السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

3 محاور رئيسية في استراتيجية ترامب بأفغانستان

ترامب
ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خالف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حدسه الذي كان يقضي بالانسحاب من أفغانستان، بل كان طوال فترة حملته الانتخابية، يوجه انتقادات لاذعة لإدارة أوباما السابقة المتورطة في المستنقع الأفغاني، لكنه بعدما بات هو سيد القرار في البيت الأبيض، تعامل مع الواقع ورضخ لتعقيدات الملف الأفغاني، مستندًا في ذلك على رؤى مستشاريه في الأمن القومي بضرورة تعزيز القدرة العسكرية الأمريكية في أفغانستان لمنع حركة طالبان من الإطاحة بحكومة كابول.
تضمنت معالم استراتيجية ترامب الجديدة تجاه أفغانستان محاور ثلاثة هي: المحور الأول: تعزيز التواجد الأمريكي في كابول لمواجهة طموحات حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان وسحق تنظيم القاعدة وتعقب الإرهابيين والقضاء عليهم.
ويتطلب تعزيز الانتشار العسكري الأمريكي في أفغانستان، الدفع بقوات أمريكية جديدة تضاف إلى القوة الموجودة في كابول، وكان من المتوقع أن يعلن ترامب عن زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان بنحو أربعة آلاف جندي، غير أنه قال إنه لن "يتحدث عن أعداد القوات أو خطط حول المزيد من الأنشطة العسكرية" ولم يحدد سقفا زمنيا لزيادة القوات او فترة مهامها، علمًا بأن ما يزيد على ثمانية ألاف وأربعمائة جندي أمريكي ينتشرون حاليًا في أفغانستان تحت مسميات مختلفة، بالإضافة إلى أربعة آلاف جندي متعددي الجنسية تابعين لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يخوضون حربا دخلتها الولايات المتحدة في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001.
وفي نفس الوقت زاوجت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان بين سياسة العصا والجزرة، فقد حرص ترامب في استراتيجيته على فتح الطريق أمام إجراء حوار مع بعض من عناصر حركة طالبان بالقول "في وقت من الأوقات، وبعد جهد عسكري ناجح، ربما يكون من الممكن إيجاد حل سياسي يشمل جزءا من طالبان أفغانستان".
وأكد وزير الخارجية ريكس تيلرسون على ذات الأسلوب قائلًا: "إن الولايات المتحدة مستعدة لدعم محادثات سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بلا شروط مسبقة".
غير أن ترامب أضفي على استراتيجيته الجديدة في أفغانستان بعدًا اقتصاديًا وهو حساب تكلفة تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في كابول، ففي الوقت الذي تعهد فيه ترامب بأن تواصل الولايات المتحدة مساندة الحكومة الأفغانية، شدد على أن التزام واشنطن تجاه كابول "لن يكون شيكا على بياض".
المحور الثاني في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان هو دفع باكستان لتحمل المسؤولية في المشاركة في تحقيق أمن واستقرار كابول، إذ اتهم ترامب باكستان بأنها توفر ملاذا آمنا للإرهابيين، كما تحولت إلى قاعدة خلفية لحركة طالبان. وقال "إن باكستان ستكسب الكثير إن تعاونت مع جهودنا في أفغانستان..وستخسر كثيرا إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين"، مشددًا على ضرورة تغيير باكستان لسياستها في كابول.
كانت وزارة الدفاع الأمريكية قد علقت الشهر الماضي مساعدات عسكرية بقيمة 50 مليون دولار لباكستان، معتبرة أن إسلام أباد لا تبذل جهودا كافية لمكافحة شبكة "حقاني" المتحالفة مع حركة طالبان الأفغانية.
أما المحور الثالث: هو جنوب آسيا، بما يضم من الدول ذات الأهمية في علاقاتها مع واشنطن ومنها الهند وتعزيز المصالح الاقتصادية الأمريكية في هذه المنطقة.إذ تضمنت الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان جانبًا اقتصاديًا مهمًا، وهو البحث عن الثروات الطبيعية في كابول، وكانت مجلة "فورين بوليسي" قد نشرت تقريرًا مؤخرًا أشارت فيه إلى اهتمام ترامب بالثروات الطبيعية في أفغانستان، متحدثة عن معادن تقدر قيمتها بمئات مليارات الدولارات وعن اجتماعات متفرقة عقدها ترامب منذ أشهر مع شركات تنقيب.
وقد يفسر حجم هذه الثروات تفضيل ترامب بقاء المدى الزمني لانتشار القوات الأمريكية في أفغانستان مفتوحًا؛ إذ أن الاستثمار في هذه الثروات يتطلب عشرات السنوات مع تأمين حماية للشركات المنقبة.
كانت إدارة الرئيس السابق أوباما، في 2010، أول من تحدثت عن ثروات معدنية غير مستثمرة في أفغانستان، وقدرت قيمتها آنذاك بتريليون دولار. وتعد الشركات الصينية والهندية من ابرز المستثمرين في هذه الثروات، ما يفسر موقف واشنطن واعتبار الاستراتيجية الأفغانية جزءًا لا يتجزأ من المصالح في جنوب آسيا قاطبة.
ردود الأفعال الإقليمية والدولية
عقب خطاب ترامب الذي حدد فيه الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، تسارعت ردود الأفعال الإقليمية والدولية، حيث رحب الرئيس الأفغاني، أشرف غني، بالخطة الأمريكية الجديدة معتبرا أنها تمثل "تأكيدا لدعم جهودنا لتحقيق الاعتماد على الذات ومن أجل كفاحنا المشترك لتخليص المنطقة من تهديد الإرهاب".
كما أكد الرئيس الأفغاني ضرورة أن تعنى الاستراتيجية الجديدة بتعزيز القوة الجوية الأفغانية، ومضاعفة حجم القوات الخاصة، وتوسيع قدرة حلف الناتو على التدريب وتقديم المساعدة.
من جانب آخر، أشاد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يانس ستولتنبرج "بالمقاربة الجديدة" التي أعلنها الرئيس ترامب في خطابه، مؤكدا أن الحلف لن يسمح أبدا بأن تصبح أفغانستان مجددا "ملاذا للإرهابيين". مشيرًا إلى أن حلف الأطلسي نشر 12 ألف جندي في أفغانستان كما تعهدت 15 دولة بإرسال المزيد إلى هناك.
خلاصة وتقييم
يمكن القول إن استراتيجية الولايات المتحدة في أفغانستان في الستة عشرة سنة الماضية انقسمت إلى مرحلتين: الأولى كانت سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان في فترة تولي بوش للرئاسة، والثانية استراتيجية أوباما الديمقراطية في أفغانستان.
وخلال السنوات الستة عشر، لم تفلح القوات الأمريكية والأطلسية التي تشاركها الحرب في أفغانستان في استئصال المقاومة الأفغانية، المتمثلة بالدرجة الأولى في حركة طالبان، التي أقصيت عن الحكم سنة 2001 بحكم التدخل الأمريكي.
وباءت كل الخيارات الأمريكية لاستقرار أفغانستان بالفشل، فلم تنفعها الهند التي أدخلتها إلى أفغانستان على صعيد وقف ما تسميه أمريكا بالتمرد، ولم تتقدم جهود المصالحة مع حركة طالبان، لذلك فإن وضع أمريكا في أفغانستان يبدو صعبًا بعد 16 عامًا، فحركة طالبان تتحرك بحرية كبيرة في مناطق واسعة من أفغانستان، ولا تملك حكومة كابول أي نفوذ عليها، وتشن الحركة هجمات في معظم المناطق الأفغانية.
وتأسيسًا على ذلك، فإن الخيار الذي يرجح أن تسلكه إدارة ترامب هو انكفاء الجيش الأمريكي إلى القواعد العسكرية في أفغانستان للحفاظ على حكومة كابول ومنع انهيارها، مع دفع كبير لباكستان وإعادتها إلى أفغانستان بعد إفلاس الهند، كل ذلك لإقناع حركة طالبان بالاندماج في النظام السياسي الأفغاني.
وفي كل الأحوال، فإن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان قد يكون من تطلعاتها وطموحاتها التقليل من تكاليف الحرب في أفغانستان، عبر تحويل التواجد الأمريكي إلى قواعد عسكرية تتحرك عند الخطر، فتكون أشبه بقواعدها في منطقة الخليج، بالإضافة إلى مساعدة وإشراك باكستان من أجل فتح الخطوط الدبلوماسية مع حركة طالبان لبناء الثقة حتى تقبل طالبان بالشروط الأمريكية عبر البوابة الباكستانية.