الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لغز صابرين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صابرين كانت شابة تسكن الشارع فى محافظة الفيوم، يطلقون عليها «صابرين المجنونة»، تراها إما تكلم نفسها وإما تجرى وراء أحد ممن يضايقونها من الشباب أو الصبية.
كانت جميلة ويبدو عليها بوادر ثراء بائد، شعرها به بواقى صبغة شعر، ملابسها متسخة ولكن ذوقها جيد، أظافرها بها بواقى طلاء أظافر.
ذات مرة ذهبت أقدم لها ساندويتشًا وعلبة عصير، فأخذتهما منى بابتسامة أنيقة، وشكرتنى باللغة الفرنسية «merci».
ابتسمت لها أنا أيضًا، وأخبرتها أنها جميلة، وأننى أعيش فى القاهرة وأعرفها وأحبها وأتمنى لها السعادة.
صديقاتى كن ينتظرننى فى حذر وترقب، خشية أن تعتدى على صابرين أو تلقينى بحجر، ولكنها كانت لطيفة معى، وطلبت منى أن أودعها قبل أن أعود للقاهرة.
يوم عودتنا طلبتُ من والدى أن يتوقف كى أودع صابرين، عندما علمت والدتى أننى أقصد صابرين التى فى الشارع نهرتنى بشدة، وكادت تمنعنى لولا أننى استبقتها وطلبت منها ألا تخاف، لحقنى والدى، وناديت عليها، وهى متمددة على رصيف الشارع، استيقظت ونظرت إلىّ بابتسامة، ولكنها عندما رأت والدى كادت تثور، هدأتها وقولت لها لا تخافى هذا أبى.
قامت من نومتها واعتدلت، وقالت لأبى «إوعى تموت وتسيب بنتك هنا ليهم، اللى بيموت هنا بيرموا بنته فى الشارع».
كلماتها حفرت فى ذاكرتى رغم حداثة عمرى، وما زالت تؤلمنى كلما تذكرتها، والدى وعدها أن يساعدها فى إيجاد مسكن ورعاية لها، رفضت وقالت: لن أتحرك حتى يأتى أبى ويأخذنى لبيتى!
كبرت وأنا أبحث عن سر لغز صابرين، حتى علمت أنها كانت فتاة وحيدة لأربعة أشقاء ومتزوجة من ابن عمها، والدها لسوء معاملة أشقائها لها كونها من أم أخرى ولحنانها الزائد عليه وهب لها بيته وساوى بينها وبين أشقائها فى باقى الميراث، كانت متزوجة من ابن عمها ولم تكن تنجب، وكان يهددها بالزواج عليها.
عندما علم أشقاؤها بتلك الهبة اتفقوا مع زوجها، عرضوا عليه مبلغا كبيرا نظير أن يسرق لهم ورقة الهبة، سلمهم كل شىء وطلقها وتزوج من أخرى.
ذهبت إلى إخوتها فضربوها وطردوها، عادت لمنزلها فوجدت خزانتها وأموالها ومصوغاتها غير موجودة، ذهبت تستنجد بزوجها فأخبرها أنه طلقها غيابيًا ووجدته فى أحضان زوجة جديدة بمالها الذى سرقه، ولم يمض شهرين حتى علمت ببيع شقة والدها ووصلها إنذار بالطرد، استنجدت بمحام فوجدت شقيقها باع ميراثها بالكامل لنفسه بتوكيل سابق من والدها قبل وفاته!
سأترك لكم تخيل الباقى، فكثير ممن يدعون أنهم أهل المرأة وصلات رحمها يكونون هم جلاديها وظالميها بامتياز، وعندما يعلم الأغراب يقولون وما عسانا نحن نفعل؟
يخدرون ضمائرهم ليتركونها دون أن يساعدوها، ويلقون باللوم عليها شأنها شأن أى امرأة فى هذا الوطن، دومًا هى المسئولة عن كل شىء، حتى عن الظلم والعنف الواقعين عليها.
وفى النهاية ماتت صابرين، دهسها شاب بسيارة ربع نقل منزوعة الأرقام، يقولون إنه نزل إليها فجرًا وتحرش بها، ففتحت رأسه بحجر فدهسها وهرب، ولا أعلم إن كانت الشرطة نجحت فى القبض عليه أم لا، ولكننى أعلم أن أحدًا لم ينصف صابرين ولم يعد إليها حقها، وأعلم جيدًا أن والدها الذى كانت تنتظره أخذها أشلاءً مقطعة إلى العالم الآخر، وليس إلى بيتها كما كانت تتمنى، لترتاح من قسوة عالم البشر وظلمه!