السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كنت في الحج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى لقاء دولى بقلب مكتبة الإسكندرية، شاركتُ فى محاولة توثيق مأثورات تعلقت بالحج وعيد الأضحى بواحة براك، جنوب ليبيا، وجُبتُ برفقة أساتذة باحثين من أكثر من ١٥ دولة عربية وإسلامية عرضًا لما جمعوه وبحثوا فيه وعنه، لمخزون ثري، كثيرهُ اندثر وغاب ممارسه وبعضه بقى حيا متوارثا بين أهله، كم كبير من العادات والتقاليد والطقوس والحرف والفنون التقليدية والألعاب والحكايات والأغانى والأمثال وأدب رحلة الحج، وجغرافيتها.. إلخ، راوح ذلك المخزون المعروض شفاهة وفرجة بين المقدس الديني، والعرف الشعبى، ولم يخل أيضا من العجيب والطريف سأشاركُكم بعضا منه، ففى طرابلس الليبية تفرجنا على الطفل «سالم»، ليعود الحاج سالمًا، فاسم الطفل مشروط لمن سيركب جملًا، مزينًا بأقمشة ملونة وتصبغ رقبته بالحناء يُعد خصيصا ليطوف بين شوارع المدينة ويصاحبه الأهالى منشدين، وسنستمع لـ «مذكرة الخير» وهى قصيدة أبجدية (ألف بائية) سينظمها رجل أمازيغى أُمي (لا يعرف القراءة ولا الكتابة) منذ قرن ويزيد، وفى حنكة ومقدرة سيحفظ منه الحجيج المغربى فى قريته ما يدلهم على كيفية أداء مناسك الحج، حفيدة هذا الرجل الثمانينية هى من حفظت تلك المدونة، وفى السودان غربا ووسطا، فتحنا «صرة هدايا مكة والمدينة» التى يرسلها أمير دارفور عابرة بمرافقيها مصر، ويسبقها «زفة المحفل» إذ يودع الناس تلك الصرة الثمينة، وهى تطوف الميادين والشوارع، بقت «زفة العيد» إلى يومنا هذا، أما الصرة الهدية فقد أوقفت سنة الحرب العالمية الأولى.
مُجسمٌ شخصى فى مدخل البيت عليه ما يُنتقى من ملابس الحاج وبجانبه بعض من مستلزماته المهنية ما وقفنا عنده بالبحرين، فالمجسم العائلى للغائب لمغالبة الشوق ووجع الفراق، ويضاف إليه أرجوحة للأطفال تصنع أول يوم مغادرة الحاج إشراكا لذاكرتهم الحافظة أنهم لعبوا وفرحوا، وأن الحج مناسبة منتظرة للفرح والبهجة، وشاركنا مهمة زوجة الحاج فى إحدى قرى الأردن منحها هدايا الحج من عجوة التمر إلى المسبحة، إلى السجادة، إلى قنينة ماء زمزم، ساعة خروج الزائر المهنئ لعودة مباركة حميدة لزوجها.
وسنتذوق الكعك البيتى اللبنانى (قرية برجا) المُعد والمقدم فقط مع عودة الحجاج، أما كعكتا الحاج فستظلان معلقتين فى إطار مزركش ملون إلى حين رجوعه ليأكلهما، وسينوبنا حظ من نثر الأرز والورود مع استقبال أفواج الحجيج، إذ نتفرج على عرض الخيالة (بعلبك).
وعرفنا بوصول الحجاج بألوان ثلاثة: أحمر، أخضر، أزرق، رفعت أعلى سطح بعض بيوتات سلطنة عمان، وتجمعنا مع صبيان الحى - فى الأيام العشرة الأولى من ذى الحجة، الطالعين بفوانيسهم، ورددنا أغنية «التهلولة» وهو طقس مستمر إلى اليوم يُعود الصغار من خلاله على الارتباط الحميد بمناسبة الحج وعيد الأضحى. ومع نساء مدينة جازان بالسعودية سنؤدى الأهازيج الشعبية عند الوداع، وعند استقبال الحجيج، وهن من سيملأن بزغاريدهن وغنائهن أجواء إعداد «القعادة» كرسى الخشب الذى يمنع أى أحد من الجلوس عليه، ولأجل ذلك يغطى بالشوك انتظارًا لقعدة الحاج عليه، حينها سيجد وسادة القطن المزركشة، فيجلس ويستقبل زائريه.
ومن تاريخ «بوليوود» سيمنحنا فيلم «كولى» توثيقا لرحلة مسلمى الهند إلى الحج، حيث يحظى أول فوج يخرج إلى الديار المقدسة باحتفاء كبير إذ يقف مودعين لهم عند موانئ مومباى الوزراء وكبار الأعيان، كما تستقبلهم سيارات مزينة بالزهور تطوف المدينة، و«من زار الزين سموه اسمين»، حسب أغنية «العود - الشادوف» المصرية فمن زار مقام النبى محمد يضاف إلى اسمه، لفظ يمنحه قيمة اجتماعية تميزه خلقًا ومسلكًا عن غيره، «الحاج» المسمى المشتق من اللفظ المصرى القديم، بمعنى الأبيض، الساطع.. ولا يزال الكثير مما يُبحث فيه بل ويُوثق، ولمكتبة الإسكندرية المبادرة العلمية الحافظة التى تُحسب لها، إضافة وإفادة لكل مهتم ومُستزيد.