الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"امرأة من لاتفيا" رواية وحيدة لوزيرة سابقة

رواية امرأة من لاتفيا
رواية امرأة من لاتفيا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتبت وزيرة خارجية لاتفيا السابقة «ساندرا كالينتي» رواية وحيدة، سردت خلالها قصة حياتها وأسرتها التى طردت من وطنها الأم، وانتقلت للعيش فى سيبيريا، فى عهد جوزيف ستالين، وهى رواية امرأة من لاتفيا.
الرواية بمثابة وثيقة تاريخية لحياة أسرة لاتفية عاشت فى ذلك العصر وهاجمها طاعون الفاشية أثناء الحكم الشيوعي، الذى داهم أوروبا الشرقية خلال القرن العشرين، صراع استمر خمسين عاما فى مواجهة الاحتلال الروسي، فالكتاب شهادة تدين القمع الوحشى لكل من الاتحاد السوفيتى والنازية الألمانية، ودعوة للنجاة من ظلم اغتال حقوق الإنسانية.
تبدأ الرواية بمولد ساندرا كالينتى فى عام ١٩٥٢ لوالدين من لاتفيا، تعرضا للنفى بشكل دائم إلى سيبيريا، وفى عام ١٩٥٧ تم السماح لها وأسرتها أخيرا بالعودة إلى وطنهم، بعد أربع سنوات من وفاة ستالين، ويظهر السرد الجريء والنمط الساخر الفنى من «كالينتي» الانطباع بأنها تجعلها تعيش بقلمها، وليس سياستها، وفى الثمانينيات والتسعينيات شغلت كالينتى منصب سفير لاتفيا لدى الأمم المتحدة فى جنيف وفرنسا ولدى منظمة اليونسكو، وأصبحت وزيرة الشئون الخارجية فى لاتفيا فى عام ٢٠٠٢، ومنذ ذلك الحين كانت أول مفوض للاتفيا بالاتحاد الأوروبي، وتعتبر نموذجًا وقدوة للنشء اللاتفي، حيث إنها ضفرت الحاضر بالمستقبل، وعادت به إلى الماضي، فى خفة ورشاقة كتابية، ويعد الكتاب تعريفًا بلاتفيا الدولة الأسطورة التى طالما ظلمت وتعرضت للقهر والقمع، وطالما قاومت من أجل الحرية والحياة.
تقول «ساندرا» فى إحدى مقاطع روايتها: «فى طفولتي، ذكر الماضى فقط فيما يتعلق بالحوادث المنزلية والمناسبات العائلية، ولكن لم يكن أبدا فى أهميته السياسية أو التاريخية، لقد نشأت تحت تأثير الدعاية السوفيتية، مع عدم علم شيء تقريبًا عن التاريخ الحقيقى للاتفيا، الذى دفن تماما فى صمت».
رغم تخطى «ساندرا كالينتي»، هذه المحن التى تعد تاريخًا أسود فى ذاكرتها، إلا أن الأحداث طالما توالت أمام عينيها، وكأنها حدثت بالأمس القريب، فالطفلة اللاتفية التى ولدت لعائلة يهودية مشردة، عبث النازيين الألمان من جهة، والفاشية السوفيتية من جهة أخرى، بشملها وتسبب فى تشتتها وضياعها ووفاة بعض أفرادها فى المنفى.
ويعد تحديًا كبيرًا فى الكتابة بشكل عام، أن تتناول تاريخ أمة انطلاقًا من قصة عائلية، وهو ما نجحت فيه الكاتبة حيث انتقلت بسلاسة مستخدمة أسلوبًا سرديًا دقيقًا، وهو ما يمثل جهدًا رهيبًا، ورغم اشتعال الأحداث لكننا لا نرى على السطح سوى الهدوء، رغم ما يبدو جهدا، فالكاتبة تقود القراء من خلال الذاكرة إلى الفظائع والمآسى التى عصفت بعائلتها، بلغتها الجريئة التى تدفع القارئ من خلال متاهة الذاكرة، حيث لم تكن مهمة سهلة بالنسبة لها؛ ثم تصل للوثائق السرية السوفيتية، حيث لا يسمح للمؤرخين اللاتفيين بالوصول إلى مجموعات أرشيف اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، التى يمكن أن توفر نظرة كاملة على الوثائق المتعلقة بتخطيط وتنفيذ احتلال لاتفيا من قبل القوات السوفيتية فى يونيو ١٩٤٠، وليس من قبيل المصادفة، تم اختيار تاريخ الاحتلال عمدا كما فى نفس التاريخ من الاستيلاء الألمانى على فرنسا ١٧ يونيو ١٩٤٠.
تسترجع «كالينتي» ذكريات صباها ومراهقتها فتقول: «ماذا كان مصير دول البلطيق الصغيرة بالمقارنة مع هذه الدراما، التى عصفت بأوروبا والعالم؟ وهكذا فقد تركنا وحدنا مع اليأس»، وهكذا فإن «ساندرا» عندما شق عليها جمع المحفوظات، لجأت إلى استدعاء الأحداث من أعماق ذاكرتها، واستدعت ذاكرات كل فرد من عائلتها على قيد الحياة، وذلك من أجل بناء سرد ودقة تصوير الأحداث التى حطمت لاتفيا وشعبها فى منتصف القرن العشرين.
«عندما تحدثت إلى والدتى عن فترة بيلينا وبيتروبافلوفكا خلال المرحلة التحضيرية لهذا الكتاب، لم أسمح لنفسى أن أشعر، لم يكن هدفى هو قطع خيط الذكريات والتساؤل فى التفكك من أجل معرفة أكبر قدر ممكن من المجاعة التى تولد داخل جسم الإنسان وتغير الروح».
إن استخدام «كالينتي» للغة المقطوعة والسريعة الخطى ينقل بقوة الشعور بالخوف والارتباك الذى ساد خلال الأيام الأولى للاحتلال السوفيتي، والمجهول الذى تغلغل فى الأسر اللاتفية من خلال كتابتها، والتى نجدها فى مقاطع مثل: «وكانت حالة عدم اليقين التى حكمت فى المجتمع فى أيام يونيو مذهلة، وكانت الشائعات الأكثر احتمالا هى التعميم، ولم يعرف شيء تقريبا عما يحدث مع النخبة السياسية، لأن الصحافة والإذاعة تخضعان تماما لسيطرة المحتلين، مع كل يوم جديد، وشعور الإذلال أصبح أقوى، حيث لا يمكن إسكات الألم الحاد».
إن استخدام «كالينتي» التجريبى للغة الوصفية المفرطة والمجازات التى شيدت ببلاغة يخلق عالما صارخا يعزز النجاح السردى فى «امرأة من لاتفيا»، من خلال الاستفادة من البساطة اللغوية، ساندرا سمحت للعواطف وردود الفعل العاطفية أن تتسلل داخل القارئ، وبعيدا عن هدوء السرد، فإنها تسلب القارئ وتجعله يعيش معها فى عدد من الحالات التى تسردها.
فى بعض أجزاء الكتاب توالت الأحداث بجرأة مؤلمة تقريبًا لا تحتمل، مثل، وفاة جدها: «من تلك اللحظة فصاعدا، مع اللامبالاة البعيدة، وقال إنه شاهد من فمه، شيئا فشيئا، والرئتان تبصقان فى كتل مسامية، شاحب ودموي.. وهكذا، الغرق فى الدم»، هذا المشهد مكتوب بشكل جميل ومذهل بسيط فى العاطفة.