الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

استعجلت الرحيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لماذا الآن يا دكتور رفعت؟! لِمَ استعجلت الرحيل؟ هل أتعبك عناء السفر ومشقة الرحلة؟ ألم أقل لك فى آخر لقاء جمعنا: «خلى بالك من صحتك؛ لأن أمثالك لا يجب أن يموتوا الآن»؟! لماذا لم تسمع نصيحتى وأنا الابن البار لك؟ لماذا تركتنا عرايا بدون غطاء أو سند؟ وأنت تعلم أن كلنا دونك لا شيء.
لماذا رحلت دون أن تداعبنى كعادتك؟ سأشتاق لكلماتك التى كنت ترددها فى كل مرة اتصلت بك، كم كانت رائعة تلك الكلمات عندما تأتى منك. 
لماذا تركتنا وأنت تعلم أن الطريق ما زال طويلا؟ ما زلنا نحبو فى عالم السياسة، ما زلنا نحتاج إليك، ألا تعلم أننى منذ أن تخرجت فى الجامعة لم أجد غيرك يستحق أن يكون مثلا أعلى وقدوة؟ لذلك حاولت كثيرا أن أقلد حركاتك، نبرات صوتك، إيماءاتك، وحتى نظرات عينيك، لكننى للأسف فشلت، فليس سهلا أن تكون رفعت السعيد.
تعلمت منك التدبر والتفكير العلمى وإعمال العقل وقبول الآخر ونبذ التطرف والمتاجرة بالدين، كنت شابا صغيرا يوم دخلت حزب التجمع ورأيتك للمرة الأولى، فمنذ ذلك الحين وأنا أراقب تعاملاتك ورقيك ومدى الألفة التى تتعامل بها مع من فى مثل عمرى، كم كنت أبا حنونا عطوفا علينا نحن أبناء الطبقة العاملة وأبناء الفقراء.
والآن وأنت بين يدى الله، وهو وحده يعلم ما تركت لوطنك، وما قدمته لأبناء الفقراء أو أولئك الذين أتوا من محافظات مصر إلى قاهرة المعز بحثًا عن حلم. 
وإذا كان الإخوان والإرهابيون والمرتزقة والشامتون فى وفاتك، ما زالوا يتضرعون ويدعون لله بأن يحاسبك بعدله وليس بفضله كما يقولون، فنحن ندعو له بالمثل ثقةً فى عدل الله وفضله، وندعو الله أيضا أن يدخلك الجنة جزاء عما قدمت فى مواجهة قوى الظلام والتطرف والإرهاب المتأسلم من خلال كتاباتك التى توجتَ بها تاريخنا المصرى.
ندعو الله أن يثيبك ويقبل عملك جزاء لشجاعتك فى المعارك الفكرية الضارية التى خضتها أمام الجماعات التكفيرية والإرهابية، فكنت من أعظم مؤرخى العصر الحديث، وصاحب الفضل الأول فى تسجيل وتأريخ حركة اليسار المصرى، بالإضافة إلى ما قدمت للمكتبة العربية والمصرية من عشرات الكتب القيمة، التى أسهمت بقوة فى الدعوة للتقدم والوحدة، وترسيخ الهوية الوطنية المصرية، وحماية المصالح والقضايا القومية، ودفاعك عن حقوق الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل والطبقة الوسطى، ودفاعك أيضا عن حقوق المرأة، ودعمك ومساندتك لها فى كل معاركها من أجل انتزاع حقوقها ومن أجل التمكين السياسى والاجتماعى والثقافى. 
لا تحزن يا دكتور رفعت! فالشامتون فى وفاتك مكانهم محجوز فى مزبلة التاريخ، وأنت تعرفهم أكثر من أى أحد بما لديك من قدرة على الفرز وقراءة الأحداث والتنبوء بمسارها، فهم كما أطلقت أنت عليهم «جنرالات المقاهى»، و«مناضلى الكيبورد» وعناصر جماعات الإرهاب من الإخوان للاشتراكيين الثوريين ومطاريد اليسار المصرى، الذين أمطروا مواقع التواصل الاجتماعى بسيل من قاذوراتهم وسفالاتهم. 
لا تلتفت لهؤلاء الجرذان، هل تعلم أن أحدهم لم يستطع إخفاء غله وحقده عليك وقال: «أنا فرحان فى موت رفعت السعيد ولا يهمنى إذا كان سيدخل الجنة أو النار»؟ ومثله فعل من يعتبرون أنفسهم قيادات تاريخية للمعارضة المصرية، أو مُنَظِّرين ومفكرين كبارا فى حركات اليسار المصرى.
وعن هؤلاء المرتزقة ممن وجهوا سهام انحطاطهم الأخلاقى تجاه المعلم رفعت السعيد، أتحدى أن يكون بينهم من قرأ له كتابًا واحدًا، وليس بينهم من فهم صفحة واحدة من كتاب قرأه له، فمناضلو المقاهى الذين لا يوجد فى تاريخهم ما يتباهون به سوى اتصالاتهم السرية بالأمن ليس غريبا عليهم الوقاحة ولا يعرفون قيمة الرجال الذين قضوا سنوات من عمرهم فى سجون ومعتقلات مصر.