الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

من المازني لحقي ومندور.. روايات محفوظ على مائدة العمالقة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سئل الأستاذ نجيب محفوظ: من هو الناقد؟ فأجاب: "أن يكون عقل فيلسوف، وضمير قاض، وقلب إنسان"، وينبغي أولًا أن يكون عالمًا متبحرًا في الشكل الأدبي الذي ينقده بصفة خاصة، وفي الأدب بصفة عامة، إلى ثقافة إنسانية شاملة، وأن يتحرى النزاهة في تفسيره، وأن يعالج موضوعه بنفس متطهرة من كل ميل وزيغ ليصدر أحكامًا صادقة يراعي فيها وجه الحق.. وفي ذكرى رحيله غدًا نتأمل كيف انعكست صورة الأدب المحفوظي بعيون مشاهير النقد؟
حد السيف
تحت هذا العنوان كتب رجاء النقاش مقالًا بصحيفة "الأهرام" بعد نجاة محفوظ من محاولة اغتيال حرض عليها دعاة أساءوا فهمه على المنابر ونفذها متطرف لم يقرأه، وقال النقاش: عاش نجيب محفوظ في خطر دائم‏،‏ وكان يمشي على حد السيف‏، وطاردته دائمًا مخاطر الأدب الواقعي‏، وطاردته أكثر مخاطر الأدب الرمزي‏. ولكن نجيب محفوظ كان لديه من الرجولة والأمانة والصدق والقوة الروحية العظيمة ما جعله يقول هذا القول الخالد‏:‏ عندما أمسك بالقلم لا أخاف من شيء‏.‏
ويروي الناقد رجاء النقاش، صديق محفوظ المخلص، قصة لقاء أديبنا بأحد كبار أدباء الجيل الماضي إبراهيم عبدالقادر المازني، وقد قال له: إن الأدب الذي تكتبه هو الأدب الواقعي‏، وإن هذا النوع من الأدب يسبب لصاحبه مشكلات كثيرة‏، حتى في أوروبا. وطالبه المازني بالحرص‏؛ لأننا في مصر لم نتعود على فن الرواية‏، والفكرة الشائعة عن الروايات هي أنها اعترافات شخصية‏ جرت بالفعل في حياة صاحبها!

أول دراسة عن الثلاثية 
في عام 1957، وقبل فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب، دارت أول دراسة في العالم الغربي عن ثلاثية الأديب "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية"، كتبها الراهب الأب "جاك جومييه" الدومينيكاني المستشرق، وكانت بين جهود الفرنسيين التي أشاعت إبداع محفوظ للعالم.
وهذه الدراسة قدمها للعربية نظمي لوقا، وجاء فيها: "في أكثر من موضع، كان محفوظ يلح في إبراز التوازي بين مستوى التطور الخلقي والعائلي، ومستوى التطور السياسي في مصر. فكما كان الأبناء يتحللون شيئًا فشيئًا من سيطرة الآباء، كانت مصر كذلك تتحلل من السيطرة البريطانية. وقد كان القالب الهندسي المتكامل فرصة رائعة أمام نجيب محفوظ، ليعرض لنا المفاهيم البرجوازية في مختلف شئون الحياة والمجتمع، كما عرض بوضوح صراع الأفكار من خلال الأوضاع المادية النابعة منها؛ حيث تقف أسرة أحمد عبدالجواد، التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة الصغيرة، في مهب الريح.. 
ثم توالت الدراسات النقدية وأصبحت- كما يقول لويس عوض- "مولد" دائمًا لا ينقطع، لقراءة إبداع محفوظ المتجدد؛ وهو من رأى بمنتجه مؤسسة الشعب الأدبية.


أولاد حارتنا
ففي مقال منشور بمجلة "أدب ونقد" 1991، يكتب يحيى حقي دفاعًا عن "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، أن شريعتنا الإسلامية تمنعنا من "الدعبسة" في نوايا نجيب محفوظ، برغم أن روايته تنقل فلسفات غربية تهدم الدين بعد تطور العلم، لكن لا أحد يعلم هل نجيب يرصدها أم أنه مقتنع بها فعلًا، والأهم أن نجيب طلب أن يدلّه أحد على مكان الحارة التي سيكتب عنها، وهنا قدرة نجيب على تحويل الخيال إلى واقع مقنع بهذه الدرجة


خطوط الفن المحفوظي
وعن "ملحمة نجيب محفوظ الروائية" يكتب الناقد البارز أنور المعداوي في أبريل 1958 دراسة منشورة بمجلة "الآداب" يقول: "بين القصرين" عمل فني جديد ظفر أخيرًا بجائزة الدولة، ونجيب محفوظ، صاحب هذا العمل، ظفر بتقدير النقد قبل أن يظفر بتقدير الدولة، منذ أن بدأت خطوط فنه الروائي تتجمع في نقطتي ارتكاز رئيسيتين: عنصر المراقبة النفسية الدقيقة لشتى التجارب الجماعية المعاشة، لتتركز في بؤرة العدسة اللاقطة وتبرز موقف الكاتب من مشكلات عصره، وانصهار الملكة القاصّة من جهة ثانية في بوتقة الممارسة المذهبية لكتابة العمل الروائي، بحيث تكون تلك الممارسة تفاعلًا ثقافيًّا واعيًا مع المقاييس النقدية المتطورة
وتمثل أعمال محفوظ تصاعدًا هرميًّا يندرج من القاعدة بخان الخليلي والقاهرة الجديدة وزقاق المدق والسراب وبداية ونهاية، ثم ينتهي إلى القمة في بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، أو ملحمته الروائية الجديدة
وتحدّث المعداوي عن أسلوب محفوظ الذي يشكل الملامح الثابتة لشخصيته الروائية ويقوم على رسم الأبعاد النفسية للشخصيات وإبراز الأبعاد المكانية كإطار مادي للأحداث والمواقف


أحمد أفندي عاكف
وفي كتابه "قضايا جديدة في أدبنا الحديث" الصادر ببيروت 1958، يكتب الناقد البارز محمد مندور عن بطل رواية "خان الخليلي" أحمد أفندي عاكف، أنه أحد آلاف الناس الذين يكوّنون تلك الطبقة الوسطى، التي يسمونها في أوروبا بالبرجوازية الصغيرة، بعد أن حلت البرجوازية الكبيرة ذات الثراء الواسع الذي تدره الصناعة والتجارة، محل الأرستقراطية القديمة القائمة على الإقطاع، وهي الطبقة التي تشكل العمود الفقري لمجتمعنا المصري
وقد برع محفوظ بتصوير اضطراب حياة تلك الطبقة بالألم والسخط والتمرد، وتخبطها في الجهاد للارتفاع عن مستوى طبقتها الاجتماعي نتيجة لإيمانها المسرف بحقها المضطهد، لكنها مع ذلك تحتفظ بالكثير من أسمى الفضائل الإنسانية والتي يأتي بقمتها تقديس الأسرة وهي حقائق يستطيع أن يتثبت منها أي مصري إذا أمعن النظر بسكان خان الخليلي وغيره من أحياء القاهرة، بشرط أن يمتلك الملاحظة التي تعوزها الكثير من الفلسفة، وهي نعمة وهبها الله لنجيب محفوظ


فيلسوف الأدب
يكتب يوسف نوفل بمجلة "الأديب" في عددها الأول 1967 عن محفوظ قائلًا: ظل متعلقًا بالفلسفة والتي اختلطت بالأدب، ويظهر ذلك في اختياره لموضوع رسالة الماجستير عن فلسفة الجمال، ولعل تسرب الفلسفة إلى روح أديبنا الكبير يرجع إلى الاتجاه الفكري لدى طه حسين والعقاد وسلامة موسى باعتبارهم المثل الأعلى له، ولدى أبي العلاء المعري وابن الرومي باعتبارهم شعراء مفضلين عنده، إلى جانب أعلام الأدب العالمي كبرنارد شو، وبروست وكافكا وتشيكوف وشكسبير
ويقر الدكتور محمد غنيمي هلال بأن القصة بدأت تتأثر بالاتجاهات الفلسفية والواقعية في معالجة الحقائق الكبرى، أو المشكلات الاجتماعية، ويمثل لذلك بقصص نجيب محفوظ
أما طلعت رضوان فكتب بجريدة "الأهرام": صناعة العطور تقوم على عصر أطنان من الورد. وأعتقد أنّ ما كتبه نجيب محفوظ فى (أصداء السيرة الذاتية) هو عصارة خبرته فى الحياة والإبداع، فصاغ فلسفة عشق الحياة وتعظيم قيمة التسامح وإدانة التعصب. وهذا العاشق للحياة الممثل ببطل روايته عبدربه التائه كان لا يرى تناقضًا بين الحياة والتدين السمح الذي عُرفت به مصر، ويرى أنّ "نسمة حب تهب ساعة تـُـكفــّـر عن سيئات رياح العمر كله" وعندما جاءه قوم توقفوا عن الحياة حتى يعرفوا معنى الحياة، قال لهم "تحرّكوا دون إبطاء، فالمعنى كامن فى الحركة"، وعن العلاقة بين الحياة والموت قال "ما نكاد نفرغ من إعداد المنزل حتى يترامى إلينا لحن الرحيل".