السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بذمتكم إنتو بتحاربوا الإرهاب؟!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الإرهاب كلمة مطاطة يحاول البعض توظيفها لشرعنة سياستهم باسم الدين والدين منهم براء براء، وقد يجعل منها البعض الآخر، سواء كانوا حكومات أو جماعات مدعومة من دول معينة، سياسة ممنهجة لإضفاء شرعية عليها باسم الدين.. وهؤلاء أيضا الدين - أي دين - منهم براء براء، فالإسلام كدين ينادي بالعدل والمساواة ويرفض المذهبية والإرهاب وقتل النفس البشرية - أي نفس - بدون وجه حق، والحق هنا يعني محاولة اعتداء غير المسلم سواء دولا أو أفرادا على مسلمين مسالمين عزل وإخراجهم من ديارهم وترويعهم، بل ومن سماحة الإسلام أيضا أن وثيقة المدينة التي أقرها الرسول عليه السلام كفلت حقوقا متساوية لغير المسلمين في ديار الإسلام، بل وأمَنّت "النصارى" - أي المسيحيين - على كنائسهم وبيعهم وصلبانهم وممتلكاتهم وأرواحهم، بل وصل الأمر إلى أن الرسول نفسه عليه السلام حذر المسلمين قائلا: "من آذى ذميا فقد أذاني..."، وبالتالي فمن المقطوع به أن حُرمة النفس الإنسانية وصية ربانية والخروج عليها تمثل تعديا صارخا على النفس التي حرّم الله قتلها، وهو ما يجعل الحياة مقدمة دائما على الموت، فعندما غاب فقه الحياة والإحياء والاستحياء عن الساسة وبعض شيوخ الإرهاب والتطرف والدم ساد فقه الموت وإزهاق الأرواح وجز الرقاب وحرق الإنسان لأخيه الإنسان حيا بلا حنو ولا رحمة، وأصبحت هناك حالة من الفوضى التي لا تفرق بين الموت في سبيل الله والحياة أيضا في سبيله، فكما أن القرآن الكريم عظّمَ الحياة كقيمة إنسانية بقوله: "ولَقَد كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (سورة المائدة: 32)، فالمسيحية أيضا رفعت من قيمة الحياة في مواجهة الموت حيث قال السيد المسيح له كل المجد: "اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ" (يوحنا 10: 10)، وهو ما يؤكد أن حياة الإنسان كانت الهدف الأساسي والمقصد الجوهري لرسالة السيد المسيح، وبالتالي فالإرهاب هو صورة من الصور الشائنة والجرائم المروعة التي يرتكبها الإنسان ضد الإنسان، والإرهاب الأعظم هو الذي ترتكبه الأنظمة السياسية والدينية لترويع وقتل معارضيها ومحاولة محوهم من الوجود مبررين جرائمهم الإرهابية هذه بغطاء الدين تارة ومقاومة الإرهاب تارة ! فلا توجد جريمة في هذا الكون أفظع من جريمة حمل الدين على السياسة، وحمل السياسة على الدين.. إنها الإرهاب بعينه عندما يتجلى في أبشع صورة، فكم من جرائم إرهابية بشعة تقشعر لها النفس ارتُِكبَت في المسيحية بغطاء ديني ومذهبي خاصة في عصور التفتيش والعصور الوسطى والمسيحية بريئة من هذا الجرائم براءة الذئب من دم بن يعقوب، وكم من جرائم إرهابية مروعة ارتكبها ولاة وحكام مسلمون في التاريخ الإسلامي باسم الإسلام والإسلام منها براء، وكم من جرائم إرهابية الآن تتم تحت ستار ديني ترتكبها أنظمة ودول إسلامية وغير إسلامية خَلّفَت وراءها كوارث إنسانية وأوبئة ودمارا وقتلا ونحرا وحرقا للجثث، بل وحرق الأحياء وهم على قيد الحياة والتمثيل بجثثهم بعد موتهم لإرضاء مطامعهم وتوسعاتهم السياسية والاستعمارية والمذهبية واستخدام الإنسان صنيعة الله كحطب لنيران قلوبهم السوداء، ولعل هذه المقدمة التي قد تبدو للبعض طويلة - وهي طويلة بالفعل - تجعلنا نتجاسر لأجل الله والوطن ونسأل هذا السؤال: هل الحكومة المصرية حتى هذه اللحظة تحارب الإرهاب بجد أم تجاهد في سبيل إرضاء المتطرفين والمتشددين لتنال رضاهم؟ والحق أقول وبدون مبالغة وقد قلتها مرارا وتكرارا إن حكومة المهندس شريف إسماعيل ما زالت مرتعشة في مواجهة الإرهاب، بل وهناك مسئولون في الحكومة ما زالوا يتسابقون في مغازلة المتطرفين، بل وهناك بعض المسئولين في الجهاز الحكومي توغل فيهم الفكر المتشدد والتكفيري الذي بات ينبئ بالخطر الداهم على وحدة مصر والدولة الوطنية التي يؤكد عليها الرئيس السيسي دوما والتي هي صمام الأمن والأمان لهذا البلد وهي الصخرة - في رأيي - التي تتحطم عليها دعاوى الطائفية والمذهبية والتشدد، ولعل حادث منع بعض رجال الأمن بمركز أبوقرقاص بالمنيا كاهن وأقباط قرية "الفرن" من الصلاة، بحجة عدم وجود ترخيص للمبنى وفرض حواجز أمنية مكثفة أمام مبنى الكنيسة لمنع دخول الأقباط يؤكد أن هناك في الحكومة وخاصة في الجهاز الأمني وهو جهاز وطني حتى النخاع بعض الأجنحة الفاسدة التي تحمل أفكارا وهابية متشددة وتشكل خطرا داهما على الدولة الوطنية، ويجب تطهير الجهاز منها سريعا حفاظا على مصر ووحدتها وهيبة جهاز الشرطة، فهل أصبحت الكنائس في مصر مثل الخمارات وأوكار الشمامين والمحششين والخارجين على القانون حتى تتعامل الحكومة معها بهذا الشكل المذري وتمنع أقباط قرية وكاهنها من الصلاة؟ خاصة أن المسيحيين يصلون في الكنائس لأجل مصر وسلامها وسلام العالم وللحكام والمحكومين بل ولأجل كل من يسيء إليهم؟، هل مكافحة الإرهاب في مصر اختزلت واختصرت في مجلس، بعض أعضائه عليهم علامات استفهام وهو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف الذي لا نعرف ماذا يفعل حتى الآن؟.. إحنا مش هنقضيها مجالس فقط بل نريد إرادة سياسية جادة لمكافحة الإرهاب والانتصار للدولة الوطنية في مواجهة الدولة الطائفية، وهذا لن يتأتى إلا بتجديد الخطاب الديني وتنقية الآراء الفقهية لبعض رجال الدين التي لا تتماشى مع جوهر وسماحة الإسلام، وكذلك تعديل قوانين الإجراءات الجنائية لتحقيق العدالة الناجزة وسرعة البت في المحاكمات في الجرائم الإرهابية التي تستهدف أبناءنا من جنود الجيش والشرطة والأقباط العزل والكنائس والمؤسسات، وتطوير الخطاب الإعلامي والمناهج التعليمية لتحض على روح الوحدة والتسامح ونبذ التفرقة بين المصريين على أساس الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون، وتشجيع الفنون بكافة أشكالها.. المسرح والسينما والدراما والغناء، من أجل تعميق روح الانتماء والتأكيد على وحدة الدم المصري والنضال والمصير المشترك، ومناهضة الفقر بالتنمية والتأكيد على تعظيم دور العلم والاختراع والابتكار ونسف منظومة الخرافات والخزعبلات والدجل والشعوذة التي تم زرعها في العقل والفكر العربي بشكل ممنهج لتتغيب المصريين والعرب عن واقعهم وحاضرهم ومستقبلهم وجعلهم أمة مفعول بها وليست فاعلة.. إنهم يكلموننا عن خطر التطرف والإرهاب ثم نجدهم يخرجون الإرهابيين والمتعاطفين مع الإخوان من السجون أفواجا وبقرارات عفو رئاسية وكأن الإرهابيين والمتشددين ماسكين ذلة على هذه الحكومة، أو أنها تستمد شرعيتها منهم ومن المتحالفين معهم، يتكلمون عن الردع العام في جرائم الإرهاب ولا زال الإرهابيون وقادتهم في السجون بيتزغطوا وعايشين حياتهم. إنه من العجب العجاب ومن علامات الساعة أن تحدثك الحكومة عن مكافحة الإرهاب والتطرف والغلو والدولة المدنية ونجد رئيس جامعة القاهرة الجديد د. محمد عثمان الخشت يجاهد في سبيل تطوير الخطاب الديني للطلاب، في أعرق جامعة علمية عرفها العالم.. يا سادة إن كنتم جادين في مقاومة الإرهاب لا تقاوموا نتائجه وأعراضه بل قاوموه كله.. من المنبع.. وواجهوه من الجذور، بمنظومة تنطلق من الفِكر الديني الوسطي المعتدل، لأن تفخيخ الدول وهدمها يبدأ من الرأس أي من الفِكر وتغيير الفِكر في رأيي يساوي بالضبط تغيير مصير، ثم تأتي المواجهة بالقانون الناجز والعادل والتنمية ومكافحة الفقر وإقرار العدالة الاجتماعية ومنع التمييز والتوريث في الوظائف العليا ومكافحة الفساد، ومحاربة الطائفية والمذهبية التي يتم طبخها الآن بحسم وحزم، وعدم خلط الدين بالسياسة وتجريم الأحزاب القائمة على أساس ديني والتي يبدو أن الحكومة تستخدمها كفزاعة للتنكيل بمعارضيها وقت الضرورة من أجل البقاء في الحكم.. وبدون هذه المنظومة المتكاملة انتظروا مزيدا من الإرهاب الذي لن يرحمكم، ولن يرحم أحدا إذا وجد الفرصة سانحة وأظنها الآن سانحة إن لم تستفيقوا وبأقصى سرعة.. تستفيقوا الآن.

حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وشرطتها وأزهرها وكنيستها.

gergesboshra98@yahoo.com