الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وداعًا الفارس النبيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وداعًا فارس اليسار النبيل، الذي تحمّل كثيرًا من الألم إيمانا بمواقفه، واختار الطريق الصعب؛ اختار النضال والدفاع عن الحرية والحق والعدالة الاجتماعية وهو فتى صغير السن، وكان أصغر معتقل في التاريخ، كان ضعيف البنيان لكنه كبير العقل، قوي العزيمة، لم يتزحزح إيمانه الراسخ بأفكاره النبيلة رغم الاعتقال والتعذيب، واستمر حتى آخر نفس له فارسًا لم ينزل من على جواده إلا لنداء ربه. 
خاض، بشجاعة معارك فكرية ضارية، فى مواجهة الجماعات التكفيرية والإرهابية، وكان من أعظم مؤرخي العصر الحديث، الذى كان له الفضل في تسجيل وتأريخ حركة اليسار المصرى، وقدّم للمكتبة العربية والمصرية عشرات الكتب القيمة، التى أسهمت بقوة فى الدعوة للتقدم والوحدة، ومن أجل ترسيخ الهوية الوطنية المصرية، وحماية للمصالح والقضايا القومية، ودفاعًا عن حقوق الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل والطبقة الوسطى.
كان من أشد من دافعوا عن حقوق المرأة، وكان داعما ومساندا لها في كل معاركها من أجل انتزاع حقوقها ومن أجل التمكين السياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي.
لذلك لم يكن خبر وفاته مفجعًا بقدر ما كان كاشفًا لحالة التدني الفكرى والسياسى والأخلاقى لمن يطلقون على أنفسهم "النخبة"، الثورية المصرية والتى كانت العامل الأساسى فى إفشال الحراك السياسى للشعب المصرى فى يناير 2011 بكل ضحالتها الفكرية، وجهلها السياسى والتنظيمى، لم يفكر قط في مصالحه الشخصية مثل كل "جنرالات المقاهى"، و"مناضلى الكيبورد"، طبقًا لتعبيره، فقد نختلف أو نتفق مع توجه "الأسقف المنخفضة"، الذى تبناه الدكتور رفعت السعيد، لكن الواقع قد أثبت صحة النتائج التي انتهى إليها وبشكل صارم إذ إن الخيارات كانت محددة من وجهة نظره، والتى أثبت الواقع صحتها أمام نظام "مبارك أو المرشد"، وقد نتفق أو نختلف مع توجه الدكتور رفعت السعيد فى "أن ما تراكم تاريخيا لن يزال إلا تاريخيا"، إلا أن الواقع أيضًا قد أثبت صحة ما انتهى إليه، فبعد أكثر من حراك جماهيرى يطلق عليه لم يستطع ثوار المقاهى إنشاء حزب ثورى أو وضع مجرد ملامح لبرنامج ثورى؛ لأنه انطلاقًا من مقولة الدكتور رفعت السعيد، فنحن شعب يطلق على ثورة "عرابى" هوجة عرابى، نستبدل الثورة إلى فعل إبداعى بـ"الهوجة" كردة للخلف، قد يكون شعبنا معذورًا لتأميم المجال العام منذ عام 1952، لكن يبقى المحزن أن من يوجهون سهام انحطاطهم الأخلاقى تجاه الدكتور رفعت السعيد ليس بينهم من يعلم عدد ملفاته، وليس بينهم من قرأ له كتابًا واحدًا، وليس بينهم من فهم صفحة واحدة من كتاب قرأه له، وفى ذات الوقت فإن مناضلى المقاهى الذين لا يوجد فى تاريخهم ما يتباهون به سوى اتصالاتهم السرية بالأمن يتجاهلون تضحيات الرجال فى سجون ومعتقلات مصر المحروسة وسنوات الهروب من قبضة السجان والقتل المعنوى الحقيقى الذى عاشه لسنوات طويلة من عمره ومحاولات القتل المادية التى التى استهدفته، لكن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أننا خسرنا مناضلا جسورا وإنسانا نبيلا، وخسر حزب التجمع أحد أهم أعمدته وكما يقول البدو: عمود الخيمة التي تحملها وتسندها وتقويها ضد أي خطر.
وخسرت أنا شخصيا أبًا بكل معاني الأبوة والسند والدعم، كان لي قدوة وسندًا في كل المواقف التي مررت بها من حلوها ومرها.
علمني الكثير، وكان صبورا يسمع لي ويحاورني، ويصحّح لي أخطائي، ويختار لي الكتب التي أقرأها. 
لم أشعر باليتم بعد وفاة أبي بوجودك يا أبي الحنون، اليوم شعرت بأنني بدون سند ولا ناصح، اليوم فقدت الكثير من الحنان..
أستودعك الله وأدعوه أن يكافئك بما فعلت من أجل الوطن ومن أجل من أحبوك..
الآن استرح أيها الفارس النبيل.