الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

منذ وضعها بودلير.. قصيدة "البلور" لا تجد سوقًا عربية

بودلير
بودلير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هي ابنة مدرسة الشعر الفرنسي منذ قصائد رامبو وبودلير 1870، وقد وصفت الناقدة سوزان برنار قصيدة النثر بأنها "قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور.. خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجًا عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية".
كتب بودلير في نشيده الخريفي: "سنغوص قريبًا في الظلمات الباردة / فوداعًا يا تلألؤ أضواء أيام الصيف القصيرة / إني لأسمع من الآن سقوط الحطب على البلاط / كأنه إيقاع أنغام جنائزية / سيتغلغل الشتاء كله في كياني / غضب، حقد، هول، اشغال شاقة / وكالشمس في جحيمها القطبي / سيكون قلبي كتلة حمراء من جليد".
وكونها خارجة عن كل تحديد، فقد وقعت قصيدة النثر في مأزق عدم وجود معيار لفنيتها، وإلا أصبح من حق كل من يكتب سطورا منثورة أن يطلق عليها شعرا!
وحين ظهرت قصيدة التفعيلة بالعالم العربي متخلية عن قواعد النظم التقليدية واكتفت بتفعيلة واحدة، كان ذلك يعد ثورة جسورة بدأت بأوائل العشرينات عبر حركة الترجمة الأدبية، وقيل أن طه حسين كان أحد كتابها وإن لم يسمها قصائد، وفي السبعينات، هاجمها المحافظون ومنع العقاد صلاح عبدالصبور من السفر لدمشق ما لم يلتم بالقصيدة العمودية وكان من معارضي منحه الجائزة التشجيعية، وهو من تحدى بمزيد من القصائد الحرة وكان هذا هو المناخ السائد عربيا فنرى قصائد محمود درويش وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي وغيرهم.
استلزم الأمر وقتا كي يكون هناك اعتراف بشاعرية المبدع عبدالصبور حين يقول: "يا صاحبي إني حزين / طلع الصباح فما ابتسمت ولم ينر وجهي الصباح / وخرجت من جوف المدينة أطلب الرزق المتاح / ورجعت بعد الظهر في جيبي قروش / فشربت شايًا في الطريق / ورتقت نعلي / ولعبت بالنرد الموزّع بين كفي والصديق / قل ساعة أو ساعتين / قل عشرة أو عشرتين".
كان أحمد عبدالمعطي حجازي وقتها من رواد الشعر الحر بمصر، ولهذا يعيب شعراء قصيدة النثر عليه موقفه المتشدد منهم اليوم ووصف ما يكتبونه بأنه نثر رديء فضلا عن عدم إنتمائه للشعر.
ويرى البعض أن هناك خللا أكيدا بتعريف قصيدة النثر واضطرابا منشأه الإيقاع؛ وهي إشكالية لم يستطع رواد قصيدة النثر حلها في 60 عاما هي عمرها حتى اليوم.. حتى برغم تأكيدهم على الموسيقى الداخلية بقصيدة النثر، وهو ما يجعل النص شاعريا ولا يندرج ضمن خواطر النثر الفني التي يعج بها تراثنا العربي. ويظل تمكن الشاعر من أدواته هو أهم ما يمنح قصيدة النثر قبلة الحياة بعالمنا العربي خاصة مع رصيدها الإبداعي المتراكم من الثمانينات وحتى اليوم، وأسماء تعد علامات على طريقها ومنهم الماغوط ومحمود درويش وجبرا إبراهيم وعفيفي مطر، ومن المعاصرين رفعت سلام وأدونيس وأنسي الحاج ووديع سعادة..
من "مكابدة" الشاعر الكبير رفعت سلام نقرأ: 
"اتركوني فوردة الرماد تطفو على الماء المناسب فينكسر النعاس / واحتمال أي شيء آسنًا أمضى وكل الظن إثم وحوريات / الليل لا تواتيني للمرة الأخيرة فلا تتركوني أشعث كالسيف / ما لي حيلة غير لقط الحصا والخط في التراب فأخط وأمحو الخط / ثم أخطه خطًا جديدًاَ فيهرب مني الكلام والمخاطبة إلا فرجة / ضيقة ضيقة فأنفذ منها بغتة / ولا أسمي البحر قبَّرة، / فيفلت من يدي النسيان./ ولا أراود الأرض اللعينة،/ أو أستجيب لها، / فلا يخطو على جسدي الزمان".