الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

خطبة الجمعة.. تجديد مع وقف التنفيذ

خطبة الجمعة- صورة
خطبة الجمعة- صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن تجاهل تضاعف عدد المساجد والزوايا المسجلة رسميا فى مصر لتصل فى أقل من عقدين من الزمان إلى 115 ألف مسجد وزاوية عام «2014ـ 2015»، إضافة إلى 14 ألف مسجد «أهلية» خارج الإشراف، بحسب دراسة الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، لتصبح مدينة الألف مئذنة ذات 130 ألف مسجد معظمها خارج السيطرة.
هذه هى التوسعات الجغرافية، فكيف تكون التوسعات الفكرية من تعدد الخطابات والمنصات الإعلامية ذات التوجه الأحادى الفكر، التى تركز فى الغالب على جانب من الآخرة وتهمل الحاضر والمستقبل، بل وتهمل الوجود الإنسانى بشكل عام. نحن أمام صوت واحد هو صوت الإمام والخطيب والداعية فى مساجد مصر الرسمية والأهلية.

صوت الإمام.. صرخات منبرية بلا مضمون
«سالم»: الخطاب الدينى لا يعبر عن قضايا التنمية والمجتمع.. و«شعراوى»: «الرأسمالية الإسلامية» قطعت الحداثة والتنمية
استضاف مركز «دال» للأبحاث والإنتاج الإعلامي، الأحد 20 أغسطس الجاري، قراء كتاب «صوت الإمام.. الخطاب الدينى من السياق إلى التلقي»، للدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع، وبحضور حلمى شعراوى مدير مركز البحوث العربية والإفريقية، والدكتور أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية.
يطرح الكتاب جملة من القضايا والتساؤلات والإشكاليات حول قضايا الخطاب الديني، فى محاولة للوصول إلى تصور نظرى ورؤية متكاملة بشأن المفهوم، مثل: «كيف يذاع هذا الخطاب عبر النخب الدينية والمساجد الأهلية والرسمية؟ وكيف تُصنع هذه النخب؟ وما خصائصها وكيف ينتقل خطابها عبر المنصات الخطابية المختلفة من منابر وفضائيات وإذاعات؟ وكيف يتداول الخطاب بين الناس؟ وكيف يُفهم؟ وكيف يتم تأويله فى الحياة اليومية؟».
ومن أسئلة الكتاب أيضا «هل يستقبل الخطاب الدينى على وتيرة واحدة أم بطرق وأساليب مختلفة؟ وإذا كان تجديده ضرورة مُلحة فهل يكفى تغيير موضوعاته وطريقة طرحها أم يتطلب الأمر ما هو أبعد من ذلك؟ وهل يمكن تجديد الخطاب الدينى دون تفكيك التراث والتاريخ ودون فهم للعلاقات المتشابكة للدين مع بناء الدولة الوطنية؟».
تجديد الخطاب الدينى
تحدث فى بداية الندوة الدكتور أحمد سالم، أستاذ الفلسفة بـكلية الآداب جامعة طنطا، قائلا: «أنهيت قراءة كتاب «أحمد زايد» الأخير «صوت الإمام» الصادر عن دار العين، وهو عن تجديد الخطاب الدينى والذى يمثل درة أعمال الكاتب الذى كتبه بقلبه قبل أن يسطره بقلمه، وعايش فيه قضيته معايشة كاملة، وتحدث بجرأة ودون حسابات فى قضية شائكة».
تمثل قضية الداعية والإمام والخطيب قمة نضوج «زايد» فى كتابه الذى تكون من ٨ فصول كاملة جمعت بين التأسيس النظرى والدراسة الميدانية.
وأضاف «سالم» فى كلمته عن قضية الخطاب الديني: جمع أحمد زايد بين التحليل الكمى والكيفي، ضافر فيه بين الدينى من ناحية والسياسى والثقافى من ناحية أخرى، فى رؤية مكتملة لعالم اجتماع قدير، وقدم للمفاهيم والنظريات المؤسسة لمعالجة القضية فى البداية، وعالج باقتدار تجلى المقدس فى الدنيوى وسياق تخلق الخطاب الديني، والأطر الحاكمة فى هذا الخطاب، والمنصات الإعلامية التى يتجلى فيها هذا الخطاب.
وكشف بالشرح الدراسة الميدانية التى قدمها «زايد» ومدى تعلق الخطاب الدينى بالبعد الآخر بنسبة ٧٧٪، والاهتمام بالبعد الدنيوى لنسبة ٢٣٪ والانقطاع الواضح للخطاب الدينى عن قضايا التنمية تماما.
وتابع: تمثل الدراسة عن وضعية الإمام والخطيب بشكل خاص والخطاب الدينى بشكل عام درة حقيقية فى معالجة موضوعة، وهو مفيد لأهل الاختصاص وصناع القرار والقائمين على إدارة المؤسسات الدينية، إذا أرادوا أن يعيدوا تقديم صورة تقدمية عن الإسلام، وهو مفيد جدا للباحثين فى مجالات العلوم الاجتماعية والدينية، ولذا ندعو كل طلاب والباحثين والزملاء إلى اقتناء هذا الكتاب وقراءته.
ويستكمل «سالم» فى مناقشته لكتاب «صوت الإمام.. الخطاب الدينى من السياق إلى التلقي» فيعرض المعالجة النظرية لموضوع الدراسة، ويبدأ من النظريات الكلاسيكية، ثم يتتبعها فى النظريات الحديثة، حتى التوجهات النظرية المعاصرة، فيبدأ بالنظرة الوظيفية للدين عند «دوركايم» وتطورها عند الوظيفيين المحدثين، ويناقش دور الدين بين تماسك المجتمع وضمائر الأفراد، ثم يبحث عن الدور التغييرى أو التحديثى للدين، وجدل العلاقة بين الدين والرأسمالية، فيبدأ بأفكار «ماكس فيبر»، ويؤكد أن أطروحاته أدت إلى أن تتحول قضية الدور التغييرى للدين إلى قضية محورية فى درس العلاقة بين الدين والتنمية.
وينتقل «زايد» بحسب وصف «سالم» إلى بحث توجه نظرى جديد يناقش من خلاله جدل الدين والعلمانية والدولة، فيبدأ من أفكار «ماركس»، الذى فهم الدين بوصفه الأداة التى يعبر بها المقهورون عن قهرهم، كما قال «ماركس» حرفيا عن الدين بأنه «قلب عالم لا قلب له وروح ظروف لا روح لها، إنه أفيون الشعوب».
ويتتبع تطور وامتداد أفكار ماركس حول الدين عند المدرسة النقدية بداية من ماكس «هوركهايمر» ومرورا بـ«هربرت ماركيوز» حتى «هابرماس»، فقد ذهب الأخير إلى أن العقلانية والتكنولوجيا والنزعة العلمية كانت لها تأثيرات سلبية على المعتقدات الدينية وعلى الممارسات التقليدية.
وينتقل «زايد» لموقف نظرى رابع يرى الدين باعتباره مظلة مقدسة من المعانى والرموز، فيتعمق فى الفهم «الفينومينولوجي» و«الهرمنيوطيقى» التأويلى للدين.
تأثير التوجه التجارى فى الدعاة اليوم
انتقل الحديث إلى حلمى شعراوي، مدير مركز البحوث العربية والإفريقية، الذى بدا عليه التفاعل الشديد مع ما طرحه عالم الاجتماع الدكتور أحمد زايد، قائلا: نحن أمام توفر منصات خطابية تتسم بالكثرة وتعتبر مجالا تعليميا جديدا تدرب الدعاة والخطباء والمفتين والمتطوعين من النساء والشباب على المستويين الرسمى وغير الرسمي، إضافة إلى ما ذكره «زايد» فى دراسته المهمة عن الفضائيات وتجمعات المنازل وجاذبيتها وأشكال التجارة الصغيرة ومعارض الكتب وما إلى ذلك، وهنا تثور المسألة حول «ما هو نوع الخطاب الموجه والصادر عن كل هؤلاء فيما يسمى بالخطاب الدينى الذى بنى ويبنى الاستقلالية».
ويشرح «شعراوي» الإحصائيات التى قدمها «زايد» فى دراسته، فقام بعمل ميدانى لمدة طويلة لتحليل خطب المساجد وأحاديث الدعاة وغيرها، مقسما إياها إلى توجه أخرى وآخر دنيوي، ومعظمها تتجه إلى التأثيم والتحريم فى إطار كهنوتى واضح، يقضى فيه على تصور آخر لدى العوام من الناس لينفرد طاقم الإفتاء بالرأي، محذرين الناس من الخروج من إجماعهم لأن العلماء ورثة الأنبياء.
ويضيف: «هؤلاء الدعاة والخطباء يؤسسون لقاعدة الخوف من عذاب القبر واليوم الآخر، وعلى حد قول الكاتب، خوفا على الإسلام أو الأزهر والمرأة وهجوم الحضارة الغربية، ليصبح الشباب المقصى عن الدنيا بهذا الشكل هو المؤهل عمليا للتطرف والانحراف والانجرار إلى العنف والتكفير».
ويشير «شعراوي» إلى موضوع تأثير التوجه التجارى والريعى أو ما أطلق عليه «الرأسمالية الإسلامية»، وهو ما اعتبره قطع على التطور العربى طريق الحداثة والتنمية، وهذا الموضوع يبتعد عنه كثير من مثقفينا والمدنيين ودعاة الديمقراطية فهم غير راغبين فى الحديث عنه كثيرا فى عصر الانفتاح والعولمة حتى خرج إليهم فكر العصر الدينى الجديد وظهر التكفير واعتبره البعض بمثابة وجهة نظر فى الديانات الراسخة الأخرى.

شباب: نحتاج مخاطبة العقول وتوصيل المفاهيم الصحيحة
شباب فى عقدهم الثالث، خطبة الجمعة كانت أول من تحدثوا فيه عن موضوع التجديد فى الدين، مخاطبة العقول من أولوياتهم لخروج الناس من الجهل الدينى الذى طغى عليهم، مؤكدين أنه يجب الاهتمام بالخطبة التى كانت فى يوم من الأيام أولى أولويات اليونانيين، وأصبحت فى التراث العربى فنًا يحتذى به على مر العصور، ويجب على الخطيب أن يتحدث عن أساسيات الدين الحنيف وأخلاقياته.
تحدثوا عن أمور مهمة يجب توافرها فى خطبة الجمعة وإمامها، فالشاب محمود قمصان، محاسب يبلغ من العمر ٢٥ عامًا، يقول لـ«البوابة»: «إن أغلب الآراء تؤكد أن خطباء الجمعة، وأئمة الأوقاف ملتزمون بخطبة موحدة، وهذا الأمر غير جيد على الإطلاق، ولا ينبغى أن نضع الخطب ويختار منها الإمام ما يشاء، بالإضافة إلى أنه يجب أن ترتبط خطبة الجمعة بحال المسلمين؛ لأن ما يحتاجه الشباب اليوم هو أن تكون خطبة الجمعة خطبة توعوية نحاول من خلالها تقليل جهل العوام تجاه الدين».
وأوضح «محمود» أن الناس فى العموم أو الملتزمين يحصرون الدين فى العبادات فقط، ولكن من أهم الأشياء التى تفرق بين المسلمين والديانات الأخرى هى المعاملة والأخلاق، الأمر الذى يمكن أن يختص بتجديد الدين من الناحية الفكرية.
ولفت إلى أنه يجب أن يتحدث الخطيب عن أساسيات الإسلام وأخلاقياته، والحديث عما يخص المسلم كالتعريف بالسيرة النبوية وبعلامات يوم القيامة والحديث عنهما بشكل مفصل، وأخذ العبر منهما، ولا يجب أن يكون الحديث منهما مجرد حكايات تروى فقط، بل الدروس المستفادة عنهما، فهى ليست مجرد قصة فقط، موضحًا أن خطبة الجمعة فى الماضى كانت تقوم على أساسيات الحياة وكانت بمثابة اجتماع مهم للمسلمين، وقد ذكرت فى القرآن وهذا يدل على أنه أمر مهم للغاية.
وعما يحتاجه الشباب، تطرق إلى أنه يجب على خطيب الجمعة أن يعرف الشباب بالله حق معرفته، ويحثهم على حبهم له، والخوف والرجاء وطلب العون منه، والدعاء له، بالإضافة إلى ضرورة تعليمهم كيفية أدب الكلام مع الله، مؤكدًا أن خطباء اليوم إذا تطرقوا فى خطبهم إلى الأخلاق والدروس المستفادة من حياة الرسول، والتفسير وتعليم الناس إياه لأصبحت الخطبة أكثر تأثيرًا فى المجتمع.
شروط صعود المنبر
عبدالرحمن مصباح، الذى يبلغ من العمر ٢٦ عامًا، أوضح أن الخطباء يجب أن يعرفوا الناس العقيدة الصحيحة، التى تبنى الأخلاق التى يجب توافرها فى المسلمين، ويأتى بعدها التعريف بقصص الصحابة والتابعين، التى ينجذب إليها الشباب.
وقال «عبدالرحمن» لـ«البوابة» إنه يجب وضع شروط لمن يصعدون على المنابر، إضافة إلى أنه يجب أن يلم بالدروس الشرعية جميعها، كى يقوم بتوصيل المفاهيم الصحيحة للشباب وعوام الناس، التى سترفع من أخلاقهم، والتعريف الصحيح بالسير وأسماء الله الحسنى واستخراج ما فيها من عبر ومواعظ ودروس مستفادة.
أما عبدالله الشرقاوي، الذى يبلغ من العمر ٢٨ عامًا، فأكد أن «الخطابة كانت وما زالت على مر العصور عنصرًا مهمًا فى تشكيل الوعى العام لدى الناس، وسلاحا مهمًا فى عملية التأثير العام لدى الشعوب، ورأينا هذا عند اليونانيين كيف اشتهروا بعلم الخطابة وبخطبائهم العظام، وأيضا عند العرب قديما اشتهر فن الخطابة لما له من دور كبير فى حياة الناس».
وأوضح «عبدالله» أن الإسلام احتوى هذا الفن وأولى له رعاية خاصة وجعله أمرًا دينيًا بإدراجه للخطبة فى صلاة الجمعة، ليجعل هذا اليوم مخصصا لتجديد الوعى والنصح، لافتًا إلى أن الخطابة الآن أصبحت فى حالة يرثى لها، من خلال صعود خطباء على المنابر غير مؤهلين، ولديهم انفصال كامل عن الواقع، على عكس ما يجب أن يتوفر لدى الخطيب أن يكون على دراية كاملة بالواقع وبما يحتاجه الشباب وعوام الناس.