رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنبياء التكنولوجيا الجدد.. وأنبياء التخلف المقدس "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتهينا فى الأسبوع الماضي، إلى أن المنطقة التى نعيش فيها يعاد رسم خريطتها بالدم، ضمن صراع سلطتين فوضويتين، هما وجهان لعملة واحدة هى القوة بالسلاح والاقتصاد، أو القوة بادعاء الوكالة عن الرب، وقلنا إن ذلك يجرى فى مجراه المرسوم وفق الحتمية التاريخية لبدايات القرون، بينما للعلماء مسار ونهر آخر تمضى مياهه فى هدوء.
ففى مراكز الأبحاث والتطوير، يوشك هؤلاء الأنبياء الجدد أن يقدموا للبشرية النسخة شبه الأخيرة من عالم الأحلام، وهذا أمر وشيك، وليس ببعيد، بل إن التجارب صارت أسلوب حياة، بينما نحن هنا مغموسون فى بلطجة رجال أعمال وشركات أمن وبودى جاردات وهتك أعراض. أنبياء التكنولوجيا الجدد يفضون الآن بكارات المستقبل، ينتهكون عرض المستحيل ليطوعوه من أجل خدمة الإنسانية، بينما نحن نكفرهم، ونعتقد اعتقاد الغبى بأن الله سخرهم لخدمتنا. يعنى نحن أسيادهم وهم خدمنا، كيف، وبأى منطق؟ لا كيف ولا منطق، هى هكذا، نحن مسلمون متنطعون وسندخل الجنة بالشهادتين، ولو ذبحنا العالم، والعلماء الذين ييسرون لنا الحياة ويكافحون الأمراض، ويصنعون لنا الدواء.
مرار طافح أغرق النفس حسرات.. فهل تعلمون أن أنبياء التكنولوجيا الجدد والجديدة فى سبيلهم لإعادة تدوير جثث الموتى فى الولايات المتحدة؟ تدوير القمامة والأجزاء الصلبة أمر شائع فى الصناعة، لكن صنع مقابر تكنولوجية خاصة يزف فيها الميت بمنتهى الوقار إلى مرقده الأخير هو المذهل فى عمليات دفن الموتى. سوف يتحول الميت إلى سماد لتخصيب الأرض، وبذلك لن تضيع الجثة سدي، خصوصًا أن الجثث تحتاج لدفنها طقوسًا بالآلاف والأكفان الخشبية تكفى لبناء منازل لـ١٨٠ ألف متشرد، والحديد فى الأكفان (المقابض) يكفى لبناء كوبرى جولدن جيت آخر مشابه لذلك الكوبرى الشهير بسان فرانسيسكو، التكنولوجيا الجديدة ستوقف الدفن فى الصناديق، وستتيح الجثث للتحلل بطريقة معملية يستخلص منها مواد عضوية لتسميد أشجار الخضروات والفواكه. بذلك لن تضيع أعضاؤك سدى، ستتحول إلى جزء من ثمرة فاكهة أو خضروات. وبهذه الطريقة سيتوقف الأمريكيون وغيرهم عن صناعة حرق الجثث وتحويلها إلى رماد، بسبب التكلفة وبسبب تلويث البيئة!
عندنا ادفن واقفل وتعفن.. واعتبر واتعظ من التهام الدود لجثث من اعتبرناهم فاسدين! مع أن كل الجثث فاسدين وصالحين لا بد أن تتحلل وأن تتعفن.
الثورة المعلوماتية الجديدة، ستنهى وظائف للملايين فى شتى أنحاء العالم، وستوفر أدوية ووظائف بديلة، بل ستخلق للرجل المرأة التكنولوجية المصنعة، بديلة كاملة عن المرأة الطبيعية، ومؤدى هذا إنتاج ملايين النساء الآليات من ذوات الإحساس والأنوثة، بالحجم والشكل والمعايير التى يحلم بها الرجل، وأحسب أن طرحها وشيك فى الصين وفى اليابان، ومن الظلم للعقل وللنساء الطبيعيات الآن نتوقع طرح رجال من رحم التكنولوجيا، يوفرون الإحساس الذكوري، بالمعايير والأشكال التى تتمناها كل سيدة.
بالطبع هناك مشكلات أخلاقية شديدة التعقيد سوف تظهر مقترنة بشيوع ظاهرة اللجوء إلى البدائل الصناعية من عرائس وعرسان، أجهزة تشعر وتتفاعل، حتى الإشباع، دون مخاطر الإنجاب غير المطلوب، أو الأمراض، أو المبالغة فى المهور والأفراح! الطباعة الثلاثية توفرت، وطرق سريعة لاكتشاف السرطان فى أولى مراحله، وتوفير أطراف صناعية حية متفاعلة.
ثم فى القريب العاجل جدًا، ستنزل إلى حياتنا السيارة ذاتية القيادة، وهى مثل المرأة الآلية، حساسة جدا، متفاعلة، تعرف كيف تمضى على الطريق، تميز المطب من البشر، تحفظ الخرائط، توصلك أينما شئت، بلا ثرثرة، وبلا أى خطأ فنى على الإطلاق. تقول الأرقام إن مصر تفقد فى حوادث الطرق سنويا ٢٥ ألف قتيل وخسائر ٣٠ مليار جنيه سنويا، وفى أمريكا ٣٥ ألف قتيل، وفى العالم مليون و٢٠٠ ألف قتيل، وبالبحث المنهجي، تبين أن الخطأ البشرى هو العامل الأول فى هذه الحوادث. السيارة ذاتية القيادة لن تخطئ، لكنها ستتخذ قرارات، ربما يكون الراكب هو ضحيتها.
فمثلا يبحث أنبياء التكنولوجيا الجدد الجانب الأخلاقى فى أداء هذه الآلات. إنها مبرمجة على التفادى الكامل لأى آدمى يظهر أمامها. فلو افترضنا مثلا أنه ظهر وسط طريقها خمسة أو ثلاثة أشخاص يعبرون الطريق، فإنها ستقرر ذاتيا الارتطام بأى شىء جانبى يعطلها، بدلا من دهس المشاة، وفى هذا الموقف تكون السيارة ذاتية القيادة قررت قتل الراكب لإنقاذ المشاة!
كيف إذن يتم تلقين الآلة خاصية المواءمة بين أرواح راكبة وأرواح ماشية على السواء؟
هذا الآن مثار الجدل والعرض البديع الذى أستمتع بمتابعته على موقع TED العالمى لتبادل وعرض الأفكار المدهشة لخيرة علماء وأنبياء العلم فى العالم.
يحدث هذا بينما نخوض نحن خوضًا فيمن له حق الصلاة ومن ليس له حق الصلاة، ونزعم أنا مسلمون!
أليس العلم هو أقصى حالات التعبد لله!؟
هو كذلك. لكننا نمارس الجهل بعناد الأغبياء. أفق أيها الشعب وتعلم لأن المستقبل صار وراءنا، داسنا وهرسنا ودفننا.