كتب - سارة نصر وإيمان العمارى وأمل أنور وسمير إبراهيم وياسر الغبيري وشيماء عيسى ووسام زين الدين ومحمد نبيل
بات المشهد الراهن للآثار المصرية مثيرا للدهشة.. فبين مشروعات كبرى ينتظرها العالم، منها المتحف المصرى الكبير، تتعدد التقارير التى تكشف عن جرائم سرقة وإهمال، تحدث أخبارها استفزازا شعبيا، حدث ذلك مع تمثال المطرية؛ وتقرير الــ 32 ألف قطعة المفقودة؛ بغض النظر عن صحة أداء الوزارة أو عدم صحتها فإن الاستفزاز قد حدث؛ وما يزيد الأمر استهجانا فتاوى بعض مشايخ السلفية التى تحلل تجارة الآثار؛ ما يدفع العديد للتساؤل فى اشمئزاز وضيق ما الذى يجعل هؤلاء الأشخاص يعيشون فى وطن حياتها الآثار.. بلد تمثل ثلث آثار العالم؟ مشاهد صاخبة عديدة دفعت «البوابة» لفتح هذا الملف نمزج خلاله الماضى بالحاضر بالفن بالسياسة بالاقتصاد بالعالم كله؛ فكل تاريخنا حضارات؛ وفى كل حضارتنا آثار.
المقابر الفرعونية.. حلم الثراء السريع
الشيوخ وبعض الأثريين.. وراء انتشار البحث «غير الشرعى» عن الآثار
مواطنون: التنقيب شرع الله فى الأرض.. وزكاة لصوص الآثار.. الخُمس!
فكرة التنقيب عن الآثار.. وبيعها فى صعيد مصر، حيث المدن المبنية على أطلال مدن فرعونية كاملة، لم تعد مجرد عمل أو بحث، بل تعدت ذلك لتصبح حلما سريعا بالثراء، يجود صاحبه بالغالى والنفيس حتى حياته أو حياة بعض من يشاركونه ذلك الحلم.. وفتاوى الشيوخ، أو شيوخ التنقيب عن الآثار، كما يعرفون بين أوساطهم، يوهمون المولعين بتجارة الآثار بأنهم قادرون على إرشادهم إلى أماكن المقابر الفرعونية تحت الأرض.
التنقيب سرًا
قال «أ.ح.»، أحد العاملين فى مهنة التنقيب عن الآثار فى محافظة قنا، إن القانون المصرى لا يبيح التنقيب عن الآثار أسفل المنازل أو فى الأراضى الزراعية المملوكة لمواطنين، أو حتى فى الجبال، إلا أن الواقع غير ذلك، فكل من لديه منزل، وشعر أن أسفل منزله مقبرة، يبدأ التنقيب غير مبال بالقانون أو عقوبته، ويعمل فى سرية حتى جيرانه فى المنازل المجاورة لا يعلمون ذلك.
وأضاف: «الكثير من الذين ينقبون عن الآثار، ويجدون فعليا مقابر أو قطعا أسفل منازلهم، لا يبلغون بها الحكومة خوفا من مصادرتها بالكامل، مع العلم أن هناك نسبة ١٠٪ يمنحها القانون، لمن يرشد أو يكتشفها، إلا أنه فعليا وعلى الواقع لا تعطى هذه النسبة لمن يكتشف مقبرة أو قطعا أثرية، بل العكس يصادر بيته ويبدأ فى متاهة البحث عن تعويضات أو منزل يأويه.
زكاة لصوص الآثار
بدوره قال «س. ع.»، من سكان مدينة الأقصر، إن الكثيرين من الذين تمكنوا من اكتشاف مقابر كاملة أو قطع أثرية فى منازلهم أو الأراضى التى يتملكونها، وتظهر عليهم علامات الثراء السريع، يخرجون مالا كبيرا كصدقات للفقراء والمساكين، تنفيذا لحكم «اللقية» الذى ينص على إخراج خمس ما يجدونه من كنز فى الأرض، وبذلك يعتقدون أنهم ينفذون الشرع، بصرف النظر عن مخالفة القانون.
وأضاف أن الذين يبحثون عن آثار ويجدونها يلتزمون بفتاوى من بعض الشيوخ بإخراج الخمس، ولا يجدون فى مخالفة القانون مخالفة شرعية، ويحتجون أن القانون يبيح ما هو مخالف للشرع، ويمنع ما هو متفق مع الشرع، ويضربون مثلا لذلك بسماح الحكومة ببيع الخمر وأخذ ضريبة منها، وبيعها وشربها فى الفنادق، وهى مخالفة للشرع والدين، فليس كل ما هو قانون شرعا، وليس كل ما هو شرع قانونا».
عصابات المافيا
وقال «د. ط»، من أهالى إحدى قرى مركز أخميم، بسوهاج، إن البحث عن الآثار لم يعد هواية أو وظيفة مؤقتة يؤديها من يعتقد أن أسفل منزله مقبرة أو قطعا أثرية، وتجاوز الأمر ذلك ليصبح عملا منظما أشبه بعصابات المافيا، بعضها متخصص فى الكشف عن الأماكن التى من الممكن أن يكون بها آثار، وآخرون، يعملون فى ترويج ما يُكتشف من مقابر أو قطع مقابر، يستغل بعضهم العلم وأدواته فى ذلك، ومعظمهم يستخدمون «شيخ» لقراءة تعاويذ لمعرفة مكان المقبرة، متغلبا بذلك على «الجن» الذى يحمى المقبرة، ووجود ذلك الشيخ، وقراءاته للقرآن والتعاويذ، يعطى للأمر شرعية ولا يجعل من يعمل فى ذلك الأمر يعتقد أنه ما يفعله مخالفة شرعية أو قانونية.
وأشار أحد أهالى منطقة المسلة، بالقاهرة، إلى أن تلك المنطقة مبنية بالكامل على مدينة أثرية ومعابد ومقابر، يُكتشف بعضها بعد فتحه وبيعه، ويعلم الجميع بالأمر، إلا أن سكان البيت يكونون غادروا البيت إلى منطقة أخرى أو محافظة أخرى، حتى لا تظهر عليهم علامات الثراء السريع.
شراء المقابر
واتهم بعض العاملين فى وزارة الآثار والمفتشين بالاشتراك فى ذلك الأمر، وبحثهم عن الأماكن المحتمل وجود كنوز فرعونية بها، وبعد تأكدهم يعرضون على صاحب المنزل شراءه بالكامل قبل فتح المقبرة، ليكفوه مؤنة الحفر ومخاطره، وذلك بسعر كبير بالنسبة لصاحب البيت، يتجاوز الملايين إلا أنه قليل بالنسبة لسعر المقبرة الفرعونية التى لو فتحها صاحب البيت، وباعها كاملة، فبعضها يتجاوز سعره ملايين الدولارات كحد أدنى للمقبرة كاملة، ووجود بعض العاملين من مفتشى الآثار فى ذلك الأمر سواء كوسطاء أو مشترين، لا يجعل الشخص يشعر بمخالفته للقانون، لأن العاملين على القانون يشترون منه أو يتوسطون.
تقييم الأثر
وقال «ك. م»، من أهالى إحدى القرى القريبة من قرية صان الحجر، بالشرقية، إن من يجد آثارا فى منزله أو أراضيه، لا يعتبرها سرقة، بل هى أشياء وجدها فيما يملكه من أراض فهى مملوكة له، أما السرقة فهى سرقة المعابد والمتاحف التى تحت سيطرة الدولة ولا يملكها، ما عدا ذلك لا سيما فى أرضه أو بيته فهو ماله، ومن حكم فى ماله فما ظلم.
وأكد أن الدولة للتخلص من مثل هذه الأمور عليها أن تقنن عمليات البحث عن الآثار، وتعطى نسبة جيدة لمن يجد الآثار وتقننها فعليا، لأن نسبة العشرة بالمائة لا تطبق، ويهدد مفتشو الآثار، صاحب المنزل بالحبس والسجن، إذا طالب بنسبته، وإذا تمكن بعد جهد جهيد، من الحصول عليها فإن تقييم المقبرة الفرعونية أو القطع الأثرية يكون بخسا جدا، فتصبح نسبة العشرة فى المائة مبلغا ضئيلا غالبا لا يُصرف، بينما البديل أمامه بالملايين وبالعملة الصعبة «الدولار» وبصورة سرية مريحة، فالمشترى يعرض أن يفتح لصاحب المقبرة حسابا فى إحدى الدول الأوروبية وعلى رأسها سويسرا، إلا أن معظم الناس يفضلون الحصول على الأموال سائلة فى حقائب، يوفرها المشترى لهم فى المكان الذى يريدونه.
ضحايا التنقيب
وأدى هوس التنقيب عن الآثار فى غالب مراكز محافظة الشرقية إلى وقوع العديد من الضحايا، حيث التنقيب عن الآثار فى محافظة الشرقية، حيث لقى ٣ أشخاص مصرعهم إثر سقوط جدران مسكن عليهم أثناء قيامهم بالتنقيب عن الآثار بقرية نشوة التابعة لمركز الزقازيق، وأكدت التحريات انهيار المنزل على ٣ أشخاص غرباء عن القرية تم الاستعانة بهم للتنقيب عن الآثار والحفر تحت الجدران.
وعثر أهالى قرية السنيطة التابعة لمركز فاقوس على جثة داخل حُفرة بالقرية، وتبين أنها لعامل يُدعى إبراهيم على إبراهيم ٣٧ سنة، والحفرة مساحتها ٥ أمتار وعمقها ٨ أمتار، وبسؤال كل من شقيق المتوفى ويُدعى عبدالسلام ٣٥ سنة عامل ونجل عم المتوفى إسماعيل محمد إبراهيم ٤٩ سنة مهندس زراعى، أكدوا فى أقوالهم بأن المجنى عليه وآخرين حاولوا التنقيب عن الآثار بمنطقة المقابر وأثناء ذلك سقطت الأتربة عليه وسقط قتيلا فى الحال.
«البنا»: الشريف من موظفى الآثار يعرف الحرامى ويتستر عليه
فتح عبدالفتاح البنا، خبير ترميم المواقع الأثرية بكلية الآثار جامعة القاهرة، النار على سياسات وزارة الآثار، وانتقد عمليات النهب والسرقة التى تتعرض لها المتاحف والمواقع الأثرية المصرية، موضحًا أن العدد الأكبر من المواقع الأثرية مهدد ويواجه العديد من المخاطر، قائلًا: «على سبيل المثال جميع المواقع الأثرية فى دلتا مصر مهددة بالكامل، سواء من تعد على الأراضى وهى أملاك وحيازات دولة، والتعدى على الأراضى يتبعه تنقيب وحفر خلسة للبحث عن الآثار». ويرى خبير ترميم المواقع الأثرية، أن وزارة الآثار تسير فى الاتجاه الخطأ، حتى يحدث الانهيار الكامل، قائلًا: «طالما أنشئت وزارة الآثار كان يجب أن يتم تمكينها بتسلسل وظيفي، بحيث يكون كل شخص عالما بدوره تمام العلم، فالكثرة العددية بلا فائدة، وإن كان هناك نية للإصلاح، فواجبى فى المقام الأول أن أضع يدى على المشكلة، المشكلة فى وزارة الآثار أن هناك أنصاف متعلمين تقلدوا مناصب وكونوا طبقات، وبتتابع الأجيال نحن فى الجيل الثالث فى أنصاف المتعلمين من قيادات الآثار، من ذوى التربية العلمية الناقصة، وأكبر دليل على ذلك أزمة تمثال المطرية، فحتى الآن هذه القيادات فى حيرة من أمرها هل هذا التمثال لرمسيس الثانى أم لبسماتيك الأول، والفارق بين الملكين تاريخ ممتد يصل إلى ٧٠٠ عام.
المعارض الخارجية
وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة أن المعارض الخارجية يتحكم بها المصلحة الشخصية، بمعنى أن المستفيدين من سفر الآثار للخارج هم المدافعون عن إقامة معارض خارجية للآثار، وهذه الاستفادة على مستواهم الشخصى وليس على مستواهم القومى أو على مستواهم الوطني، هذه المعارض تمثل باب رزق لهم، لأنهم يسافرون لمرافقة الآثار للخارج، وهذا الأمر يعود عليهم بالرزق.
الشريف والحرامى
وتساءل «البنا» كيف لنا أن نأتمن موظفا يتقاضى «ملاليم» على كنوز لا تُقدر بمال، قائلًا: «جميعنا حامل لجينات الخير والشر، فالشريف من موظفى الآثار يعرف الحرامي، ويتستر عليه، وهو بالتالى مُشارك له فى الجريمة، ولن ينصلح حالنا طالما هذا الفكر راسخ فى وجداننا، فلا يجب التستر على فاسد بدافع الزمالة والصداقة، ومنذ أيام حدث بمتحف النوبة أن قام اثنان من الأثريين العاملين به بفض الحرز المغلق به الفاترينة لاستخراج تمثال بداخلها، وقبله حدث فى ميت رهينة، وقبله المتحف اليونانى الروماني، وقبله متحف الحضارة، فنحن تعودنا أن كل الأشخاص الذين تقلدوا هذه المناصب، والذين ثبت عليهم بالدليل القاطع، وبتحقيقات النيابة أنهم مدانون يتم تصعيدهم فى المناصب القيادية حتى كرسى الوزارة، فالمشكاوات التى سُرقت من متحف الحضارة كان مسئولا عنها الوزير الحالي، وبعد هذه الفضيحة وعودة المشكاوات التى لا نعلم هل عادت المقلدة أم عادت الأصل،؟ نجد المسئول عنها تم تصعيده ليصبح وزيرا للآثار.
وأشار «البنا » إلى أن اليابان تُعد الحصان الأسود فى الآثار المصرية، قائلًا: «بعثاتهم الأثرية فى مختلف المواقع المصرية، وهدفهم إعمار متاحفهم فى اليابان بالقطع الأثرية المصرية الفريدة»، وأوضح البنا أن نقل آثار توت عنخ آمون للمتحف الكبير يُعرضها لمخاطر كبيرة. قائلًا: «التجربة العملية أثبتت أن العديد من القطع الأثرية التى تم نقلها من المتحف المصري بالتحرير للمتحف الكبير تعرضت للكسر والتلف».
آمنة نصير: التنقيب «الفردى» حرام.. وأطالب بمحاكمة اللصوص
فى رحلة غير مقدسة، تخرج آلاف القطع الأثرية كل عام من تحت الأرض، لتباع بمزادات رخيصة فى مصر وخارجها، وما يتم كشفه وضبطه لا يمثل إلا قمة جبل السرقات لتراثنا الحضارى العريق؛ يزيد الأمر أسفا ما يروجه مشايخ السلفيين من فتاوى شاذة تخلط المعدن بالأثر النفيس، كان من بينهم وبسؤالها عن بعض الشيوخ الذين أفتوا بجواز استخراج الآثار، باعتباره يندرج ضمن «الركاز»، إذا ما كان فى أرض أو بيت أحد الناس، ومن هؤلاء الشيوخ محمد حسان، الذى جعل استخراج تلك الآثار فى فتوى سابقة، عملا مباحا طالما لم يتعد الشخص على أرض الدولة أو ينبش فيها، وأكد ضرورة طمس الآثار المجسمة بصور شخصيات، مبررا ذلك بأن النبى نهى عن بيعها، ثم عدل عن تلك الفتوى مؤكدا أن الدولة طالما أقرت بجعل الآثار جميعا ضمن الركاز، فلا يجوز لأى شخص أن يبيعها أو يهربها أو يسرقها، ويجب عليه تسليمها للجهات المختصة عن الآثار.
ذهبت «البوابة» إلى آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة وعضو مجلس النواب، التى قالت «إن التنقيب الفردى عن الآثار بباطن الأرض أو بيعها يعد عملا مجرما وحراما شرعا، موضحة أن ذلك الفعل يعتبر تعديا على ملك الأجيال وتاريخهم وحضارتهم، وملك أمة بأكملها، وليس مجرد تعد على المال العام، ولهذا لا يمكن وصف القائمين بهذا العمل إلا باللصوص.
وعن فوضى الفتاوى السلفية بشأن الآثار، تقول آمنة نصير: هؤلاء الشيوخ يقدمون لنا اليوم آراء فقهاء استندوا إليهم قبل آلاف السنوات، ولا يعقل أن نستند لكل قول قديم، وكأن كلام الفقهاء صالح لكل زمان ومكان؛ فهؤلاء كانوا يجتهدون بقضايا من جنس عصرهم.. وأطالب بمحاسبة كل من يصدر فتاوى تبيح إهدار تراث أمته بثمن بخس ويحرم منها أجيالا قادمة.
أحدث طرق النصب.. اشتر قطعة من خان الخليلى واغلها فى الشاى... تصبح آثارًا
ساعدت وسائل التواصل الاجتماعى على تسهيل حركة سوق تجارة الآثار، وازدهار عمليات النصب والاحتيال باسم الآثار، وفى حادثة للمرة الأولى وقعت منذ أكثر من أربعة أعوام، ابتكر مجموعة من مواطنين فى محافظة المنيا وسيلة جديدة لتحقيق الثراء السريع، فقاموا ببيع جثث الموتى المدفونة منذ فترة زمنية كبيرة، على أنها مومياوات أثرية ترجع إلى العصور المصرية القديمة.
واللافت فى الأمر أن تجار الآثار النصابين يقومون باصطياد أرقام هواتف عدد من رجال الأعمال، ثم يتصلون بهم على أنه اتصال برقم شخص آخر، ويدعون خلال المكالمة أنهم أخطأوا فى الاتصال بعد شرح سبب الاتصال، فكان يقول مثلًا تم تجهيز الآثار والقطع سليمة ١٠٠٪ وعايزين نحدد ميعادًا! فيخدع رجل الأعمال أو أصحاب النفوذ، ويبدأ فى محاولة التقرب من النصاب ويعرض شراء القطع الأثرية أو المومياء لتبدأ مرحلة النصب يعرف فى نهايتها رجل الأعمال أنه ضحية نصاب ادعى أنه تاجر آثار.
المثير أن نصابى الآثار يقومون بشراء القطع الأثرية المقلدة من خان الخليلى بالقاهرة، ثم يقومون بتجهيزها للبيع بغليها فى الشاى ثم دفنها فى الأرض، حتى تأخذ شكل القطع الأثرية الحقيقية، بالإضافة إلى قيامهم باستخراج الجثث المدفونة من المقابر، ولفها بالكتان القديم وإعادة دفنها فى مكان آخر بالصحراء، ثم يقومون بإحضار الزبون واستخراج الجثة أمامه على أنها مومياء، وقد شهدت قرية «منشية حلفا» بالعدوة قيام شخصين باستخراج جثة مدفونة منذ زمن بعيد، واتصلوا بأحد رجال الأعمال بالقاهرة، وأوهموه بأنها مومياء حقيقية.
وفى واقعة أخرى منذ أكثر من أربعة أعوام، حيث ظهر تشكيل عصابى بالوادى الجديد، كان يتصل بضحاياه قبل أن يوقع بهم فى الفخ بعد أن يختارهم بعناية، يقوم بعرض قطعة أثرية بمبلغ كبير، وتكون قطعة أثرية بالفعل، وعند وصول الضحية، يغيب قائد التنظيم العصابى بمغادرة المنطقة «الوادى الجديد» لمدة ساعتين، ثم يعود ومعه المساعدون، الذين يطلبون من الضحية أن يغادر خارج المنطقة، حيث يتفقون معه على توصيله بمعرفتهم، على أن يتسلم القطعة فى أحد كمائن أسيوط.
عند الوصول يستدرجونه بتقديم الإفطار والتحية، ثم يعرضون عليه أصغر القطع، ومنها الذهب وأحجار، مثل البازلت والجرانيت، ثم يطلبون من الضحية بيع سيارته وتسجيلها فى الشهر العقارى، بالاتفاق مع الموظف، وهو ضمن أفراد العصابة، ومعه رجل قانون، ورجل من الآثار، وبعد التسجيل، يعرض القطع والثمن، حيث سيتم قسمته نصفين أحدهما للبائع والآخر لرجل الآثار، وبالطبع ثمن السيارة لا يكفى لسداد ثمن التماثيل، فيقومون بأخذ توقيعه على إيصالات أمانة بباقى المبلغ، وعند التسليم يسلمونه قطعة مزورة، بعد أن فقد الضحية سيارته، وتحمل سداد إيصالات أمانة بأسماء اخرى، فى حين اختفى التشكيل العصابى ولا يعلم أحد مكانهم.
وفى واقعة غريبة من نوعها، بأسوان، أقنع أحد المحتالين صاحب عمارة، بوجود مقبرة أثرية من عصر الفراعنة سوف تجلب له مليارات الدولارات، وأن قرينه من الجن أخبره بذلك، فاقتنع صاحب العمارة، ووافق على الحفر تحت منزله، بواسطة حجّار، حيث إن التربة صخرية تحت منزله، وهو ما يجعل عملية الحفر صعبة. وبالفعل يستمر الحفر لمدة عدة أيام، يدعى خلالها المحتال أن التعب نال منه، وأنه دل الرجل على الطريق وبإمكانه أن يكمل بدون مساعدته، وطلب أتعابه التى أعطاها له صاحب العقار على الفور دون تردد، حيث استمر فى إكمال الحفر وتكبد النفقات مقابل الحصول على الكنز، ويغيب المحتال، ويرسل له محتالًا آخر دون أن يلتقيا ليقنع هذا الرجل بإكمال الحفر، إلى أن يناله التعب، فيطلب أتعابه ويرحل، وهكذا استمر تشكيل المحتالين، يتردد على الرجل واحدا تلو الآخر، وكل منهم يتعب ويأخذ أتعابه ويرحل، والرجل يستمر فى الحفر بلا جدوى، إلى أن أكد له أحد الخبراء استحالة وجود أى آثار تحت منزله تبعًا لظروف التربة، وهنا أدرك الرجل هذا الفخ الذى وقع فيه.
لعنة الفراعنة تطارد المبدعين.. و«المومياوات» أبطال عالمية
الآثار المصرية ليست مجرد ممتلك من ممتلكات المجتمع، لكنها جزء أصيل من الثقافة المصرية الشعبية، تنمو بنموها وتشترك فى كل منجزات المجتمع.. جرائمها وأحداثها دائما ما تتصدر عناوين الصحف اليومية، سواء فى مصر أو فى العالم؛ كما أن الإبداع لم يكن بمعزل عنها؛ فقد تم علاجها بكل الأشكال الفنية من موسيقى وسينما وفن تشكيلى وأدب، وتستعرض «البوابة» حكايات الفراعنة وآثارهم فى الفنون..
كوميدى وتراجيدي
من الكوميديا للتراجيديا للأكشن للميثولوجيا طرق متنوعة فى السينما لمعالجة قضية الآثار المصرية، وما تتعرض إليه من تجارة غير مشروعة أو سرقة أو إهمال أو حتى تفخيم وتعظيم وقدسية وإجلال؛ النماذج عديدة؛ من الممكن أن نبدأها بخفة الدم؛ وأول ما يتبادر إلى الأذهان فى الجانب الكوميدى فيلم «صعيدى رايح جاي» إنتاج العام ٢٠٠١، بطولة الكوميديان هانى رمزى وشاركه البطولة ماجد الكيدواني؛ يدور الفيلم حول عمدة إحدى قرى الصعيد، الذى يتفق مع مافيا لتجارة الآثار لتسليمهم مقبرة أثرية مدفونة بقريته مقابل مبلغ مليون جنيه؛ فيشاء القدر أن يموت العمدة دون تسليم المقبرة إلى المافيا التى تلاحق نجله بعد وفاة والده العمدة للحصول على تلك المقبرة فى سليلة مفارقات كوميدية تنتهى بوقوع العصابة فى شرك رجال الشرطة.
المومياء
على الجانب الاجتماعى الميثولوجى يخطف المخرج الراحل شادى عبدالسلام عشاق السينما فى فيلمه العالمى «المومياء» الذى يسرد خلاله قصة التنقيب عن الآثار الفرعونية ثم بيعها من خلال قبيلة تعيش فى صعيد مصر فى أواخر القرن التاسع عشر تشتهر بالتنقيب عن الآثار من أجل بيعها؛ وبعد موت شيخ القبيلة يقرر أولاده التوقف عن سرقة الآثار فيتم قتل أحد الأولاد، ولكن ينجح الثانى فى الهرب من أجل إبلاغ الشرطة وبعثة الآثار؛ الفيلم يأخذ منحى مفعما بالميثولوجيا من حيث تكوين الكادرات التى أخذت لتدرس فى عدد من المعاهد السينمائية فى أوروبا، حيث بدا شادى عبدالسلام فى الفيلم، وكأنه فنان تشكيل دقيق وليس مجرد مخرج سينمائي؛ الفيلم يدور حول قصة حقيقية وهو من إنتاج وزارة الثقافة المصرية فى العام ١٩٧٥.
السينما العالمية
ومن السينما المصرية للسينما العالمية؛ نجد أن تجارة الآثار الفرعونية مشكلة لم تشغل بال المبدعين المصريين فقط، بل امتدت إلى العالمية؛ ففى العام ١٩٦٣ أنتجت المملكة المتحدة فيلما من إخراج وولف ريلا، قام ببطولته الممثل البريطانى «ريتشارد جونسون» الذى قام بدور «علي» الشاب الضائع، حيث تغريه عصابة دولية للاشتراك فى سرقة آثار توت عنخ آمون، يتعرف على فتاة بسيطة، ضائعة مثله والتى تقوم بدورها «فاتن حمامة»، تحاول الفتاة بحبها له أن تبعده عن هذه العصابة، ولكنه يحلم بشراء مزرعة، أما العصابة فيتزعمها لص دولى معروف يدعى «ويلي» يقوم بدوره الممثل البريطانى «جورج ساندرز»، يستعين بعدد من اللصوص الكبار، والشبان المتلهفين على الثروة، حيث يخطط المهرب مع مجموعة الشبان لسرقة إحدى القطع النادرة من المتحف المصرى، ويتمكن مع زملائه من دخول المتحف ليلًا، ويسرق القطعة الأثرية، لكنه لا يستطيع أن يهرب بالآثار التى سرقها، كانت الشرطة المصرية تراقبه وتترصد خطاه، ولعنة الفراعنة تطارده.
لعنة الفراعنة ونجيب محفوظ
من السينما للأدب؛ نجد أن الأدباء المصريين على مختلف أجيالهم لم ينحوا آثارهم الفرعونية جانبا؛ بل باتت موضوعا حيويا ومهما بالنسبة لحبكات رواياتهم وأعمالهم الأدبية؛ ويأتى على رأسهم الأديب العالمى نجيب محفوظ الذى قدم ٤ روايات هم «عبث الأقدار»، و«رادوبيس»، و«كفاح طيبة»، و«العائش فى الحقيقة» أبرز الأعمال الروائية الفرعونية الطويلة فى مسيرة أديب نوبل؛ فكانت «عبث الأقدار» الصادرة عام ١٩٣٩ أول رواية كتبها الأستاذ نجيب محفوظ فى مسيرته الأدبية، وكذلك أول رواية فرعونية هدف بها بدء مسيرة لم تكتمل تقص تاريخ مصر بشكل قصصي.
وتدور أحداث هذه الرواية فى عصر بناة الأهرام العظام، وأعنى عصر الدولة القديمة، وتحديدًا فى عصر الأسرة الرابعة فى عهد الملك المعروف «خوفو»، بأن الهرم الأكبر بهضبة الجيزة، العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبعة القديمة؛ وجاءت رواية «رادوبيس» الصادرة عام ١٩٤٣ لتدور أحداثها حول الغانية الحسناء والفاتنة «رادوبيس»، جميلة جزيرة الفنتين فى أسوان، التى عشقها علية القوم وصفوة رجال المملكة المصرية وعلى رأسهم الفرعون نفسه. وكان هذا الملك الشاب فاسدًا ومتهورًا، على عكس زوجته الملكة نيتو قريس التى كانت تتمتع بحكمة كبيرة. وفى نهاية الرواية، قتل ذلك الملك الفاسد وانتحرت عشيقته الغانية رادوبيس.
كفاح طيبة
أما رواية «كفاح طيبة» عام ١٩٤٤، فتحكى قصة كفاح شعب مصر الطويل ضد احتلال الهكسوس للأرض المصرية. وتنتهى أحداث الرواية بانتصار مصر بقيادة الملك أحمس على الهكسوس وطردهم من مصر إلى فلسطين. وقد قرأ الناقد الأدبى سيد قطب هذه الرواية وأوصى بإقرارها على طلبة المدارس كى يتعلموا منها تاريخ مصر والدرس الذى قدمته من أجل طرد المحتل المغتصب وتحرير الأرض المصرية.
«التقاط موسى».. لوحة بملامح فرعونية
من الأدب إلى الفن التشكيلي؛ يتبوأ فنانو العالم؛ وبالتحديد أوروبا مكانة أعلى من المصريين فى عدد اللوحات المنتجة عن الآثار الفرعونية، وعن الفراعنة بصفة عامة؛ فهناك مئات الأعمال لأجيال متعاقبة من الفنانين منها لوحة «التقاط موسى» للفنان البريطانى الهولندى لورينس ألما تديم والتى ترجع لعام ١٩٠٤ والتى صنفت واحدة من أفضل أعماله قبل وفاته عام ١٩٢١. ولكن سرعان ما فقدت أهميتها؛ وتم بيعها فى ستينيات القرن العشرين لإطارها. إلا أنه بعد إعادة تقديرها كعمل فنى يتبع العصر الفيكتوري، تم تجديدها فى أواخر القرن العشرين وتم وصفها فى فهرس إحدى المزادات عام ١٩٩٥ بأنها تحفة بلا منازع للورينس تديما من العقد الماضي، وقد حظيت باهتمام وسطع نجمها فى أعمال القرن التاسع عشر مع مصر؛ وقد بيعت فى مزاد عام ٢٠١٠ بقرابة مبلغ ستة وثلاثين مليون دولار؛ ورغم أنها تصنف كلوحة دينية إلى أنها أبرزت ملامح البيئة الفرعونية المصرية بدقة.
«عايدة».. ١٥٠ عاما من صيحات الفراعنة
من الفن التشكيلى إلى الموسيقى العالمية ؛ يأتى الموسيقار الإيطالى فيردى الذى أعد أشهر الألحان التى تعلقت بالحياة الفرعونية من خلال مسرحية أوبرا عايدة؛ وقد تم اكتشاف مخطوطات أوبرا عايدة من قبل عالم الآثار الفرنسى «أوجست ماريتا» فى وادى النيل، والمخطوطة عبارة عن قصة من ٤ صفحات، ألف قصتها ميريت باشا عالم المصريات الفرنسى الشهير، وكتب نصها الغنائى جيسلا نزونى وبعد ترجمتها سلمت إلى الموسيقار الإيطالى فيردى فى عام ١٨٧٠ من أجل تأليف أوبرا عايدة بطلب من الخديو إسماعيل، وضع فيردى الموسيقى لأوبرا عايدة مقابل ١٥٠ ألف فرنك من الذهب، وقد تم تصميم ديكور وملابس العمل فى باريس وكلفت ٢٥٠ ألف فرنك، وقد أمر الخديو إسماعيل ببناء دار الأوبرا لتكون جاهزة خلال ستة أشهر فى عام ١٨٦٩، للاحتفال بافتتاح قناة السويس، قام بتصميمها مهندسان إيطاليان هما «أفوسكاني» و«روسي»، أنشئت الأوبرا بين حى الأزبكية وحى الإسماعيلية وتم استخدام العديد من الرساميين والمصورين لتجميل الدار برسوم وصور لكبار الفنانين من الموسيقيين والشعراء، وبسبب تأخر وصول ملابس وديكور أوبرا عايدة من باريس لم تعرض فى الاحتفالية وقامت فرقة عالمية إيطالية بتقديم أوبرا «ريجوليتو» على مسرح دار الأوبرا الخديوية وهو الاسم الذى اشتهرت
به آنذاك أوبرا عايدة عبارة عن قطعة تياترية تشتمل على مناظر ولوحات راقصة يتخللها أغان موسيقية متوزعة على ٤ فصول تجسد الصراع بين الواجب والعاطفة، تحكى عن قصة الحب التى نشأت بين الأسيرة الحبشية عايدة وراداميس قائد الجيش المصري، الذى حكم عليه فرعون مصر بالإعدام بعد أن ثبت عليه محاولته للهرب مع عايدة إلى الحبشة، قدمت أوبرا عايدة لأول مرة عام ١٨٧١ على مسرح دار الأوبرا القديمة الخديوى ولم يتمكن فيردى من الحضور، وعرضت فى أوروبا لأول مرة على مسرح لاسكالا فى إيطاليا فى فبراير ١٨٧٢.
بطالمة ورومان ومسلمون.. شيدوا حضاراتهم من حجارة «جدودنا»
«محمد على باشا» كان على وشك استغلال أحجار الهرم الأكبر فى بناء القناطر الخيرية
تتجه أنظار العالم إلى الآثار المصرية بمختلف حقباتها التاريخية، لما تحمله من أسرار تبوح بها لمحبيها اللاهثين وراء روعتها وجلالها، إلا أن هذه الآثار على روعتها وجمالها تعرضت فى فترات متفاوتة من التاريخ لأعمال تخريب عن غير علم بقيمتها رغم ما تحمله لنا من حكايات.
فكل حضارة تأتى تبنى أمجادها على أنقاض سابقتها، أو تستغل جزءًا من تلك الحضارة لبناء أمجادها وتشييد عمارتها، فالحضارة الفرعونية من أقدم الحضارات التى مرت على مصر، بل وربما الأقدم على مستوى العالم، بنيت وشيدت بسواعد المخلصين على فترات زمنية سبقت التاريخ، ما دفع البعض لأن يقول: «جاءت الحضارة المصرية أولا وبعدها جاء التاريخ»؛ إلا أن هذه القيمة التاريخية لم تشفع للمواقع الأثرية عند الحضارات المتعاقبة، حيث استغل كل من البطالمة والرومان والحضارة المسيحية والإسلامية، مبانى وأحجار المعابد الفرعونية القديمة لتشييد حضارتهم، لم يكن الأمر بدافع دينى وإنما كان دافعه اقتصاديا، وتوفيرًا للوقت والجهد، كما يقول الدكتور أيمن عشماوي، الخبير الأثرى ورئيس قطاع الآثار المصرية.
حجر رشيد
وأكد أن أغلب مناطق الدلتا لم يكن بها مصدر للأحجار، ولذلك كان يتم الاستعانة بالحجارة من المواقع الأثرية المختلفة، مشيرًا إلى أن العديد من الحجارة الفرعونية وجدت مستخدمة فى مبان إما مسيحية أو إسلامية، ومثال على ذلك حجر رشيد الذى يحمل نقوش اللغة المصرية القديمة، جاء من إحدى القلاع الإسلامية برشيد، وهو فى الأصل حجر فرعونى من العصر البطلمي، ولعل أحدث هذه الوقائع اللوحة الفرعونية التى عُثر عليها الأسبوع الماضى بمسجد أبو شوشة بالبحيرة.