الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

انفصال كردستان عن العراق.. الأزمة في الثقافة

 اقليم كردستان العراق
اقليم كردستان العراق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار الإعلان عن استفتاء مزمع في إقليم كردستان العراق يوم الخامس والعشرين من شهر سبتمبر المقبل حول إمكانية الانفصال عن العراق جدلا ثقافيا تجلى في العديد من الأطروحات والآراء والتعليقات بالصحف ووسائل الإعلام المختلفة وسط حالة من القلق حيال انعكاسات هذا التطور على مجمل الأوضاع في العالم العربي.
والأكراد وإن اختلفوا عرقيا عن العرب فهم تاريخيا وثقافيا وحضاريا في "حالة توأمة مع الأمة العربية" ومكون أصيل في العالم الإسلامي ولا حاجة لاستدعاء نموذج البطل صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين ومحرر القدس وهو كردي الأصل.
وبلد مثل مصر عرفت أسماء مبدعة في مجالات عديدة من بينها الفكر والكتابة والفن تنحدر من أصول كردية مثل أمير الشعراء أحمد شوقي وعملاق الفكر عباس محمود العقاد والمفكر قاسم أمين والفنانة الراحلة سعاد حسني واختها المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة.
ويوجد أغلب الأكراد الذين ينظر إليهم على أنهم أكبر مجموعة عرقية في العالم من دون دولة مستقلة في تركيا والعراق وسوريا وإيران، فيما لم يحصلوا على منطقة حكم ذاتي معترفا بها سوى في العراق فيما أبدى الكثير من المثقفين سواء في مصر أو العالم العربي ككل شعورا واضحا بالقلق تحسبا من أن يكون إعلان مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق عن إجراء استفتاء بشأن الانفصال عن العراق سبيلا لإشعال نيران فتن عرقية في المنطقة.
وإذا كان العديد من المثقفين في مصر والعالم العربي يناوئون التعصب المذهبي باعتباره سلاحا يستخدمه أعداء الأمة لتفجير الدول والأوطان فإن الحقيقة ذاتها تنطبق على مواقف الكثير منهم حيال التقسيمات العرقية والطائفية التي يفضي تكريسها للتباغض والتقسيم والتشظي وتتعارض مع مفاهيم الدولة الوطنية الحديثة.
أعادت الدكتورة نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة للأذهان أن "تكوين الدولة القومية يمثل حلما لا يفارق الأكراد على مدى التاريخ" فإنها رأت في سياق تعليقها على الاستفتاء المزمع في كردستان العراق أن "سياسة التهديد بالانفصال غير مجدية فلا الخارج يدعمها ولا حتى الداخل الكردي مهيأ لها". 
وفي تعليق على الجدل المحتدم حول الإعداد لانتخابات على أكثر من مستوى في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقواته في شمال سوريا والتي ذكر هذا الحزب إنها ترمي لحكم ذاتي للأكراد وليس انفصالهم عن سوريا رأى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور وحيد عبد المجيد ان "الاتجاه السائد يهاجم هذه الخطوة دون ان يناقش أبعادها ويعيد انتاج الاتهامات التي توجه عادة إلى الكرد حين يعبرون عن حقهم في المحافظة على هويتهم".
واعتبر عبدالمجيد أنه لا توجد صلة بين الانتخابات التي يجري الإعداد لها في شمال سوريا واستفتاء تقرير المصير المزمع إجراؤه في كردستان العراق مضيفا أن "تعديل زاوية النظر قد يمكننا من أن نرى في الانتخابات الكردية خطوة نحو حل الأزمة السورية وليس نحو التقسيم".
واستطرد قائلا:"غير أنه لكي تكون كذلك ينبغي أن تتدخل القوى الدولية التي تدعم حزب الاتحاد الكردي لضمان إعادة السكان العرب الذين تم تهجيرهم من هذه المناطق في شمال سوريا ومن ثم اختبار صدقية خطابه الذي يؤكد أنه يسعى إلى حكم ذاتي وليس إلى الانفصال".
وفيما توعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس "الثلاثاء" بإحباط أي محاولة لإقامة دولة كردية في شمال سوريا وذلك بعد يوم واحد من تلويحه "بعملية مشتركة مع ايران ضد المقاتلين الأكراد" كان الكاتب والمعلق في جريدة الأهرام الدكتور عمرو عبد السميع قد رصد تناقضات وانتهازية مواقف نظام أردوغان حيال المسألة الكردية في العراق.
وإذا رأى أن الاستفتاء الكردي في العراق على الاستقلال كان يقرر أمرا واقعا منذ الدستور الذي جاء بعد غزو العراق عام 2003 اعتبر عمرو عبد السميع ان منطقة كركوك الغنية بالنفط "سوف تكون نقطة الصراع الأساسية إذا مانجح الأكراد في تحقيق استقلال إقليمهم".
وإذ حذر وزير الخارجية التركي مولود أوغلو من أن الاستفتاء المزمع يوم الخامس والعشرين من شهر سبتمبر المقبل في إقليم كردستان العراق قد يؤدي إلى حرب أهلية فمن دواعي الإنصاف الاعتراف بأن الأكراد في تركيا عانوا من القمع في ظل نظام اردوغان كما تعرضت حقوقهم الثقافية لاعتداءات ممنهجة وغير مبررة كما ازدادت المعاناة الكردية جراء تصاعد "الظاهرة الداعشية المتطرفة".
والسينما سواء على مستوى الأفلام الروائية أو الوثائقية تعبر عن ثقافة أصيلة لمكون من المكونات السكانية في منطقة الشرق الأوسط بقدر ما تبوح بعذابات الأكراد ومعاناتهم جراء الممارسات القمعية لنظام يخاصم الديمقراطية وأن تشدق بشعاراتها مثل نظام رجب طيب أردوغان في تركيا.
واذا كانت السينما من أهم وسائط الثقافة وطرح أفكار ومفاهيم وقيم منذ عرض أول فيلم للأخوين لومير عام 1895 فإن السينما الكردية تأثرت دون شك بواقع الأكراد في تركيا وإيران والعراق وسوريا وسعت للتعبير عبر عشرات الأفلام عن المعاناة التاريخية للأكراد.
وتمكن بعض السينمائيين الأكراد من الفوز بجوائز في مهرجانات سينمائية عالمية ومن الأسماء الهامة للمخرجين السينمائيين الأكراد هونر سليم وبهمن قباذي وشوكت أمين كركي وهشام زمان وإلا داك وبابك أميني فيما أقيمت مهرجانات للسينما الكردية في بريطانيا والمانيا والولايات المتحدة.
ومن الأفلام الكردية الشهيرة: "عبور الغبار" وبلاد الثلج" و"وادي الدفوف" و"بطاقة باص" و"جان" و"هكذا ولدت" و"تحت سقف باريس" وكلها تعبر عن الخصوصية الثقافية للأكراد ومعاناتهم في شتات العالم كما أنها تكشف عن تطور ملموس على المستوى التقني السينمائي واشكال التعبير الفني والجمالي.
وتتجلى "ثقافة الأسوار الفاصلة والجدران العازلة" في ممارسات السلطات التركية ضد الأكراد سواء داخل تركيا أو في المحيط الاقليمي وخاصة في سوريا وعلى نحو مثير للأسى والأسف خاصة مع تناقض هذه الممارسات مع الشعارات التي يرفعها نظام رجب طيب أردوغان.
وللتاريخ الثقافي أن يتوقف طويلا أمام ما فعله ويفعله نظام أردوغان ضمن سياسات الجدران العازلة والأسوار الفاصلة وأشهرها في الذاكرة العالمية سور برلين الذي كتب سقوطه في نهاية ثمانينيات القرن العشرين تاريخا جديدا للعالم ونهاية للحرب الباردة بين الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والشرق السلطوي المتدثر بشعارات اشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق.
و"الجدران العازلة" تدخل بامتياز في صميم السياسات القمعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ولعلها المفارقة أو الفارق الكبير بين "السياسات المعلنة والسياسات الفعلية" أن يتبنى نظام اردوغان سياسة الجدران العازلة والأسوار الفاصلة!.
بالفعل هي مفارقة من مفارقات المرحلة الملتبسة التي حارت فيها بعض الأذهان جراء الخلط مابين السياسات المعلنة والسياسات الفعلية وهاهي كلمات احتفظ بها القاموس السياسي-الثقافي الاسرائيلي وخاصة اليمين المتشدد مثل "الأسوار والجدران والأسلاك الشائكة والحواجز ونقاط التفتيش والمعابر" تنتقل بصورة لافتة للقاموس السياسي-الثقافي التركي جراء ممارسات نظام اردوغان مع الأكراد رغم كل ادعاءات الرئيس التركي حول الحرية والعدالة والحق.
إنها حيل "التعابير القدسية التي تستغل البراءة مخلوعة عن مضامينها اللغوية ومعزولة عن ظروفها وسياقاتها التاريخية والثقافية الحقة ومن ثم فهي تسقط عند اول اختبار موضوعي عندما تتجرد من اقنعتها فلا يبقى سوى القمع والقبضة الحديدية والشراسة اللامحدودة مع اعلاء الأسوار الفاصلة وتشييد الجدران العازلة ضمن الخيارات البائسة "!.
وكان الكاتب والمحلل السياسي الدكتور محمد السعيد ادريس قد قارن بين الموقف الاسرائيلي الداعم لحق الأكراد في تقرير المصير مقابل انكار هذا الحق على الفلسطينيين.
وقال إدريس عندما تنتفض االنخبة السياسية الحاكمة والمثقفة والاعلام في اسرائيل دعما لحق الشعب الكردي في تقرير المصير ومساندة مسعى السلطة الكردية الحاكمة في إقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء شعبي حول استقلال الإقليم عن العراق وأيضا مسعى أكراد سوريا لتأسيس اقليم حكم ذاتي "فان هذا الموقف لايفضح فقط المخطط الإسرائيلي لاعادة تقسيم وتفتيت الدول العربية الى دويلات وكيانات هشة عرقية ودينية وطائفية ولكنه يضع هذا الكيان وقياداته أمام المحاسبة القوية على كل الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".
وأضاف:قد يتفق البعض او يختلفون حول المسعى الكردي للانفصال عن العراق ومسعى إكراد سوريا ايضا "لكن الأمر الذي لايمكن الاختلاف حوله هو حقوق الشعب الفلسطيني وبالذات حقه في تقرير المصير" فيما لاحظ أن الإسرائيليين يركزون على حقوق الأكراد في العراق وسوريا ولايتحدثون عن حقوقهم في إيران وتركيا.
ورأى الدكتور محمد السعيد ادريس أن المسعى الكردي هدفه "إقامة دولة قائمة افتراضا على النقاء العنصري" وهذا أمر مذموم الآن فالدول تقوم على التعددية والتعايش وليست هناك دولة في العالم تقوم على النقاء العنصري.
وكانت الدكتورة نيفين مسعد قد رأت أن الاختلاف مبدئي بين أوضاع الأكراد في العراق وبين الفلسطينيين فبينما يتمتع الأكراد في العراق بمنصب رئيس الدولة منذ عام 2006 ويشاركون بفعالية في الحكومة والبرلمان كما يتمتعون باقليم فيدرالي له صلاحيات بالغة الاتساع فان الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي يعانون من كل صنوف القمع والتمييز والتنكيل.
وينعكس هذا الاختلاف المبدئي-كما توضح الدكتورة نيفين مسعد-على موقف القانون الدولي فوضع الأكراد يحكمه اعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى إقليات الصادر عن الأمم المتحدة عام 1992 بينما وضع الفلسطينيين تحكمه العشرات من قرارات المنظمة الدولية بإدانة الاستيطان والعنصرية.
وفيما أشار الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة إلى أن "اردوغان لايزال يعيش اساطير الدولة العثمانية" فقد لفت الى ان هناك "على الحدود التركية وداخل الوطن تاريخ طويل من الصراع على أحلام الأكراد التي لم تتراجع".
وإذا كانت حكومة إقليم كردستان العراق لم تغلق الأبواب في وجوه الأكراد الفارين من جحيم الحرب في سوريا فان نظام رجب طيب أردوغان لم يكتف باغلاق الأبواب وانما قرر اقامة الأسوار العالية والجدران العازلة على الحدود مع سوريا لمنع دخول هؤلاء الأكراد أراضي تركيا.
ويبدو أن الحل كما يراه العديد من المثقفين العرب يكمن في تبني دول المنطقة التي يتوزع بها الأكراد لنموذج "الدولة الديمقراطية العادلة" التي ينعم كل مواطنيها بكامل حقوق المواطنة دون أدنى تفرقة على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية وبما يسمح بتحول الاختلافات العرقية أو الدينية والمذهبية إلى مصدر للتنوع الثقافي الذي يثري المنطقة في إطار وحدة اراضي كل دولة من دولها وسلامة ترابها الوطني.
وغني عن البيان القول إن الهوية الوطنية هي التي تشكل الخريطة الإقليمية وأساس العلاقات الإقليمية والدولية ومن ثم فإن الدولة الوطنية مدعوة بإلحاح لتبني نموذج الدولة الجامعة والحاضنة لكل مكوناتها السكانية على أساس المساواة بين الجميع وحماية التنوع الثقافي والاجتماعي كمنهجية للتعامل في أوجه الحياة اليومية بلا تفرقة بين المواطنين..أن منطقتنا التي عانت الكثير من الجرح في السنوات الأخيرة ليست بجاجة لمزيد من الفتن وليس قدرها أن تكون الجراح طريقها الأبدي !.