السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

مزلقان العياط.. الموت أسفل قضبان القطارات

مزلقان العياط
مزلقان العياط
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من هيئته وحدها كانوا يخافون.. مجسم حديدى ضخم جاءت به الحكومة إلى قراهم ليصدر ضجيجًا جنائزيًا يكسر السكون.. فى كل مرة يؤذن فيها بالمرور كانوا يختبئون خلف أبوابهم محكمى غلق العيون.. هم سكان صعيد مصر أواخر القرن التاسع عشر عندما قررت الحكومة مد خط سكة حديد يربط العاصمة بالجنوب فمررته على قرى الصعيد.. هذه القرى اختلفت علاقتها الآن بالقطارات.. فعلى مدار أكثر من مائة عام، تبدد الخوف المرسوم على الوجوه وضجيج مرور القطار لم يعد يزعج البيوت.. يظهر هذا بشدة عند كل مزلقان يمر عليه القطار ويغامر أهالى القرية بعبور القضبان.. الوضع فى منطقة العياط بالجيزة مختلف، فداخل كشك صغير يحوى مصحفا وجهاز كاسيت وعاملا خمسينيا يمتنع عن الكلام، جاءوا به قبل أكثر من خمسة عشر عامًا ووضعوه فى الكشك، وأخبروه أن عليه رفع حديد المزلقان وغلقه فى كل مرة يمر فيها القطار.. بدا الأمر بالنسبة لعم «عزت» سهلًا إلى أن اكتشف عكس ذلك.. هنا سوق وليس مزلقانا.. باعة ملابس متهالكة يقفون خلف أجوله متربة تفترش القضبان وسيدات يجلسن فى طريق القطار يبعن كل شيء، هذا المشهد الذى لا يعرف هدوءا لا يسكته إلا زعيق قطار قادم من القاهرة أو ذاهب إليها.. فور صدور صفير الإنذار كل ربع ساعة تبدأ الأجولة فى التحرك. 
من شباك المحطة ترى المشهد كاملًا، بشر يتقافزون بالتزامن مع قدوم القطار، كل يرفع أجولته خلف ظهره، وآخرون يهرولون إلى القضيب ليعبروا للناحية الأخرى قبل قدوم القطار وغلق الطريق لثلاث أو أربع دقائق.. هذا المشهد ربما ينتهى إلى جسد ملقى على الأرض يُحمل بعيدًا عن القضبان إلى أقرب مشفى ويعود كل إلى مكانه يبيع ويشترى فى انتظار القطار القادم.
هذا المشهد العبثى يشتكى منه العاملون فى المزلقان، بداية من عامل المزلقان الذى رفض الحديث خوفًا من تضرره، ويبرر صديقه موقفه بأنه يتحمل مسئولية كل حادث يقع فى المزلقان حتى لو لم يكن هو المتسبب فيه.
خلال إعداد التقرير حدثت مشادات بين زملاء العمل فى المزلقان، فبعضهم يريد التحدث وشرح الوضع الكارثى بالعياط، وآخرون يخافون خشية العقاب.
أحدهم -طلب عدم ذكر اسمه- قال: «بعض أبراج المراقبة خالية تمامًا، ومنها برج الرقة الواقع بين منطقتى الواسطة وكفر عمار، ولا يوجد عمال صيانة بأغلب محطات الخط بالكامل»، مشيرًا إلى أن وزارة التنمية المحلية رفعت يدها عن السوق المقامة على قضبان محطة العياط، وعندما حاولنا إقناع الباعة بضرورة ترك المكان، هاجمنا أحد الجزارين المستفيدين من العشوائية والزحام.
وأردف: «عندما حاولنا الإبلاغ عن سرقة ١٤ من أجهزة الصندوق الأسود خلال شهرين، وهى أجهزة خاصة بالقطارات، رفض المسئولون بالهيئة اعتبارها سرقة حتى لا يحاسب أحدهم، وطلب منا الإبلاغ بأنها فقد وليست سرقة، ولذلك لم نقم بتركيب أجهزة بديلة لأننا نعلم أن مصيرها لن يختلف كثيرًا عن ما سلف منها».
وعن أحوال السكك الحديد، يقول بعض مهندسى أبراج المراقبة، إنه لا توجد كاميرات مراقبة، والسرقة طالت القضبان والصناديق السوداء، وبعض الترانسات التى تكلف الدولة حوالي٥٠٠ جنيه، ويتم بيعها بخمسة جنيهات للعاملين فى الخردة، مؤكدين أن عدم عقاب المخطئ تسبب فى جشع وطمع الأهالى وتجرؤهم حتى على أراضى الهيئة، وأقاموا عليها عششا وأسواقا عشوائية على جانبى الطريق، فضلًا عن المزلقانات الإجبارية التى ينشئها الأهالى فى قراهم، دون توافر أجهزة إنذارات بها أو أنوار، حتى وصل عددها من بعد الثورة حوالى ٦ آلاف مزلقان إجباري.