الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إلى اللقاء يارفيق الزمن الكريم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ نحو عشرة أيام، قرأت مقالًا إنسانيًا جميلًا وبديعًا للدكتور رفعت السعيد، ينعى فيه رفيقًا كبيرًا ونبيلًا هو الدكتور سمير فياض أحد مؤسسى حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى فى منتصف سبعينيات القرن الماضي.
كتب الدكتور رفعت وأفاض، حتى دمعت عيني، ثم أجهشت بالبكاء!!
فلم يكن الدكتور سمير قياديًا عاديًا فى حزبنا، حزب «خالد محيى الدين» فقط، بل كان قياديًا عظيمًا فى عمله، حيث تولىّ قيادة المؤسسة العلاجية، وجعل من عياداتها ومؤسساتها الكُبرىّ حصنًا متينًا لفقراء مصر عندما يواجهون غائلة الجوع وأهوال المرض، غير أننى أحسست من ثنايا حديث الدكتور رفعت أنه ينعى نفسه، فقد ختم كلماته، بحنين غريب إلى اللقاء!
أدركت وقتها، أن رموز جيلنا تتأهب للرحيل، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، لكنهم لم يبدلوا اختياراتهم، وظلوا على العهد والوعد والأمل، رغم الشقاء والجهد وصور النفى والاعتقال والتشريد، طوال عهود تنوعت وتبدلت، إلاّ أن إيمانهم برسالتهم التنويرية والتبشيرية فى كل قرية ومدينة مصرية ظل هدفهم الذى لم يغب عن أعين وقلوب هذا الجيل الذهبي.
*****
الآن عادت بى الذكريات التى جمعتنى بهذا الرمز الكبير فى عالم اليسار..
كانت مجلة «الطليعة» التى صدرت فى عام ١٩٦٥ برئاسة الأستاذ لطفى الخولي -رحمه الله، ومن مؤسسة الأهرام، زمن الأستاذ محمد حسنين هيكل أسكنه الله فسيح جناته، هى تلك النافذة التى عرفنا من خلالها، فكر اليسار الوطنى المصري، فى أقصى درجات موضوعيته وفهمه للواقع الوطنى والعربي، فكانت بحق كما وصفت نفسها على غلافها بأنها «طريق المناضلين للفكر الثورى المعاصر»، ثم حددت منهجها بأنها تؤمن بشعار الفيلسوف الفرنسى «فولتير» والذى مّهدّ بكتاباته للثورة الفرنسية عام ١٧٨٩، بنص هذه الكلمات:
«من حقى أن أختلف معك فى الرأي، لكنى على استعداد أن أدفع حياتى ثمنًا لحقك فى الدفاع عن رأيك».
******
من هذا الشعار، كانت علاقاتى مع الدكتور رفعت، فهو من جيل يسبقنى بنحو ثلاثة عقود، ومن مدرسة سياسية وحزبية تختلف عّمّا أؤمن وأعتنق، فهو تاريخيًا من أبناء حركة «حدتو» وهى الاسم المُختصر لـ «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى»، وهى ذات توجه ماركسي، بينما أنا من أبناء ثورة يوليو، وناصرى الاتجاه والتوجه والمشروع الوطني.
هذا الاختلاف لم يمنع من إعجابى بما كتبه الدكتور رفعت السعيد طوال سنوات طويلة، وخلال عشرات المؤلفات التى يضيق المجال عن حصرها وعدها، فقد عّبرتُ عن إعجابى بهذا المفكر الكبير بما كتبته فى مقدمة كتابى «قادة الفكر العربي: عصر الليبرالية العربية: ١٩٠٠/ ١٩٥٢» والذى تفضل الدكتور رفعت بنشر بعض ما احتواه على خمسة مقالات، موضوعية وإن غّلفها بإطار احتفائى كريم، وقد نُشرت جميعها فى صيف عام ٢٠١٥، أى فى مثل هذه الأيام، على صفحات جريدة «البوابة» الغراء فى مقاله الأسبوعى كل يوم أربعاء، ثم جمعها فى كتاب موسوعى كان عنوانه: «عندما يُجدد التجديد نفسه». 
*******
كانت كلماتى عن إسهامات الدكتور رفعت فى عالم الفكر المصرى والعربى قد سجلتها فى كتابى « قادة الفكر العربى» على النحو التالي: 
«بيد أن ثمة أعمالًا فكرية مُتميزة ولا يمكن تجاوزها عند البحث المُتعمق لقضية التطور الفكرى والثقافى والسياسى العربي، منها أعمال الدكتور رفعت السعيد، والتى مسحت الغُبار عن الفكرة الاشتراكية فى مصر فأخرج بذورها من التربة الوطنية بأوضح العبارات، وإن غلفها بعاطفة جياشة ربطت بين الوطن والفكر على نحو ما جاء فى أغلب كتاباته، وإن كان بحثه الرائد الذى يحمل عنوان «تاريخ الفكر الاشتراكى فى مصر» والذى ألحقه بكتاب «تاريخ الحركة الاشتراكية فى مصر ١٩٠٠/ ١٩٢٥» هى الإسهامات الأهم لكاتب أثرى ويُثرى البحث التاريخى المصرى الحديث».
والحكايات كثيرة لكن المساحة لا تتسع لها فوداعا مؤرخنا ومفكرنا الكبير.