الممرات والسلالم ووجود مخارج وسلالم خاصة بالطوارئ للسيطرة على الحوادث حال وقوعها، كما تستلزم سلامة الآلات فى الأماكن الترفيهية، فبعض اللعاب يجب أن يتوافر فيها سلامة الواير والأسلاك المتحكمة في تشغيلها، كما تتطلب أن يتم تزويدها بعدد مناسب من طفايات الحريق وخراطيم المياه والعلامات الاسترشادية لبيان المداخل والمخارج فى حالات الطوارئ، تجنبا لحدوث كوارث.
وأكد أن قانون العمل الجديد تناول بالتفصيل فى الباب الخامس هذه الاشتراطات التي يجب أن تتوافر في أي منشأة أو مؤسسة قبل أن تشرع في عملها، كما أن باب السلامة المهنية تناول الأخطار التي قد تهدد حياة البشر نتيجة التعامل مع أي مؤسسة أو منطقة سواء سياحية أو ترفيهية أو غيرها، فجميعها يندرج تحت سلامة العمل ويحكمه قانون العمل.
وقال إن وزارة القوى العاملة هي المعنية الأولى بالتحقق من اشتراطات الأمن والسلامة قبل إتمام دخول أي منظمة ترفيهية كانت أو غيرها إلى العمل، فالوزارة معنية بالتفتيش عن إجراءات الأمن والسلامة بشكل كامل، وكذلك المراقبة والمتابعة والمراقبة عليها، للتأكد من الحفاظ على إجراءات السلامة المهنية.
وبالنظر إلى قانون العمل الذي أشار إليه الخبير، فإن القانون رقم 12 لسنة 2003 في مجال في مجال السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمـل تنفيـذًا للمادة 203 من قانون العمـل، ينص على أن تسـري أحكام هذا الكتاب "السلامة والصحة المهنية" على جميع مواقع العمل والمنشآت وفروعها أيًّا كان نوعها أو تبعيتها سـواء كانت برية أو بحرية.
ووفقًا للقانون، فإنه يتم التفتيش على المنشآت طبقًا لخطة سنوية على المنشآت ذات الخطورة ثم المنشآت ذات الكثافة.
وأكد خبراء السلامة المهنية أن هناك ملاهي غير مرخصة يصعب على وزارة القوى العاملة "المسؤولة عن التفتيش" مراقبتها، مشيرين إلى أن المجالس المحلية مسئولة عن التفتيش عنها وترخيصها، لمواجهة أي إصابات للزائرين.
وأشار الخبراء إلى أنه لا يجوز إقامة مدينة ألعاب على مساحة تقل عن 2000 متر مربع وخاصة في المدن، ويجب ترك ما يوازي 25% على الأقل من مساحة الأرض المقامة عليها الملاهي أو مدينة الألعاب كأرض فضاء تخصص للسير أو الجلوس، ولا يقام عليها أي إنشاءات، وتكون جميع المباني والإنشاءات من مواد غير قابلة للاشتعال أو الانصهار، واستعمال الكابلات والأسلاك الكهربائية غير القابلة للاحتراق أو الاشتعال، والتوصيلات الكهربائية مخفية وبعيدة عن متناول الجمهور، مع ضرورة وجود إشارات المخارج ومخارج الطوارئ مضاءة.
يشار إلى أن قانون القوى العاملة، ينص على إطلاع لجان السلامة والصحة المهنية على سجل كل لعبة ومواعيد الصيانة واللحام والتشحيم اللازمة لها وما تم وما يجب أن يتم، وتتواصل مع الإدارات الفنية بدور الملاهي من خلال الرقابة الدورية والتدريب، وعمل دورات تدريبية إجبارية لكل المشتغلين بمدن الملاهي في معهد السلامة والصحة المهنية، والمرور دوريًّا على دور الملاهي للتأكد من توافر شروط السلامة والصحة المهنية، إلا أن بعض الخبراء قالو إن مدن الملاهى والألعاب المصرية تخضع لقانون المواصفات الميكانيكية والكهربائية للألعاب المختلفة رقم 372 لسنة 1956.
وكانت نقابة المهندسين قد طالبت فى أعقاب حادثة العباسية بتفعيل قانون المواصفات الميكانيكية والكهربائية للألعاب المختلفة رقم 372 لسنة 1956، وشددت على ضرورة الالتزام بالصيانة الدورية، والكشف الدوري لجميع الألعاب والمعدات في الملاهي، طبقا لجدول شهري تلتزم به إدارة التشغيل والصيانة بجميع الملاهي.
وطالبت النقابة بضرورة أن تشكل لجان للسلامة والصحة المهنية داخل المنشآت لحماية العاملين والمترددين على مدن الملاهي، خاصة أنها تشهد إقبالا جماهيريا كبيرا من الأطفال والشباب والعائلات في المناسبات العامة والأعياد.
