الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"أبو سرجة".. حصن العائلة المقدسة

«أبو سرجة»
«أبو سرجة»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«أرض الفسطاط» حاضنة المقدسات، في رحابها مغارة العذراء وحصن بابليون والسبع كنائس الكبار ومعبد عزرا لليهود، ومسكن الباباوات على مدى قرون طوال وفي قلبها متحف الآثار القبطية، أمام أبوابها يقف الزوار قاصدين الطلبات والبركات، وهي أيضًا محط الأنظار لدى الأجانب والسياح محبي التراث والآثار.

كنيسة المغارة
كنيسة القديسين «سرجيوس، وواخوس» نسبة للشهيدين الشاميين، والمعروفة أيضًا بـ«أبو سرجة»، أو مغارة العائلة المقدسة التي سكنها المسيح وأمه ويوسف النجار نحو ٣ شهور خلال رحلتهم هروبًا من بطش هيرودس الملك.
تحتوى داخلها أيقونات أثرية يعود تاريخها للقرنين السابع عشر والثامن عشر ميلاديا، ورفات عظام قديسين لينال بركاتها الوافدون، وأيقونات للعذراء مقصد الزائرين ليشعلوا الشموع أمام صورها المفعمة بالجمال.
وتواصل «البوابة» جولتها بكل شبر وطأته أقدام عائلة المسيح لتكشف جوانب ومشاهد تتحدث عن عظيم مكانة العذراء وعائلتها فى قلوب الجميع، وأيضًا للكشف عن محتويات فريدة ربما لا يعرفها الكثيرون بأرض الفسطاط.
خشوع الألمان على حائط المغارة
اعتدنا رؤية الأجانب كوافدين وسياح، ولم نرهم بصورة الخشوع والخضوع مثلما رأيناهم فى حضرة العذراء للتبارك والصلاة، على أحد أعمدة مغارة العائلة المقدسة بكنيسة «أبى سرجة» ارتكزت فتاة ألمانية لفترة طويلة تهمهم بكلمات لا يسمع مناجاتها سوى العذراء، وبعدما فرغت من صلاتها طافت بالكنيسة لتلحظ عيناها كل ما فى المكان.
وقالت «آبهيالي» تلك الفتاة الألمانية: إن زيارتها لكنيسة المغارة الأولى من نوعها وشعرت برجفة حال دخولها للمكان، مما دعاها للصلاة بحرارة وطلب كل أمنياتها من العذراء، مشيرة إلى أنها سمعت عن الكنيسة قبل مجيئها ومجمع الأديان الموجود بأرض مصر ولا يضارعه موقع آخر فى كل بلدان العالم.
وتضيف «آبهيالي»، أن الموضع الذى لجأت له عائلة المسيح لتختبئ فيه من شر ملك اليهود يمثل تاريخا عظيما ويحمل مكانة خاصة بالقلوب.
وتابعت، «أن الكثير من أصدقائى يعشقون مفتاح الحياة ويرونه جالبا للخيرات وأنصحهم بزيارة موضع العائلة المقدسة بالمكان صاحب الرهبة المقدسة، وزرت مسجد عمرو بن العاص وشعرت بوجود تقارب فى التصميم المعمارى له مع بعض الكنائس».
وعلى الجانب الآخر، وقفت فتيات مصريات تضرعا لصورة العذراء، وأشعلن الشموع مع تلاوة التسبيح والإنشاد والمديح فى أم النور، ووقفت سيدة أمام هيكل الصلاة تتحدث مع صورة للعذراء كما لو كانت صديقة حميمة لها.
ذات الكنيسة «المغارة» صاحبة الطابع البازيليكى فى المعمار مُفعمة بالبركات والمعجزات وحاضنة للقديسين فى الحياة وبعد الممات، ولعل اكتشاف جثمان القديس بشنونة المقارى فى أبريل ١٩٩١م شاهد حي، ولم يسبق للكنيسة معرفة مكانه منذ استشهاده ١١٦٤ م في عهد العقاد الفاطمي.

الأنبل الأثري واكتشاف بشنونة 
بدأت مجريات الترميم أواخر الثمانينيات بكنيسة المغارة بإشراف هيئة الآثار، نظرًا لانتشار المياه الجوفية وتأثر المبنى، ومع مجريات الترميم للأنبل الأثري «المنبر» وتقوية أساساته مال الأنبل على الأرض دون أن يحدث أى ضرر، وحال رفعه وجد العمال كمية من العظام محاطة بطوب مرصوص على الجوانب.
ورغم تشبع المنطقة بالمياه الجوفية لسنوات طويلة لم يتأثر العظام أو يتحلل، وأقامت الكنيسة صلوات وعادت للسنكسار الذى يحمل أسماء القديسين وسيرتهم وتيقنوا بأنها عظام القديس بشنونة، ووضعوها فى أنبوبة خشبية موجودة حاليًا بالكنيسة لتبارك الوافدين.
الماعون الحجري وعصارة العنب
تحتوى مغارة العذراء ماعونا حجريا استخدمته العذراء فى العجين أو تسبيح طفلها المسيح، ويوضع بالقرب من أيقونة أثرية داخل المغارة المحاطة بحاجز خشبى من الخارج للحفاظ على عدم المساس بهما.
ويوجد بمدخل الكنيسة معصرة للعنب مصنوعة من الخشب موضوعة فى «فاترينة زجاجية» استخدمها فى الماضى رجال الكنيسة لإعداد «عصير العنب» المستخدم فى التناول وطقوس الصلوات القبطية.
عمود الرخام ونزيف الدماء 
سيدات يبكين على عمود الدم بصحن كنيسة المغارة، ويطلبن الشفاعة من الله والقديسين بتيسير أمورهن وتحقيق أمنياتهن واندمجن فى الكلمات كما لو كان أمامهن أشخاص يتبادلن معهن الحديث.
بين أعمدة الكنيسة الرخامية القديمة نزف أحدهم حال نكسة ٦٧، وأثناء صلوات القداس بالكنيسة فوجئ الحضور بسيل من الدماء على العمود الرخامي.
حينها أبلغ الكهنة المقر الباباوى فى عهد البابا كيرلس السادس البطريرك الـ ١١٦ فى سلسلة باباوات الكنيسة، والذى بدوره حضر على الفور ورأى سيل الدم ووضع إصبعه على العمود وقال: «كفاية دم»، وظل مكان إصبعه محفورًا حتى الآن وموضع الدماء يترك أثرًا على العمود الرخامي.
ويحرص جموع الوافدين على الوقوف أمام العمود الرخامى المُحاط بفاترينة زجاجية لمنع لمسه بصورة مباشرة، وفسر الكثيرون نزيف دماء العمود الرخامى حال نكسة ١٩٦٧ بأن الحجر حزن على حال البلاد وقتها، مما يؤكد أن الكنيسة وأحجارها لم تنفصل عن أوجاع الوطن، بحسب تفسير الكثيرين من الخدام.

رُسومات جدارية وأيقونات أثرية
يرجع تاريخ الرسومات الجدارية للقديسين، والمرسومة على الأعمدة، إلى القرن الثالث عشر الميلادي وكذلك حامل الأيقونات الخشبي، رغم أن بعض اللوحات الخشبية المنحوتة به يرجع تاريخها إلى أقدم من القرن الثالث عشر، وتمت إعادة رسم الهيكل القبلي، وفى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر الميلادى تم بناء قبة للهيكل البحري.
وقال ماجد الراهب، عضو المجلس الأعلى للثقافة «لجنة الآثار» رئيس مجلس إدارة جمعية المحافظة على التراث المصرى وعضو المجلس الاستشارى لوزير الآثار بالمتحف القبطي، إن الترميمات بكنيسة المغارة استمرت طويلا وافتتحت فى عيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر فى العام المنصرم، مشيرًا إلى أن حوائطها مبنية بطوب أحمر بمقاسات معينة، وبأسلوب متبع فى العمارة الرومانية، جزء بالطوب الأحمر والآخر حجري».
وأضاف «الراهب» لـ«البوابة» أن الترميم بالمبنى كامل والحوائط التى كانت مكسية بطبقة محارة تم إزالتها لتظهر جانبا من الرسومات الجدارية الموجودة على الحوائط وتظهر، بقوة فى الجانب الأيمن للهيكل الرئيسي.
وأكد أن كنيسة المغارة أو «سرجيوس، وواخس» أول كنيسة تأسست ليظل التاريخ يشهد بقداسة المكان وظل مستغلا حتى اعتماده كنيسة وتأسيسه فى القرن الرابع الميلادي.
متابعًا أن الكنيسة مبنية على جزء من حصن بابليون؛ لذا تركوا جزءا من الحجارة الأصلية للمغارة وغطوها بالزجاج، ودشنت كنيسة، ويصلى فيها القداس فى أول يونيو عيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر.
وأشار إلى أنها اتخذت شكل الكنيسة بعد وجود أعمدة بها أضيفت مؤخرًا بعد مجريات مشروع ترميم المنطقة بأكملها والتى استمرت ١٦ سنة.
وتابع «الراهب» أن البئر الموجودة بجوار المغارة غير مفعلة لعدم وجود ماكينات رفع وتدوير المياه، وهو ما يصعب توافره فى حيز المكان بينما هناك بئر دائرة وتستخدم مياهها فى دير أبو سيفين للراهبات.