الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

بالصور.. التراث الثقافي بحلوان مهدد بالاندثار

التراث الثقافى بحلوان
التراث الثقافى بحلوان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوجه بحري وسيناء أن اسم حلوان أطلق علـى مدينتين إحداهما قـديمة اختطـها عبد العزيز بن مـروان فى عام (70هـ/ 689م) ويطلق عليها حاليًا اسم حلوان البلد، والثانية حديثة اختطها الخديو إسماعيل سنة (1291هـ/1874م) في باطن الجبل بالجهة الشرقية، من حلوان البلد وتبعد عنها بحوالي ثلاثة كيلو مترات ويطلق عليها اسم حلوان الحمامات.
وشيدت بحلوان فى عهد عبد العزيز بن مروان كنيسة حينما استأذنه القديس إسحاق ببنائها فأذن له وشيدت كنيسة أخرى كانت تسمى بكنيسة الفراشين وكان سبب تشييدها هى تلك العلاقة القوية التي كانت تربط البابا سـيمون سنة (73 هـ/ 692م) بعبد العزيز بن مروان وذلك طبقًا لما جاء فى الدراسة الأثرية للآثار الباقية فى مدينة حلوان من القرن التاسع عشر والذى تم نشرها فى كتاب للدكتور عبد المنصف سـالم حسن نجـم أستاذ الآثار بقسم الآثار والحضارة بكلية الآداب جامعة حلوان ونقدم عرضًا لمضمون هذا الكتاب لقراء منبر الحضارة.

حلوان مدينة الاستشفاء
ويعرض ريحان معالم هذه الدراسة في تصريح لــ"البوابة نيوز" اليوم، موضحًا أن عباس حلمي الأول (1265- 1271هـ/ 1848ـ 1854م) أعاد اكتشاف حلوان وقد لعبت الصدفة وحدها في ذلك حيث أصيب أحد جنوده بمرض جلدي فاغتسل من مياه العيون الكبريتية فشفى وأخذ الجنود المرضى يتدافعون على العيون طلبًا للشفاء فوصـل الأمر إلى عباس باشا الأول فأمر ببناء حمامًا على هذه العيون أمّا فى عهد الخديو إسماعيل فقد شرع فى إنشاء مدينة جديدة شرق مدينة حلوان البلد وكانت البداية في 7 محرم (1285هـ / 1868م) حينما كلف محمود باشا الفلكي بعمل الاكشافات اللازمة جهة حلوان وقام الخديو أيضًا بإرسال أحمد أفندي السبكي فـي 12 محرم سنة (1285 / 1868هـ) كي يباشر تقسيم الأراضي المجاورة للحمامات وبلغت حلوان شهرة عالمية في (عام 1286هـ/ 1868م) حينما قام الخديو إسماعيل بالبحث عن عيون حلوان وعندما اكتشفها في السنة التالية شرع في بناء محلين أحدهما للمياه المعدنية والثاني لوكاندة للسائحين والمرضى وكان ذلك إيذانًا بصدور الأمر العالي بإنشاء حلوان الجديدة في باطن الجبل.
ازدهار حلوان
ويوضح أن حلوان ازدهرت فى عهد الخديو توفيق (1297- 1310هـ/ 1879 – 1892م) وقد شيد بها سراي زوجته أمينة هانم عام 1886م والتي تشغلها حاليًا المدرسة الثانوية التجارية كما أنشأ بها المسجد التوفيقي (1307هـ/ 1889م) والذي لا يزال بحالته الأصلية إلى الآن وشيدت كذلك ابنته خديجـة هانم لنفسها قصرًا (1313-1319هـ/ 1895 – 1900م) بالجهة الشرقية من هذه المدينة ومن أهم الآثار الباقية بمدينة حلوان المسجد التوفيقي 1307هـ/ 1889م وسراي أمينة هانم 1303هـ / 1886م وسراي على حيدر باشا 1307هـ/ 1890م وقصر الأميرة خديجة هانم 1314هـ/ 1897م ومبنى الفندق الكبير 1291هـ/ 1874م ومبنى الحمامات 1317هـ/ 1899م.
قصور وسرايات حلوان
وينوه ريحان لما جاء في الدراسة بأن حلوان تميزت بالقصور والسرايات حيث كانت عشية إنشائها منتجعًا للأمراء والباشوات وقد حرص الخديو إسماعيل على تشييد هذه المدينة بشكل يحاكي أحياء القاهرة الحديثة فقد قام بإنشاء سراي لوالدته خوشيار هانم 1877 وشيد قصرًا لمنصور باشا يكن زوج ابنته توحيدة هانم أمام الحمامات مباشرة والذي لا يزال يطلق اسمه على أهم شوارع وقصر رايل بك النمساوي طبيب الخديو الخاص وهو أحد الأطباء الذين ساهموا فى اكتشاف عيون حلوان الكبريتية.
وبلغت حلوان قمة ازدهارها فى عهد الخديو توفيق الذى شيد لزوجته الأميرة أمينة هانم ابنة إبراهيم إلهامي سراي عام 1886 كانت تتكون من سراي للحريم وسلامك للرجال وملحقات ومنافع للخدم ولا تزال بقايا السراي موجودة وتشغلها المدرسة الثانوية التجارية. 
ووهب الخديو للأمراء والباشوات والبكوات والعديد من الأجانب والمصريين مساحات من الأراضي لتشييد القصور والسرايات والمنازل منهم على سبيل المثال محمود باشا فهمي وعثمان باشا غالب وإسماعيل باشا عزت وأمينة هانم زوجة محمود بك توفيق ومن أهم الذين قصدوا حلوان من الأجانب وشيدوا لأنفسهم السرايات والقصور هى جزبكل هانم الجركسـية التى شيدت سراي تطل بواجهتها الشرقية على شارع حيدر وواجهتها الجنوبية على شارع محمد أحمد باشا وبواجهتها الغربية على شارع المحطة وكانت تبلغ مساحتها 1022.70م2.
ويتابع: "السيدة حورجنـان هانم الجركسية شيدت سراى لنفسها عام 1890 كانت تطل على شارع حسين كامل باشا وشارع راغب باشا وكذلك شيد صالح بك الذى كان يعمل قاضيًا بمحكمة ديوان خديوى لنفسه سراي 1890 تطل بواجهتها الشرقية على شارع المحطة والغربية على شارع منصور والشمالية على شارع الجبلاية على أن أهم القصور التى شيدت بحلوان والتى لا تزال قائمة هى سراى على حيدر باشا التي تقع عند تقاطع شارع المحطة مع شارع شريف باشا والتي شيدت 1890م ومن السرايات المهمة التي شيدت بحلوان في القرن التاسع عشر هي سراي خديجة هانم التي شيدت شرق حلوان بالقرب من المرتفع الصخري".
أحداث تاريخية بسراي أمينة هانم
ويروى ريحان أحداثًا تاريخية مرتبطة بسراي أمينة هانم رصدتها الدراسة حيث شهدت سراي أمينة هانم زوجة الخديو توفيق أحداثًا مهمة فقد اهتم الخديو توفيق كثيرًا بمدينة حلوان وكان يذهب إليها مرتين كل شهر وأمر فرقة الموسيقى الخديوية بالانتقال إليها كل يوم جمعة للعزف بها والترفيه عن السكان ولعل من أهم الأحداث التي شهدتها هذه السراي هو انتقال الخديو توفيق إليها واتخاذها مقرًا للحكم خاصة بعد احتراق سراي عابدين في 23 يوليو 1891ومكث الخديو بها فصل الشتاء من هذا العام لحين الانتهاء من ترميم سراي عابدين وقد شهدت السراي وفاة الخديو توفيق بها وكان ذلك في يناير 1892 وشهدت أيضًا زواج خديجة ابنة الخديو توفيق شقيقة عباس حلمي الثاني خديو مصر من عباس باشا ابن حليم باشا ابن محمد على باشا الكبي في يناير 1895حيث انتقل موكب الزفاف من سراي القبة إلى سراي حلوان ومنه إلى هذا القصر.
وأشار إلى أن نجم هذه السراي أفل تمامًا وفقدت بريقها حينما تحولت إلى مدرسة ثانوية للبنين سنة 1930ثم مدرسة ثانوية تجارية للبنات وقد تخربت مبانيها حاليًا وتهدمت معظم أجزائه ولم يبق منها سوى المبنى الرئيسي واختفت حدائقها وأسوارها ومشغولاتها المعدنية كما اختفت اللوكاندة التي كانت ملحقة بها ويستخدم مبنى السراي والسلاملك الآن مخزنًا لحفظ مخلفات المدرسة.

سراي حيدر باشا 1307 / 1890
وعن سراي حيدر باشا يشير ريحان إلى أن حيدر باشا تقلد العديد من المناصب منها منصب مدير القليوبية والدقهلية ثم عضوًا بمجلس استئناف الوجه البحرا ثم وكيلًا لبيت المال ثم مديرًا للبحيرة ثم مديرًا لديوان الداخلية ثم ناظرًا للمالية وكان ذلك فى الفترة من 1863 إلى 1878 وقد شيد سراي حلوان عام 1890وهي التي لا تزال قائمة إلى الآن وبحالتها الأصلية وقد سمى الشارع الذي تقع فيه هذه السراي باسم حيدر باشا نسبة إلى صاحبها وهو الشارع الذي يلي شارع المحطة من الجهة الشرقية ومساحتها 5046.55م2 تقريبًا وقد بلغ ثمن هذه الأرض حوالى 20168 قرشًا و16 نصف فضة وهى من القروش الفضة الرائجة التي ضربت بمصر إلّا أنه لم يدفع هذا الثمن لأن الخديو توفيق منحه هذه الأرض بلا مقابل وبلغت تكاليف بناء القصر 1300 جنيه مصري من الذهب النقي الذي ضرب بمصر حينذاك.

قصر الأميرة خديجة هانم 1895 – 1902
وأشارت الدراسة إلى تاريخ قصر الأميرة خديجة توفيق ابنة الخديوى محمد باشا توفيق ابن الخديوى إسماعيل ابن إبراهيم باشا ابن محمد على باشا الكبير مؤسس الأسرة العلوية التى تزوجت من الأمير عباس باشا ابن محمد عبد الحليم بن محمد على باشا الكبير وكان زواجها عام 1895 وقد أعدت سراى القبة لزفافها من هذا الأمير ثم انتقل موكب الزفاف إلى قصر حلوان عن طريق باب اللوق وذلك ليقيما فى السراى الخديوية بضعة أسابيع قبل سفرها الأسـتانة وأقامت الأميرة خديجة هانم بهذا القصر منذ بنائه 1895 – 1902 حتى قامت بإهـدائه إلى نظارة الصحة وتحول إلى مصحة للأمراض الصدرية ثم اتخذته رئاسة الحى بحلوان مقرًا لهاوهو الآن لا يزال تابعًا لها وقد صممت جميع أرضيات القصر شأنها فى ذلك شأن قصور القرن التاسع عشر بشكل مستوى مغطى بخشب الباركيه إلا أنه تم استبداله ببلاطات حديثة خاصة بعد تحويل القصر إلى مستشفى.

فندق الحمامات الكبير 1874
ويؤكد د. ريحان أن فندق الحمامات الكبير هو أول المباني التي شيدت بحلوان شيده الخديو إسماعيل على حساب الدائرة الخاصة وذلك عشية تشييده للحمامات وكان مخصصًا لنزول من يقصد الحمامات من الأمراء والباشوات والأجانب للانتفاع بالمياه المعدنية وقد تم بناؤه وافتتح رسميا في أول نوفمبر سنة 1874 وعهد إلى الدكتور هلتزيل بإدارته والإشراف عليه وقد حرص هذا الطبيب على كتابة اسمه على هذا الفندق واقترن اسم الفندق باسمه فكان يطلق عليه لوكاندة هلتزيل أو الفندق الكبير واستمر هذا الفندق منذ إنشائه يستخدم فى الغرض الذى خصص له حتى 9 مارس سنة 1926 حيث استردته الحكومة من شركة اللوكاندات التى كانت تستأجره وتسلمته نظارة المعارف فيما بعد وشغلته مدرسة حلوان الثانوية للبنات من سنة 1927 إلى الآن
ويقع هذا الفندق حاليًا بالجهة الشمالية الشرقية للحمامات عند التقاء شارع منصور مع شارع لطيف ويتشابه تخطيط هذا الفندق إلى حد كبير مع تخطيط معهد جون St. Johm's Collage فى مدينة كامبرج بإنجلترا (963هـ / 1555م) حيث كان يتكون من ثلاثة أفنية على محور واحد يصل بينها أبواب ويتشابه تخطيطه أيضًا مع تخطيط الجناح الشرقي من قصر إسماعيل صديق المفتش حيث يتكون من فنائين يفتحان على بعضهما البعض. 
ولا يزال هذا الفندق بشكله الأصلي ما عدا الواجهة الغربية الرئيسية التي أزيلت كرانيشها وطليت بطلاءات حديثة.

مبنى حمامات حلوان 1874/1899
ويوضح د. ريحان أن الدراسة ألقت الضوء على شهرة حمامات حلوان منذ القدم بعيونها الكبريتية وأول من أقام عليها حمامات في العصر الاسلامي هو عبد العزيز بن مروان الذي أعاد اكتشاف العيون الكبريتية من جديد وأقام حولها حمامات على شكل مغطس وزخرف مبانيها بالنقوش والآيات القرآنية وقد عثر على بقايا هذه الحمامات أثناء حفر العمال لأساسات الحمامات التي شيدت في عصر عباس حلمي الثاني وأهملت عيون الحمامات الذي أنشأها عبد العزيز بن مروان وظلت هكذا حتى أعاد اكتشافها عباس حلمي الأول وأمر ببناء حمامات حول هذه العيون وكانت بهيئة بناء يتكون من غرفتين يعالج بها رجال الجيش وأراد أن يبني حمامًا عامًا حول هذه الحمامات ولكنه قتل سنة 1854 قبل أن ينجزها. 
وأصدر الخديو فرمانًا ببناء منتجع حراري بحلوان وانتهى من بنائه في عام 1871 وعهد بإدارته إلى الطبيب رايل بك وقام الخديو إسماعيل بزيارة هذه الحمامات في 25 ديسمبر 1871 وأمر بإنشاء حوض كبير يملأ بالمياه الكبريتية لاستحمام الفقراء ومستشفى صغيرة وصيدلية واستراحة ينزل فيها المترددون عليها للعلاج وأمر بوضع أنابيب لتوصيل ماء النيل إلى الحمامات وإنشاء طريق الحمامات إلى النيل بطول 4كم وعمل قناة تحت الأرض لتصريف المياه الزائدة عن الحاجة من مياه الينابيع وقد قام الدكتور رايل بك بتنفيذ كل هذه الأعمال على حساب الدائرة الخاصة وتمت في عام 1872ولكى يزيد الخديو إسماعيل من أهميتها شيد بجوارها لوكاندة لنزول الزائرين
وقد اندثرت الحمامات التى شيدها الخديو إسماعيل تمامًا خاصة عندما قام عباس حلمي الثاني بإعادة تشييدها من جديد ومن خلال الصور القديمة لهذه الحمامات اتضح أنها كانت مشيدة على الطراز الأوروبي التى طغت عناصره المعمارية والفنية على عمائر القاهرة في عصر الخديو إسماعيل
وعندما تولى عباس حلمي الثاني عام 1892 وجد أن الحمامات التي شيدها جده الخديو إسماعيل قد تقادمت فأشار إليه الخواجه سوارس بإعادة بنائها فكلف الخواجه (باج ماي) المدير الطبي للحمامات بعمل التخطيطات اللازمة لها وقامت شركة سكة حديد القاهرة وحلوان بتنفيذ المشروع وكان الخواجة سوارس حينذاك يتقلد منصب مديرًا لهذه الشركة ونفذ تصميم هذه الحمامات تحت إشراف المهندس باتجللي وافتتحها عباس حلمي في ديسمبر 1899 وتولى الخواجة سوارس إدارة الحمامات الجديدة الى جانب إدارة فندق الحمام وفندق جراند أوتيل وكازينو حلوان.
ويطالب الدكتور عبد المنصف نجم أستاذ الآثار بقسم الآثار والحضارة بكلية الآداب جامعة حلوان بإنقاذ التراث المعماري المتميز والفريد بمدينة حلوان وتعاون الوزارات المختصة مع المحليات ووزارة التربية والتعليم لإخلاء هذه القصور وتسليمها للوزارات المختصة وإيجاد حلول للمشاكل الإدارية أو المالية الخاصة بملكية هذه القصور وتسجيل هذه القصور طبقًا للقانون رقم 144 لسنة 2006 والخاص بتنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري ومنع أي أعمال هدم لها ويحذر من اندثارها في حالة بقاء الوضع على ما هو عليه واستثمار هذه القصور بعد ترميمها وتطويرها وإعادة حلوان لسابق عصرها "مدينة القصور والسرايات".