الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السكة الحديد.. سبحان مُغيّر الأحوال!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدموع تسبق الحداد
والأسى يسبق الحداد
والحزن العميق يسبق الحرة على أرواح العباد
هاهي وسيلة المواصلات الآمنة تحصد الأجساد
هاهو الإهمال البشري يحاصر أقدم مرفق في البلاد
هاهو الاستهتار يهجم على ثروتنا كالجراد
هاهي نموذج للسوس الذي ينحر في أجسادنا
وأصبحت الضمائر سلعة تباع في الأسواق بالمزاد
هل يكفي فقط أن نتلقى العزاء في الشهداء ونرتدي ملابس الحداد؟
بكائية السكة الحديد.. ليست فقط على أرواح الأمنين المطمئنين إلى أقدم وسيلة تنقل في بلادنا تحولت من سكة السلامة.. إلى طريق الندامة.
كانت الإعجوبة فأصبحت اكذوبة، بكائية السكة الحديد هل تجعلنا نطالب كل من يحجز تذكرة أن يترك وصية قبل أن يستقل قطارات الهلاك!
هل نبكي فقط على الأرواح..
أم نبكي فقط على حضارتنا وتاريخنا وثقافتنا.. وتقاليدها الراسخة منذ عقود؟!
نعم هذا المرفق جزءًا حيوياًَ يعكس كفاءة الأداء في باقي قطاعات الدولة.
سبحان مغير الأحوال.
كانت السكة الحديد المصرية ثاني سكة حديد في العالم بعد لندن بل كانت تمثل الجيل الجديد من الحضارة ليس فقط في انتظام ايقاعها.. ولكن حتى في مبانيها.. سبحان مغير الأحوال
ساحة محطة مصر بالإسكندرية هذا المبنى التاريخي الذي يشع بالبهاء وهيبة الدولة نجد ساحته الأن عبارة عن أكشاك كئيبة.. القاعة الملكية تحولت إلى بوفية لبيع القهوة والشاي وأين الصالون التاريخي الذي جلس عليه الملوك والرؤساء... القي في المخازن وقد وصلت روح الأهمال لمجرد نظرة إلى الساعة الميقاتية في صدر الميدان والتي تقاس وقتها بساعة "بيج بن" في لندن أو إيقاع ساعة جامعة القاهرة.. فقد أصبحت الأن لايلتفت اليها أحد حتى لايتحسر على مدى الأهمال الذي تعرضت له السكة الحديد.
سبحان مغير الأحوال.
محطة سيدي جابر الشهيرة التي وثقتها عدسات التصوير لافلام الابيض والاسود.. ماذا جرى لها.. بقرار فردي أصبح "مول" فاشل لايقبل عليه أحد رغم أنه أفتتح أكثر من خمس مرات من بينها قيام الدكتور مرسي ورئيس وزرائه الدكتور هشام قنديل بأفتتاحة كل على حده؟!.. وصالة كبار الزوار تحولت إلى مشروع تجاري.. نادي السكة الحديد العريق للعائلات تم هدمه وأصبح موقف للسيارات لايستخدمه أحد !
سبحان مغير الأحوال.
حرم السكة الحديد.. انتصرت الروائح الكريهة وانتشرت القمامة... واستسلم للتعدي والعشوائية وسادت سماءة الضباب الأسود الداكن وابيدت المشاتل في المحطات.. فلازهور.. ولااعشاب ولكن عبارة عن أكوام من القاذورات والتراب.
سبحان مغير الأحوال.
فقد حظى المرفق منذ انشائه على اهتمام يستحقه على أجندة صاحب القرار السياسي، وشهد المرفق أيامًا رائعة في عهد الحكومات المتعاقبة ووزراء من العيار الثقيل وعلى سبيل المثال كانت حكومة الوفد تختار افضل ساستها لكي تسند اليه وزارة المواصلات وأفضل كفاءة لإدارة السكة الحديد ومنهم المرحوم عبد الفتاح باشا الطويل، وزير المواصلات، الأسطوري في حكومة الوفد ورغم انه علم من أعلام القانون إلا انه كان من انجح الوزراء السياسية وأزدهرت السكة الحديد وتروي عنه قصصًا عديدة تعكس هذا الأهتمام فقد كان يحرص على حضور لجان أختبار الوظائف الميدانية وفي عهده صدرت لوائح نموذجية ارتقت بألياتها فعاليات السكة الحديد ولنا في جولات النحاس باشا في القطار وخروجه من شرفة لتحية الجماهير وكان قيام على رصيف محطة أسيوط من فرط نظافتها بل أن خطة التوسع في السكة الحديد أمتدت إلى السودان وكانت رحلة للقطار الملكي من مظاهر محاولات الجالس على عرش مصر أن يلتقي بالشعب... ورجل السكة الحديد كان يتميز بالشموخ سواء كان قائد القطار.. أو مساعده العطشجي الذي مثل دوره بأتفاق الفنان محمد فوزي في فيلمه تقاسم البطوله فيه مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامه وكان محمد القصبجي هو سائق القطار... وفي عهد الوفد ازدهر السكن الإداري للعاملين ودعم الأنشطة الرياضية ونادي السكة الحديد لازال شاهدا على ذلك فقد كانت الوظيفة في المرفق مغرية لنجوم الكره ومن أبرز من انتقل من النادي الأهلي إلى السكة الحديد الكابتن الزنجيري مقابل التعيين بالمرفق والتمتع بالأمتيازات هو وأسرته... وعلى المستوى الصحي فهناك مستشفى خاصة بالمرفق والتي كانت تفوق في مستوى كفاءة العلاج بالمستشفيات الإستثمارية حاليًا ولم توجد حتى الأن وسيلة تنافس هذه الوسيلة وبعد الثورة استطاع الدكتور مصطفى خليل أن يضع المرفق على المستوى الأستراتيجي ولعب المرفق دورًا في نقل شحنات الأسلحة بعد الصفقة الشهيرة مع تشيكوسلوفاكيا وروسيا فضلًا عن الدراسات الإقتصادية لتعريفة النقل سواء نقل المفروشات والسلع التصديرية والمستورده بل وصل الأمر إلى هناك قاطرات مصممة مقل الزنزانه لنقل المساجين وقاطرات لنقل المياة إلى المدن الصحراوية بل وقطار البضاعة الذي كان يستخدم في نقل الحيوانات!
والقطار ملهم للفن وساهم في صنع نجوم الفنانين التاريخيه... وكان من ارقى وسائل تنشيط السياحة لنظافتها ورقة مواعيدها، وتجلى هذا في أغنية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب "ياوابور قولي راح على فين!
وقد أختار الدكتور مصطفى خليل أحد أبناء السكة الحديد الذي يعرف كل صاموله أو محول على الطريق وهو المهندس محمود عبد السلام الذي كان من أنجح المسئولين الذين نهضوا بالمرفق وأختير كوزير مع طاقم الوزراء التكنوقراط ليرفع درجة مدير عام السكة الحديد لدرجة وزير وكان أول وزير للنقل، وأذكر أنه تلقيت دعوه من المهندس إبراهيم يعقوب مدير منطقة الإسكندرية للمرفق نقلها إلى المهندس محمود السبكي لكي أحضر أول تجربة لتسيير القطار المجري الذي تعاقدت عليه الحكومة لتطوير المنظومة من مرحلة الخدمة الألية إلى مرحلة خدمة الجودة وفعلًا كان المجري نقله حضارية فقد غير المجري ألية العمل حيث كان ينطلق من المحطة القيام بمجرد وصولة صفارة ناظر المحطة بعد أن تم الأستغناء عن المجري التقليدي.. وفي هذه المرحلة الأولى وبعد إنطلاق القطار بدقائق حيث لايقف سوى في محطة طنطا إلا أن الوزير فوجئ بسيدة فاضلة في الدرجة الأولى تأتي باكية تطلب أن يقف القطار لأن المربية لم تعرف أن الديزل يتحرك لمجرد الصفارة فتأخرت في الركوب وأطفالي معها على الرصيف وأستدعى الوزير سائق القطار يطلب إليه أن يتوقف لحل هذه المشكلة لكن السائق رفض الأمتثال لأمر الوزير وقال له سيادتك تملك تفصلني لكن لن استطيع تنفيذ تعليماتك لأن اللوائح تشغيل الديزل تخالف ذلك، وإذا اردت أن اتوقف في أول محطة فهذا يكون على مسئولية سيادتك وأنص لي على هذا في وقت احوال القطار.. امام بكاء الأم أضطر الوزير إلى توثيق تعليماته لكي يتوقف القطار لدقائق في محطة خورشيد التي وقعت بها كارثة الجمعة ونزلت الأم واستدعى ناظر المحطة لكي يستأجر لها سيارة على نفقة الهيئة ليتم توصيلها إلى سيدي جابر على أن يسري مفعول تذكرتها على القطار الذي يليه وانتهت الرحلة وتوجهت إلى أخبار اليوم وقدمت القصة كاملة لأستاذي العظيم أحمد زين الذي نشر القصة الإنسانية في الصفحة الأولى بعنوان "في أول رحلة للمجري.. الوزير يأمر بأيقاف القطار لدقائق إستجابة لدموع أم نسيت طفلها على رصيف سيدي جابر" وأحدث هذا الخبر دويًا هائلًا وكان من بين العوامل التي دعت استاذ الأساتذة مصطفى بك أمين رئيس مؤسسة أخبار اليوم في ذلك الوقت لكي يختارني ضمن بعثة الأخبار التي قامت بتغطية مؤتمر القمة العربي الذي عقد بالمنتزة بالإسكندرية وأنا أروي هذه القصة لكي يعرف الناس قوة شخصية رئيس القطار وشجاعته.
واستطاع الدكتور مصطفى خليل إعداد كوادر عظيمة في كافة مشروع النقل منهم المهندس سليمان متولي الذي كان رئيس هيئة الطرق والكباري والبديوي فؤاد رئيس هيئة نقل البضائع وحسن مراد ومحمد توفيق احمد ويحيى رمضان في قطاع النقل البحري.. واستمر هذا التوجه بالأهتمام بأعداد الكوادر وعند قيام الدكتور عزيز صدقي بتشكيل الوزارة أختار الدكتور حسن حميدة وهو شاب استاذ بهندسة اسكندرية ويكاد يكون وقتها الوحيد الذي كان موضوع دراسة عن مشاكل السكة الحديد ولم يحصل هذا الباحث على فرصه عندما اصبح بكل رجاله من الوزارة بعد اقالته عندما شعر الرئيس السادات ان هناك صراعات مره بينه وبين الفريق أول محمد أحمد صادق ومع الجناح السياسي بالأتحاد الأشتراكي الذي كان يمثله في ذلك الوقت المهندس سيد مرعي أمين عام الأتحاد الأشتراكي، ولم يكن السادات وهو يستعد للمعركة وتشكيل حكومة حرب أن تكون بهذا الشكل الممزق وتم الأطاحة بكل من لهم علاقة قوية مع عزيز صدقي من بينهم أحمد عفت ومصطفى الجمال ويحيى الملا وحسن حميدة وفؤاد مرسي ومحمد مرزبان وهكذا خسرت مصر قيادة لها فكرها ورؤيتها في هيئة السكة الحديد.
وجاء إلى وزارة النقل وزراء منهم الحسيني عبد اللطيف وعبد الستار مجاهد وعبد الفتاح عبد الله ونعيم أبو طالب ثم المهندس سليمان متولي الذي استعان بالكفاءات وقيادات منهم كمال حشمت وشقيقه حشمت جاد ووداد الهمة الشرقاوي واطلق سليمان متولي خدمة التوربيني الذي كان ينافس الطائرات في مواعيد انتظامه وتمت اعادة الهيئة للمرفق بفضل جهود الخبير المحترم المهندس حسين حليم الذي اطيح به لسب غريب وهو أن المستشار صلاح عطية محافظ البحيرة طلب إلى سائق القطار التوقف في محطة غير مقرر توقفها لكي ينزل فيها حيث أن لديه اجتماعات وامتثل السائق لطلب المحافظ مما اعقب ذلك المهندس سليمان متولي الذي اصدر قرار بعزل حسين حليم.. أي أنه لم يعزل نتيجة حادث تصادم أو أهمال وهذه الواقعة تعكس مدى الدقة في التعامل بين الوزير والمسئولين في السكة الحديد.
أن مشاكل السكة الحديد عديدة منها ماهو اقتصادي ومنها ماهو قانوني وتشاء الأقدار إلى معالي المستشار الجليل أحمد أبو العزم رئيس مجلس الدولة الحالي كان مستشارًا قانونيًا للهيئة ويعرف دهاليزها القانونية وله أبحاث فيها لوضع بناء قانوني سليم وله مدرسة لكن مسئولياته ومهامه في تسيير أمور العدالة لاتسمح له بالأسهام حاليًا لكن هناك بالقطع تلاميذ له يعرفون كيف يواصلون رسالته ودعم المرفق.
وأختلف مع الوزير الذي يقول أن المرفق لم يدخل عليه تحسن منذ أكثر من أربعون عامًا وهذا أمر يمس المهندس سليمان متولي الذي شهد أزهى عصور الدعم من الدولة بالتعاون مع وزارة التخطيط وبنك الأستثمار بقيادة الدكتور كمال الجنزوري، وقد اتيحت لي حضور اجتماعات مكثفة كانت تضم رباعي مجلس الشعب الدكتور سهد الخوالقة والطيار أحمد علي الطحان والنائبة وداد شلبي والنائب رضا وهدان وكانت الإجتماعات تستمر حتى الصباح.. وملفات والمعالجات مودعه بوثائق بلجنة النقل والمواصلات ولا تدرج إلى اجتماعات لكن تدرج إلى إجراءات.
سبحان مغير الأحوال.
كانت السكة الحديد أكاديمية تخرج فيها وزراء منهم محمود عبد السلام وعلي فهمي الداغستاني وعلي زين العابدين بل أن شركتها تخرج فيها اللواء محمد نبوي اسماعيل الرجل القوي الذي أصبح نائبًا لرئيس الوزراء ومنهم من تولى منصب المحافظ أخرهم ممدوح كدواني والمستشار القانوني للمرفق أصبح الأن رئيس مجلس الدولة وهو المستشار الجليل أحمد أبو العزم.
سبحان مغير الأحوال.
كان القطار رمزًا للأمان بل كان القاسم المشترك في الحملات الوطنية بدأت بقطار الرحمة اوائل الثورة ولازلنا نذكر رجالنا وابطالنا وهم عائدون من رحلة النصر في حرب 73.
سبحان مغير الأحوال.
لازلنا نذكر الأسباب والمبررات التكرارية حول أسباب الحوادث منها افتقاد نظام الأمان وكهربة الأشارات واخطارء على الدريسة والسافورات والخلل في برنامج التقاطر ونظافة الطريق والمعدات الهائلة في مخازنها وننسى أن ميزانية السكة الحديد تصل إلى ميزانية دولة وليس ميزانية مرفق ويأتي المبرر السخيف وهو عجز المرفق عن تبرير تحويل العلاج الخلل في هياكله والعبارة الأسخف وهي عدم تحريك اسعار الخدمة والتذكرة المعدمة ومشاكل السكة الحديد تحكمها لجان يمكنها ان تعزل رئيس الهيئة.. وأنه اطالب ان يعقد الوزراء جلسة خاصة ليست هيئة السكة الحديد وان يتم فيها عن وزارة النقل هيئة مستقله مثل هيئة القناة وغيرها وان يشكل لها مجلس امناء يترأسه شخصية بارزة في حجم الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق أو الدكتور كمال الجنزوري نجدة التخطيط أو غيرهم من الخارج من الشخصيات الوطنية البارزة أو الدكتور شريف دلاور وتكون مسئوليته امام رئيس الدولة مباشرة.
وقد نجحت هذه الفكرة في جهاز استرداد اراضي الدولة التي يديرها المهندس ابراهيم نجيب واذا كانت هناك مشاكل ادارية فهناك شيخ الادارة الدكتور علي السلمي... واذا كانت هناك مشاكل قانونية فهناك الفقية الدكتور محمد زكي الوزير الأسبق وغيرهم من ابناء مصر الذين يمكن ان يتحملوا المسئولية ويدفعوا بهذا المرفق للعلاج.. في نظري ليس البحث عن وباء اسمه الخصخصة ليس هذا هو الحل.
واذكر ان هناك تطوير لحوالي 70 مزلقانا واذكر انه قد صدر قرار رئيس الوزراء رقم 98 لسنة 2002 بشأن تمتع نشاط السكة الحديدية بمزايا تكون ضمانات وحوافز الأستثمار.. أين كل هذا ؟؟
وأذكر أنه تم تجديد حوالي 520 كيلومتر سكة حديد، اي نصف طاقة الخطوط منذ انشائها.
اذن لم تقصر الدولة
لكن التدريب والتأهيل هو الذي ضاعف من الأخطاء البشرية فقد ضاعت ملامحه من خريطة الاهتمام بدائرة صناعة القرار بالهيئة.
سبحان مغير الأحوال.
الكبار في السن يتذكرون الإكسبريس والبولمان والخطوط السريعة والقطار القشاش وقطار المراكز وظاهرة التسطيح هربًا من سداد ثمن التذكرة وقطار البضائع
لكن الأن اصبحت سداح مداح...
وأخيرًا اقول...
انقذوا السكة الحديد..
أنقذوا القطار
وكان شعار الهيئة من الباب للباب
أصبح الآن من باب البيت.. إلى باب القبر!