الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نعيش فى سجون الماضى والعلم يصفعنا بالمعجزات «١»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلينا نحن غرقى فى برطمانات الخل والثوم والبصل، خلينا نحن نتجاذب حواديت وأساطير الماضى، من قتل، ومن خان ومن باع، ومن جندوه عميلا، ومن سيجندونه رئيسا، من سيخلعون وبمن سيأتون. خلينا نبلبط فى ترهاتنا وفى إفرازاتنا، مستمتعين بنفاذ القرف إلى خلايا جسد اعتاد عفن الماضي، اعتبره عطره المفضل. خلينا نهرى ونحرث فى نفوسنا ونمزق ملابسنا عن تعديل الدستور وعن قطر وعن ترامب وعن الإخوان وعن ناصر وعن نجيب وعن السادات وعن السيسي، وعن مبارك وعن الذى كان. نحن شعب كنا وكان. كل حاضرنا كان. مسجونون فى كان. 
حسنا ابقوا كما أنتم «منقوعين» فى الماء الآسن، كما بقى المماليك رهائن السيف والخيل، فأمطرهم نابليون بالقنبلة وبالمطبعة. القنبلة والعلم. فصرخ الجبرتى من هول الذهول يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف!
حسنا، فإن العالم الذى نعيش فيه الآن على الهامش، تتقاسمه ثلاث قوى طاغية الأثر يمكن تحديدها فيما يلى على سبيل التبسيط: قوتان للغريزة وقوة للعقل.
١- السلطوية الجديدة ٢- الفوضوية ٣- الصدمة التكنولوجية الجارية.
وسنعرف بعد قليل لماذا اخترت نحت هذا المصطلح (الصدمة التكنولوجية الجارية)، أما السلطوية بشقيها السياسى والعسكرى فإن مولدها الحقيقي، فى العقدين الأخيرين، بدأ مع صعود الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن، الذى كان محدود المعرفة، سكيرا تائبا، جنديا مجذوبا لعصبة المحافظين الجدد، أغبى أولاد جورج بوش الأب، باعتراف أمه ذاتها، وفى عصره ارتكبت الفوضوية (الوجه العشوائى لها القاعدة والآن داعش) جريمتها الكبرى بتدمير برجى نيويورك، وضرب البنتاجون، والشروع فى إسقاط طائرة على البيت الأبيض، نسفت بركابها فى الجو. وجرى تعميد هذه القوة المسيحية المسيسة على أرض العراق بدماء صبغت النهرين، ومن بعده جاء أوباما، لفترتي عمل لحساب الفوضوية بأكثر مما رسخ مفهوم السلطوية الجديدة، خرج بعدها ومعه رؤساء آخرون، بالانتخابات أو بالمؤامرات، ممن يمكن اعتبار أنهم كانوا بالفعل دخلوا مرحلة الشحوب السياسي، وأن المشهد الدولى يتهيأ لاستقبال القوتين الطاردتين: السلطوية والأناركية.
ليست السلطوية جديدة بالقطع لأنها أصل نظم الحكم فى العالم كافة، فتاريخ زعماء وشيوخ وسحرة القبائل ثم الملوك والأباطرة والشيوعية والاشتراكية ونظم العالم الثالث كلها شواهد قبور على الاستبداد والطغيان وحكم الفرد باسم السماء أو باسم الشعب والقانون، والسماء والشعوب والقوانين بريئة من شعاراتهم.
نتحدث الآن، ونرصد السلطوية الجديدة، التى ولدت مع بزوغ مزاج عام لتيار كاسح غالب شعوبى فى الولايات المتحدة، اختار دونالد ترامب لكونه أيقونة كن فيكون، لأننى الأبيض، ولأننى الأقوي، ولأننى الأذكي، ولأننى سأضربك حتى تركع!
على الجانب الآخر من خط القوة المتعرج، تستقر سلطوية الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى ممارسة رزينة متشحة بمؤسسات، ومتناطحة مع سلطوية واشنطن. بالقياس يبدو بوتين أكثر رجاحة وحكمة، بمعيار الأهداف، فالاثنان متفقان، على وجوب الصراع لفرض إرادة أحدهما بتجميد الآخر أو تحييده. على أطراف خط القوة، لا يجوز قط غض العين عن الصين وعن الهند، ويهمنا حاليا الأولى لأنها أكملت البنية الأساسية لقوتها وطموحها متفردة فى مجالها الحيوي، وتمد شرايينها داخل الاقتصاد الأمريكى وتمتصه لحساب بناء أعلى احتياطى لها فى التاريخ. وهو ما انتبه له ترامب، واعتبرها تستفيد من السوق الأمريكية ولا تخدم أهداف السياسة الأمريكية فى شرقى آسيا، على الأقل لترويض القوة الدخيلة النووية البازغة لكوريا الشمالية. جنون سلطوية كوريا الشمالية يتجاوز جنون سلطوية. الشعبوية الجديدة فى البيت الأبيض، وبسبب من هذا يمكن فهم استغراق ترامب فى استخدام لغة تهديد سوقية فجة مباشرة ضد الشاب الجامح كيم جونج أون، اعتبرها حلفاؤه فى الغرب خارج الأعراف الدبلوماسية. تلك خطوط سريعة لخريطة التطرف والشطط بالقوة وبالقرار من حولنا. هذه الخريطة لا يجوز، ولا يمكن أبدا فصلها بقوة النار ولا بقوة الانعزال أو التجاهل، عن حركة الفوضويين الضاربة لكل من السلطويين الجدد والشعوب ذاتها.
ومن عجب أن ولدت الفوضوية من ثورات وصفت بالعظيمة رغم إراقة دماء عشرات الألوف بالذبح تحت مقاصل الثورة الفرنسية، ومن عجب أن الفوضوية هى الابنة السفاح للشيوعية، ومن عجب أن ظهر لها أب غير شرعى أيضا هو المخابرات الغربية، أوضحها السى آى إيه، والبريطانية وأحدثها التركية والتمويل قطرى بلا حدود!
وهكذا ولدت القاعدة على أيدى المخابرات المركزية لتحارب الشيوعيين السوفيت الكفار فى أفغانستان، وهكذا ساد أسامة بن لادن، وهكذا ولدت داعش، من ذات الرحم الأمريكي، مع بذورتلقيح ذكرناها فيما سبق. ماذا يريد الأناركيون الإرهابيون أمثال الدواعش والقاعدة الأم ومنها النصرة؟
يريدون السلطة، ببث الرعب والفزع وخطف الأمان بقطع الرؤوس ودهس الناس بالعربات الثقيلة وتمزيقم أشلاء بالأحزمة الناسفة. الفوضويون والسلطويون الجدد وجهان لعملة واحدة: الحكم. تتنوع الوسائل، والغايات، لكن الهدف هو الرعية!
تلك قصة تجرى بالدم على الأرض فى الشرق الأوسط بينما مراكز الأبحاث فى الجامعات والمعامل، تداهمنا بصدمات تلو صدمات من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الفائقة التأثير. مقالنا القادم ينقلنا إلى المستقبل لنعرف أبعاد صدمة التكنولوجيا.