الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

تحليل.. إعلام الإحتلال فيه سم قاتل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"لن أسامح الفلسطينيين لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم" تلك الكلمات التي قالتها جولدا مائير ذات مرة وهي في حالة تأثر، وتعد حجر الأساس الذي يستخدمه الصهاينة دائما في إعلامهم سواء المرئي أو المسموع، فسياسة ونهج بث الشائعات والأكاذيب هي إحدى السياسات التي يعتمدها الاحتلال لدى إسرائيل لمواجهة الأزمات والحروب.
منذ أن أدرك الاحتلال في لحظاته الأولى أهمية الإعلام أدرك معه أهمية وجود وحدة كاملة مختصة في كيفية بث الشائعات في الشارع العربي بل العالمي لقلب الحقائق ضد العرب والتعاطف مع اليهود، تلك الوحدة التي بدأت عملها مع التلفزيون الإسرائيلي استطاعت أن تتطور مع الوقت ونجحت في استخدام أحدث مواقع التواصل الاجتماعي لبث كل ما يحلو لها لتفتيت الشارع الفلسطيني خصوصا في الأزمات الكبيرة، وهو ما حدث جليا في أزمة الأقصى الأخيرة.
فى دراسة لوكالة وفا الفلسطينية بينت أن هناك بعض الاستراتيجيات التي يبدأ إعلام الاحتلال في استخدامها خلال نقله للخبر فى محاولة لقلب الحقيقة في استخدام صيغة المبني للمجهول مثل "أطلق النار على" لتخفيف أثر الحدث والتمويه على مسئولية جيش الاحتلال.
وتعمل وسائل الإعلام إلى اعتماد عدد من الروايات المختلفة، وربما المتناقضة لحادث واحد، وذلك لإرباك المستمع أو القارئ في أي من الروايات هو الصواب فمثلا في حادثة استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة بتاريخ 30/9/2000، وبالرغم أن الحادث تم توثيقه بالفيديو إلا أن إسرائيل حاولت تبرير الحادث الإجرامي بأكثر من رواية منها "إن الطفل قتل برصاص الفلسطينيين" ثم بدلت "أنه سقط في تقاطع نيران بين مسلحين فلسطينيين وإسرائيليين"، ثم قالت: "إن الطفل كان مشاغبا مؤذيا جلب لنفسه الموت"، وفى النهاية وبعد كل تلك الروايات التي صدرها لمحاولة تفتيت الرأي العالمي للتخفيف من وطأة تلك الجريمة تساءل الاحتلال من خلال إعلامه قائلا: "ما سبب وجود الطفل في مكان الحادث ؟!"، والمقصد من وراء هذا السؤال كان واضح وجلى للجميع.
ولعل أشهر ما قاله البروفيسور بنيامين عزار ذات مرة عن أهمية بث الشائعات دائما وتصوير: إن العرب دعاة حرب وليس سلام هو أهم أسس قيام دولة إسرائيل، حيث قال: "إن الإيحاء للعالم باستمرار العداء من قبل العرب لإسرائيل يخدم جملة من التصورات والمفاهيم التي تقوم على أن الدول العربية تريد إبادة إسرائيل وإزالتها من الوجود، وهو شيء علينا أن نعمل على إقناع شعبنا والرأي العام به بكل الوسائل التي بين أيدينا، لأن ذلك يعد من مصالحنا العليا".
ولأحداث الأقصى الأخيرة النصيب الأكبر في حرب الشائعات بعد حادثة اغتيال الشهيد مازن فقها وإضراب الأمعاء الخاوية "إضراب الأسرى بسجون الاحتلال"، حيث استمرت حادثة الأقصى 14 يوما عاش فيها الوطن العربي وإعلامه حالة كبيرة من التخبط، وذلك لتلاعب الإعلام الصهيوني بالحقائق، فمن خلال متابعة الأحداث نجد أن خبر "اجتماع الكنيست المصغر مع نتنياهو لإنهاء الأزمة" تكرر أكثر من مرة على مدار عدة أيام وكان المقصود منه محاولة تهدئة الشارع العربي وإيهامهم أن القضية انتهت والاحتلال سيزيل البوابات وهو ما كذبة أكثر من مرة أهل القدس، وأكدوا على خطورة تناقل هذا الخبر وهو الفخ الذى وقع فيه معظم وليس كل وسائل الأعلام العربية بإذاعاتها أكثر من مرة نبأ عاجل "إسرائيل تزيل البوابات الإلكترونية"، وهو نفس الخبر الذي يتم نفيه بعدها بساعات وهو ما خلق حالة من الملل والإحباط لدى المواطن العربي أدت إلى التقليل من متابعته للحدث وهو ما نجحت فيه إسرائيل بالفعل.
لم يكن هذا هو الأمر الأوحد في حادثة الأقصى ولكن كانت الشائعات لا حصر لها بداية من أخبار الاشتباكات والاعتداءات ومحاولة تصوير الفلسطينيين في صورة الهائج والمعتدى دائما على الجندي اليهودي خلافا على الصورة العديدة التي نشرت لجنود الاحتلال في المسجد الشريف وهم يساعدون المسنين في اليوم ذاته، الذى قالت إنه تم فتح باحات المسجد الشريف كليا رغم أن الفتح كان جزئيا وممنوع على من هم دون الخمسين عاما.
هو الأمر نفسه الذى حدث في شهر أبريل الماضي وبعد خمسة أيام فقط من معركة الأمعاء الخاوية، بدأ الاحتلال في الاعتماد على بث الشائعات ولكن هذه المرة بذكاء، حيث بدأ بتصنيف المضربين رغم أنهم لم يصنفوا أنفسهم واتحدوا جميعا، حيث بدأ بإخراج إحصائيات رسمية عن إعداد المضربين ولكن مصنفة على حركات " فتح وحماس والجهاد وغيرهم " أولا لإضعاف العدد بدلا من ذكره مجمعا ثانيا لقيامه فيما بعد باستخدام نفس الطريقة في الإعلان عن انفصال أسرى حركة حماس عن الإضراب وفكهم له، ومن ثم عدد من فتح وبدأ يروج للعديد من الشائعات التي من شأنها إحباط الأسرى وأهاليهم والمتضامنين معهم بالخارج، وكانت أبرز تلك الشائعات وأكبرها من نصيب قائد الإضراب مروان البرغوثي، حيث تم بث فيديو له يعود للعام 2004 وهو يأكل وقالوا إنه كذب على جميع الأسرى المضربين ولم يضرب في عزله الانفرادي، كما تم استخدام شركة المأكولات الشهيرة "بيتزا هات" وقتها لعمل حملة دعائية كبيرة على صفحاتها بإسرائيل عن هذا الحدث، وهو ما تسبب في هجوم عالمي ضد الشركة أدى إلى اعتذارها وتأديب الفرع المتواجد في الأراضي المحتلة.
على نفس هذا السياق يتعامل الاحتلال في قضايا الاغتيال الكبيرة ببث أكثر من معلومة تتوه وسطها الحقيقة من خلال الصاق التهم بالمغتالين من قبلها وقلب الحقيقة أن الاغتيال جاء لحماية إسرائيل من اعتداءات غاشمة على حد قولهم كان سيقوم أو قام بها الشهيد، وهو ما كان جليا في قضية اغتيال الشهيد هاني أبو بكرة في عام 2000 بخان يونس، حيث برر الاحتلال ذلك بأن جيش الاحتلال أطلق النار على سيارة أجرة فلسطينية بعد أن حاول مواطن إشهار مسدسه، وهو نفس الأمر عند اغتيال الشهيد ثابت ثابت كانت الرواية كما يأتي "وقع اشتباك مع فلسطينيين مسلحين نتج عنة مقتل أحدهم".
كما تم نقل الحدث بصورة مجتزأة تحت عنوان "وقوع مشادات واحتجاجات بين المستوطنين والفلسطينيين"، دون الإشارة إلى سبب رد فعل الفلسطينيين، فهو دائمًا بسبب اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم، او نشر وسائل الإعلام العبرية خبرا يفيد بأن سلطات الاحتلال منحت تصاريح الدخول للآلاف من العرب والأجانب لدخول المدينة دون الإشارة إلى الطوق الأمني والحواجز العسكرية التي كانت تمنع هؤلاء من دخول المدينة المقدسة والإجراءات المتبعة على ذلك.
كما ذكرت عدة دراسات أن الإعلام العبري أيضا أن الاحتلال يستخدم سياسة الشائعة والشائعة المضادة فهناك شعبة خاصة لتوجيه الشائعات بحيث تثير لدى العرب البلبلة والتخبط واليأس، ويتم تسريب الشائعة أحيانا في نشرة إخبارية واحدة ولا تكرر بحيث يصبح للسامع فضول في معرفة صحتها والبحث عنها، وذلك ما يشغله عن القضايا الأساسية في الصراع، وكمثال على ذلك ما تذيعه الإذاعة الإسرائيلية عن أن قوات الأمن توصلت إلى الخلية العسكرية التابعة لحركة جهادية ما واعتراف أعضائها بالتنظيم والعمل إلى آخر ما هنالك، بينما تكون الشائعة مجرد خبر يراد من ورائه التخبط في الجانب الآخر والحيرة والإحجام والشك والخوف والشلل.
كما أن إظهار الحياد في طريقة بث الخبر وهو أخطر ما يستخدمه الاحتلال الصهيوني، بحيث يظن السامع أن الخبر موضوعي ليس فيه من الزيف والتحيز شيء ومثال على ذلك ما تبثه الأخبار عن قيام قوات الأمن الصهيوني باعتقال عدد من المستوطنين الذين يريدون الاستيلاء على أرض عربية، وفي الواقع تكون قوات الأمن نفسها تحمي مجموعة من المستوطنين الذين يضعون البيوت المسبقة الصنع في أراض عربية ويدّعون أن هذه الأرض استولت عليها الدولة لأغراض أمنية.
كما أنهم يعتمدون على نقل الخبر السريع قبل أن تبثه وكالات الأنباء وذلك لإظهار الإعلام الصهيوني على أنه السباق في نشر الأخبار المهمة، والواقع أن الإعلام الصهيوني يلجأ لبث مثل هذه الأخبار استنادًا على تقارير تقدم من أجهزة المخابرات والأمن، ويقصد من ورائها التضليل أو الإحباط أو التشويش.
ولعل أبرز المواقع التى تستخدمها إسرائيل لبث شائعاتها تحت المظله الخبرية "موقع المصدر"، حيث يعتمد على جلب الزوار من خلال الأخبار الإباحية وصور المجندات في جيش الاحتلال والاعتماد الكلى على مثل هذا اللون من الأخبار، وفى المنتصف يبدأ الشاباك ببث أخباره وشائعاته تحت عناوين جذابة ليقع القارئ في فخ شبكة أخبار عنكبوتية لا حصر لها.
ويعتمد "المصدر" على وضع عناوين مثيرة من قبيل: "الأسبوع في 5 صور"، "كل شيء عن مروان البرغوثي"، "كل شيء عن تل أبيب"، "كل شيء عن قطاع غزة"، "المجلة"، لكن الفخ يكمن في تفاصيل تلك العناوين التي تحوي معلومات مغلوطة، تظهر أن الإسرائيليين محبّون للسلام.
اللافت في الموقع الذي تخطى عدد متابعيه حاجز المليونين، أنه لا يحوي ميزة اختفاء الإعلانات التسويقية، هذا بالإضافة إلى تصميم ومتابعة عالية الجودة، وتقسيم زواياه بصورة فنية تلبي رغبات المتصفحين.
وبحسب ما حصل عليه موقع "الخليج أونلاين" من معلومات، فإن طاقم "المصدر" التحريري يتكون من اليهود والعرب، وتشغل الصحفية الإسرائيلية "شميريت مئير" منصب رئيس التحرير، في حين يشغل الصحفي عامر دكه منصب مدير الإنتاج، ويتولى التحرير الصحفيان الإسرائيليان هداس هروش ويوؤاف شاحام، وإعلاميون آخرون سريّون، وشخصيات استشارية وإعلامية من جهاز الشاباك الإسرائيلي، ويتقاضون رواتب مرتفعة.
وكشف مصدر لـ"الخليج أونلاين"، أن الموقع يتبع وزارة الخارجية الإسرائيلية، وهو ضمن سلسلة مواقع "مخابراتية"، يشرف عليه بصورة مباشرة جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك)، ويتحكم في كل المواد التي تنشر عليها ضمن أهداف محددة.
وفي مواده الحصرية والخاصة التي ينشرها بشكل يومي ويتناول ملفات إسرائيلية وفلسطينية وحتى عربية وإقليمية، يعتمد الموقع في مصادره على المنظمة التعليمية الأمريكية (The Israel Project) والمعروفة إعلاميًا باسم "TIP"، التي توفر له المعلومات والصور والخرائط والحقائق المفصلة والقضايا التي تخص إسرائيل والشعب اليهودي والشرق الأوسط، وهو ما يشير إلى ارتباطه الوثيق بجهات مخابراتية إسرائيلية وأمريكية تمدّه بالمعلومات.
مراقبون أكدوا لـ"الخليج أونلاين"، أن "المصدر" يعتمد، بشكل أساسي، على تسويق معلومات مضللة وبعيدة عن الواقع لأغراض مخابراتية؛ لتضليل الرأي العام في قضية معينة أو شخصية مختارة، في إطار المعلومات المحددة التي تصل لمحرري الموقع من جهاز "الشاباك"؛ لتفعيلها على هيئة أخبار أو مقالات صحفية أو تقارير، ورغم ذلك لا زال الكثير من المواقع العربية يعتمدون عليه كمصدر فى معلوماتهم.
وكما ذكرنا فى البداية أن الاحتلال نجح في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في بث الاشاعات ولكن بصورة مختلفة عن النمط الطبيعي وبشكل أكثر ذكاءا بحيث تقوم مخابرات الاحتلال عن طريق استخدام حسابات وهمية باسم الشهداء الفلسطينيين الذين تقتلهم عصابات المستوطنين مثل حالة الشهيد فادي علون من بلدة العيساوية الذي أعدمته شرطة الاحتلال بعد حصاره من قطعان المستوطنين في القدس وهو نفس الامر للشابة شروق دويات التي اعتدى مستوطن عليها في البلدة القديمة وأطلق عليها النار ليصيبها بجروح خطيرة، في الحالتين وبعد أقل من نصف ساعة بدأت الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور مزورة ومركبة على أنها آخر ما كتبه الشاب فادي أو الشابة شروق لإظهار النية عندهما في تنفيذ عملية ضد الاحتلال في محاولة لتثبيت دجله وروايته الكاذبة وللتغطية على الجريمة الواضحة بحقهما.
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يمتد لنشر شائعات عن نية الجيش في اقتحام مكان ما ليبدأ الشبان في الذهاب والتجمع عند هذا المكان، بعدها يقتحم الجيش مكان آخر بعيدًا تمامًا عن المكان الذي تجمع فيه الشبان، كما حدث في الليلة الأولى من استشهاد مهند حلبي، تجمع الشبان في محيط منزل الشهيد في بلدة سردا شمال رام الله متجهزين لصد اقتحام قوات الاحتلال المتوقع للمنزل، بعدما انتشرت اشاعة على موقع فيسبوك أن جيش الاحتلال اقتحم مدينة البيرة، فخرج الشبان مسرعين وتوجهوا الى مدينة البيرة البعيدة نسبيًا عن منزل الشهيد ولم يجدوا شيئًا هناك، واقتحم جيش الاحتلال منزل الشهيد مهند في ساعة متأخرة من مساء تلك الليلة.