الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تمكين الشباب.. أزمة قانون أم أزمة ثقافة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الثاني عشر من أغسطس، يحتفل العالم سنوياً بيوم الشباب الدولي، وذلك تنفيذاً للبند السابع من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 54/120 الصادر في السابع عشر من ديسمبر 1995م. فوفقاً لهذا البند، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية المؤتمر العالمي للوزراء المسؤولين عن الشباب المنعقد بمدينة لشبونة في الفترة من 8 إلى 12 أغسطس 1998م، والداعية إلى إعلان يوم 12 آب/ أغسطس باعتباره «يوم الشباب الدولي»، وتوصي بتنظيم أنشطة إعلامية على جميع الصعد لدعم ذلك اليوم كطريقة لتشجيع زيادة الوعي، ولاسيما في صفوف الشباب ببرنامج العمل العالمي للشباب.
وفيما يتعلق ببرنامج العمل العالمي للشباب، تجدر الإشارة إلى أنه في العام 1985م، احتفلت الأمم المتحدة بالسنة الدولية الأولى للشباب. وفي الذكرى السنوية العاشرة للسنة الدولية للشباب، اعتمدت الجمعية العامة «برنامج العمل العالمي من أجل الشباب»، واضعة بذلك إطاراً للسياسات ومبادئ توجيهية من أجل اتخاذ الإجراءات الوطنية وتوفير سبل الدعم الدولي لتحسين وضع الشباب. ويؤدي البرنامج دوراً رئيسياً في تنمية الشباب، حيث يركز على التدابير الرامية إلى تدعيم القدرات الوطنية في ميدان الشباب، وزيادة نوعية وكمية الفرص المتاحة أمامهم، بحيث يتسنى لهم مشاركة كاملة وفعّالة وبناءة في مجتمعهم.
وبتطبيق ما سبق على المجتمع المصري، يمكن القول بأن الدستور الحالي لعام 2014م استحدث العديد من المقتضيات الدستورية الرامية إلى تمكين الشباب. فوفقاً للمادة 82 من الدستور، «تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء وتعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعي والتطوعي، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة». وتقرر هذه المادة المبدأ العام فيما يتعلق بتمكين الشباب.
ولم يكتف المشرع الدستوري بهذا المبدأ العام، وإنما حرص على تقرير بعض الالتزامات التفصيلية في شأن تمكين الشباب سياسياً. ففيما يتعلق بالهيئات النيابية، تنص المادة 180 الفقرة الأولى من الدستور على أن «تنتخب كل وحدة محلية مجلساً بالاقتراع العام السري المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط في المترشح ألا يقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب، على أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة،...». وتنص المادة 244 من الدستور على أن «تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوي الإعاقة تمثيلاً ملائماً في أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذي يحدده القانون». وتضمنت المادة 102 من الدستور خفض سن الترشح لعضوية مجلس النواب إلى خمس وعشرين عاماً، بدلاً عن ثلاثين عاماً في ظل الدستور الملغي لعام 1971م. وفيما يتعلق بالمناصب الحكومية التنفيذية، تم تخفيض السن المتطلبة لتولي منصب الوزير إلى ثلاثين عاماً، بدلاً عن خمس وثلاثين عاماً في ظل الدستور الملغي لعام 1971م (المادة 164 من الدستور الحالي).
ومع ذلك، يبدو أن المجتمع المصري ما زال غير مهياً للتنازل عن قناعاته التي يعبر عنها المثل الشعبي المشهور: «أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة». ويبدو أن هذه الثقافة متأصلة ومتجذرة في مجتمعاتنا العربية منذ قديم الأزل. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نسرد هنا ما حدث في فجر الإسلام في شأن تولية أسامة بن زيد قيادة جيش المسلمين لقتال الروم. ففي غزوة حنين، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عبقرية أسامة في القيادة والقتال، فكلفه بقيادة جيش المسلمين لقتال الروم في الشام. أمره بتجهيز الجيش، وقال له: (سر إلى موقع مقتل أبيك(، وأمره أن يعد العدة ويرسل الطلائع ويستعين بالعيون، ويتحرك مبكراً، وفي يوم الخميس سلمه اللواء. وقال له: (اغز باسم الله، في سبيل الله، فقاتل من كفر بالله.
وسبب الاستدلال بهذه الواقعة أن السير النبوية تروي أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب عندما علم باعتراض البعض على قيادته للجيش وفيه كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر، وهو غلام صغير، فصعد صلى الله عليه وسلم المنبر، وحمد الله وكبر وقال: (أما بعد، أيها الناس. فما مقالة بلغتني في تأمير أسامة، لئن طعنتم في إمارتي أسامة، فقد طعنتم في إماراتي لأبيه من قبله، وأيم الله أنه كان للإمارة خليقا، وأن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وأنه كان من أحب الناس إليّ، وأنهما لمخيلان لكل خير، واستوصوا به خيراً فإنه من خياركم(. وقال النبي وهو في مرض الموت: (أنفذوا جيش أسامة(. وعند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كان جيش أسامة يعسكر على بعد ثلاثة أميال من المدينة، يتهيأ للمسير حتى جاء النبأ الأليم. وتولى أبو بكر الصديق الخلافة، وارتد عدد كبير عن الإسلام في مناطق الجزيرة العربية، فاقترح بعض المسلمين تأجيل الزحف، واقترح عمر بن الخطاب وبعض الصحابة تعيين قائد أكبر سناً، وأكثر خبرة، وأعمق تجربة، بدلاً من أسامة. ولكن، كان رد الصديق أبو بكر حاسماً: «أيوليه الرسول وتأمرني بعزله؟»، وقال: «والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنفذن جيش أسامة».
لقد قصدت من سرد هذه الواقعة أن نضع هذه القصة نصب أعيننا، وأن يكون رائدنا في تولية المناصب هو الأكثر كفاءة، دون أن نقيم اعتباراً لسن الشخص، وبغض النظر عن المكانة الاجتماعية أو غيرها من الاعتبارات الأخرى. وليكن قدوتنا في ذلك هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عهد بقيادة الجيش إلى شاب صغير، دون سن العشرين، في ظل وجود كبار الصحابة، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً. والله من وراء القصد...

** كاتب المقال أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة