الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دراسة رفعت السعيد التي لفتت نظر عبدالناصر

إلى اللقاء يارفيق الزمن الكريم «2/2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى حقيقة الأمر لم يكن الدكتور رفعت السعيد من طائفة المؤرخين أو الكُتّاب الذين يحصرون أنفسهم فى مساحة ضيقة من مجالات البحث، فقد عرفته باحثًا لامعًا ومميزًا عندما كان كاتبًا فى مجلة «الطليعة» فقد ربطتنى بغالبية كتابها علاقات ود عميقة، ابتداءً من الأستاذ لطفى الخولى، ومرورًا بأساتذة كبار، مثل ميشيل كامل وأبوسيف يوسف وغالى شكرى وخيرى عزيز وعبدالمنعم الغزالى وغيرهم، لكن رؤيتى وصداقتى بدأت مع الدكتور رفعت فى هذا الزمن، خلال السنوات الأخيرة من عقد الستينيات، وتحديدًا فى عام ١٩٦٦، إذ كتب مقالًا لافتًا، بل بالغ الأهمية عن «الاختراق الطبقى لكبار العائلات الإقطاعية لثوار يوليو»، وذلك من خلال قراءة صفحة الوفيات فى جريدة الأهرام، إذ وجد نسبة عالية من أبناء ثوار وعائلات من ينتمون للثورة يرتبطون بعلاقات نسب ومصاهرة مع الذين ثاروا عليهم!.
هذه الدراسة الخطيرة، كانت واحدة من ملف مُتكامل أعّدتهُ مجلة «الطليعة» عن موضوع خطير هو «الصراع الطبقى والفكرى والأيديولوجى فى مصر بعد ثورة يوليو» ونُشر فى خريف ذلك العام، وكان من كُتَّابها أسماء كبيرة، مثل الدكتور فؤاد مرسى وإسماعيل صبرى عبدالله وإبراهيم سعد الدين ومحمد الخفيف، ومن بينهم رفعت السعيد، الذى كان وقتها الأصغر سنًا!.
فى ذلك الزمن تأثرت بهذه الدراسة وذلك الملف الشامل، فكتبت مقالًا نُشر فى عدد شهر ديسمبر من عام ١٩٦٦ من مجلة «الطليعة» كان عنوانه: 
«نحو وحدة الاشتراكيين فكرًا وعملًا فى مجتمعنا».. كنت وقتها طالبًا فى المرحلة الثانوية، أشرت حينها بطريقة ناقدة، لمّا كتبه الدكتور رفعت!.
بعدها ببضع سنوات التقيت به فى مقر مجلة «الطليعة» فى الدور السادس بالمبنى الرئيسى بشارع الجلاء بقلب القاهرة.. كان ذلك فى نهاية عام ٧١ أو بداية ١٩٧٢، وكان أول لقاء بينى وبين الدكتور رفعت.
لم يغضب مٍنى شأن الكبار، بل شملنى بحفاوة بالغة، ودعانى إلى الغداء بمطعم مؤسسة «الأهرام» فى الدور الثانى عشر، وكان وقتها أعجوبة مصر والعصر، فقد زاره كبار ضيوف مصر من «روچيه جارودى ومكسيم رودنسون الفرنسيين وأليونفسكى ويفچينى بريماكوف، السوفيتيين»!.
دعانى الدكتور رفعت أنا وزميله فى مجلة «الطليعة»، وصديقى الأستاذ خيرى عزيز، الذى كان سببًا فى تلك الصداقة.
حكى لى الدكتور رفعت يومها بعض خبايا هذه الدراسة، وما أحدثته من رد فعل فى أكثر من جهة أو مؤسسة صحفية، ومن بينها مؤسسة الرئاسة.. فهذه الدراسة السوسيولوجيّة الرائدة بحق لفتت نظر الرئيس جمال عبدالناصر، حتى أنه اتصل بصديقه خالد محيى الدين، الذى كان وقتها يترأس مجلس السلام المصرى ونائب رئيس مجلس السلام العالمى، يسأله عن تلك المصادر البحثية والعلمية التى استند إليها رفعت السعيد فى دراسته، خلافًا لصفحة الوفيات بجريدة الأهرام!.
وبالفعل تم للرئيس عبدالناصر ما أراد، فلم يكن رفعت السعيد وقتها قد حصل على الدكتوراة، «يعمل مُساعدًا للأستاذ خالد» فى مجلس السلام المصرى، ومجلس السلام العالمى.
وقد عرفت، بعد ذلك من الدكتور رفعت والأستاذ خالد أن الرئيس قد استفاد من تلك الدراسة، إلى الحد الذى كاشف فيه عددا من رفاقه، أعضاء مجلس قيادة الثورة، أو من وزراء حكومات ما بعد يوليو ١٩٥٢، مُحذرًا من خطورة هذه الأوضاع على مسيرة الثورة ومصيرها!
بل إن المُتابع والدارس لخطب الرئيس فى تلك الفترة، يجد صدىً لهذه الدراسة وما يماثلها من أبحاث جادة وجديرة بكل احترام قدمها رجالات ومفكرو اليسار المصرى.
بالطبع لا أجزم بأن ما كتبه رفعت السعيد كان سببًا وحيدًا لتوجهات وكلمات الرئيس، فثمة دلائل وأسانيد وتقارير كثيرة ومُتعددة دفعت «عبدالناصر» فى ذلك الزمن أن يصارح أعضاء مجلس الأمة «البرلمان» بالقول: «إن الحزب الرجعى فى مصر أكثر تنظيمًا وتأثيرًا من تنظيم الثورة، أى الاتحاد الاشتراكى العربى»!!.
وهذا ما جعل الرئيس فى تلك السنة تحديدًا، أى عام ٦٦ أن يؤسس التنظيم الطليعى، أو «الجهاز السياسى» كما ذكره فى الميثاق، «ميثاق العمل الوطنى» فضلًا عن تأسيس وتكوين منظمة الشباب.
من المُثير فى الأمر أن هذه الدراسة الخطيرة، والتى عّرفتُ تفصيلاتها وخباياها فى مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضى، من الدكتور رفعت نفسه، عندما حدثته عنها فى آخر لقاء جمعنا فى مكتبه بحزب التجمع، أن تحول هو إلى مُستمع شديد الاهتمام والتركيز، فيما قُمْت أنا بدور المُتحدث!.
كان الزمن قد تَرك أثره على بنية وجسد هذا المناضل الجسور، حتى أننى استبد بى إحساس وأنا أضمه إلى صدرى مُودعًا، أن جسده الرقيق أوهن من تحمل حرارة اللقاء أو حتى كلمات الوداع!.