الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"بستان العدوية".. المحطة الأخيرة للعائلة المقدسة

راعى الكنيسة يتحدث
راعى الكنيسة يتحدث ل « البوابة »
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من هنا انطلقت أول رحلة بحرية للعائلة على أرض مصر
راعى الكنيسة: زهرية بمتحف فاروق رُسم عليها الكنيسة والنيل.. وصورة للقبة بمكتبة أستراليا


تحتل كنيسة السيدة العذراء مريم بكورنيش المعادى جنوب العاصمة، موقعًا سياحيًا وأثريًا ممتازًا، مما يجعلها أحد المعالم السياحية المهمة، وزادت أهميتها بمرور العائلة المقدسة عليها فى طريقها إلى جبل قسقام بالصعيد (دير المحرق). 
كنيسة السيدة العذراء مريم ما زالت تحتفظ بأيقوناتها الأثرية وسقفها المصنوع من العروق الخشبية كما صممها الآباء القدامى، مع بعض التطويرات والترميمات من فترة لأخرى لعلاج ما أهلكه الزمن.
فمن شاطئ النيل بناحية «العدوية» (المعادى قديمًا)، استقلت العائلة المقدسة مركبًا كأول رحلة بحرية للعائلة المقدسة فى مصر، لتنطلق منها إلى صعيد مصر، وتحديدًا إلى دير المحرق بجبل أسيوط، حيث أقامت العائلة المقدسة بالمحرق 6 أشهر كاملة. 
ويأتى «المعادي»، كاسم حديث، نسبة لـ«معادى الخبيري»، وقد عرفت بهذا الاسم منذ عصر الحكم العثمانى إلى يومنا هذا، نسبة إلى رجل يسمى على الخبيري، كان يتولى المعدية عبر النيل بهذه المنطقة.
أسماء الكنيسة عبر التاريخ
وعن أسماء الكنيسة على مدار التاريخ، اتفقت جميع المصادر التاريخية على أن هذه الكنيسة للسيدة العذراء التى حلت فى هذا الموضع فى أثناء رحلة العائلة المقدسة لمصر، ولكن صياغة الاسم تغيرت عبر التاريخ.
كنيسة المرتوتي
ذكر هذا الاسم فى كتاب «سير البيعة المقدسة» الذى وضعه فى مارس ١٠٨٨م الشيخ موهوب بن منصور بن مفرج الاسكندراني، المعروف حاليًا باسم «تاريخ البطاركة» فى سيرة البابا كيرلس الثاني، ويعتبر هذا المرجع من أقدم المراجع التى أشارت إلى الكنيسة.
بيعة السيدة الطاهرة مرتمريم
ذكرها بهذا الاسم المؤرخ الشيخ المؤتمن أبوالمكارم سعدالله بن جرجس بن مسعود فى كتابه عن الكنائس والأديرة، الذى وضعه فى ١٢٠٩م، وفيه يعقب على الاسم بقوله: «وأنشأها القبط على اسم السيدة، فإما أنها عرفت بالمرتوتى وهى لفظة بالرومى «متيرتا» تعنى أم الله الكلمة.

تى ثيؤدوكس ماريا تى كلابي
ومقابلها بالعربية: والدة الإله مريم بالعدوية. جاءت بهذا الاسم فى خاتمة مخطوطات كتاب التكريزات، حيث توجد قائمة قديمة قبطية وعربية بأسماء الأديرة والكنائس، يرجع وضعها إلى نحو أواخر القرن الثالث عشر الميلادي.
كنيسة مريم بناحية العدوية، وجاءت بهذا الاسم فى خطط المؤرخ العربى المقريزى والتى وضعها بين عامى ١٤١٧- ١٤٣٦م.
دير الست السيدة بالعدوية، وقد جاءت بهذا الاسم فى تقليد للشماس صليب ابن أبى الفرج بنظارته فى سنة ١٦٣٨م.
le convent Deir il Aduvie، وتعنى (دير العدوية)، ذكره بهذا الاسم الأب فانسليب أثناء مروره عليه فى رحلته إلى صعيد مصر فى سنة ١٦٧٢م.
بيعة الست السيدة المعروف بدير العدوية بالولاية الأطفيحية، وجاءت بهذا الاسم فى تاريخ عمل الميرون المقدس الذى عمل فى بيعة الست السيدة بحارة الروم بالقاهرة فى سنة ١٧٠٣م. بيعة الست السيدة والدة الإله العدرى مرتمريم الكائنة بالعدوية بشرق أطفيح، وجاءت بهذا الاسم فى وقفية على مخطوط بمكتبة الكنيسة بتاريخ السبت ٢٨ يناير سنة ١٧١٣م.
بيعة الست السيدة مرتمريم بدير العدوية، وجاءت بهذا الاسم فى مخطوط بمكتبة البطريركية بالأزبكية، وأصلًا نسخ لأجل هذه البيعة بتاريخ الإثنين ٢٩ نوفمبر ١٧١٧م، وكنيسة السيدة المعروفة بدير العدوية، وجاءت فى سيرة البابا بطرس الرابع البطريرك ١٧١٨ – ١٧٢٦م.
وصول العائلة المقدسة للعدوية
وعن وصول العائلة المقدسة لمقر الكنيسة، فإن التقليد القديم المتداول من جيل إلى جيل فى كنيسة السيدة العذراء بالمعادى، يروى أن العائلة المقدسة حلت بموضعها المقدس فى أثناء هروبها فى أرض مصر من وجه هيرودس، ومنها أخذت مركبًا فى النيل إلى الصعيد، ومن الكتابات التى تناولت مجيء العائلة المقدسة إلى أرض مصر، توجد ثلاثة مراجع تاريخية تناولت الحديث عن هذه الرحلة فى ربوع مصر.
الأول: البابا ثاوفيلس الإسكندرى البطريرك (٢٣) ٣٨٥ – ٤١٢م، والذى كتب الرحلة حسب رؤية رآها، وترجمت من القبطية إلى العربية فى عهد القمص يعقوب رئيس دير السيدة المعروف بدير المحرق فى ١٨ نوفمبر سنة ١٢٨٤م.
الثاني: أنبا هرياقوص أسقف البهنسا، والذى عاش فى النصف الثانى من القرن السابع الميلادي. كتب مؤلفين عن العائلة المقدسة. الأول حلول السيدة العذراء وابنها الحبيب بجبل القوصية المعروف الآن بدير المحرق، والثانى مؤلف مجيء العائلة المقدسة إلى أرض مصر وإقامتهم بدير بى أيسوس الذى تفسيره بيت يسوع، شرقى البهنسا، وهى اليوم دير الجرنوس بمركز مغاغة بمحافظة المنيا.
الثالث: البابا سيمون الأول البطريرك (٤٢) ٦٩٢ – ٧٠٠م كتب عن مجيء العائلة المقدسة إلى أرض مصر.
مصدران تاريخيان 
وكُتبت هذه المؤلفات باللغة القبطية، ثم فقدت أصولها القبطية وبقيت ترجماتها باللغة العربية، ومن خلالها يتم النقل والبحث. وكلها لم تتكلم عن كنيسة السيدة العذراء بالمعادى كإحدي مراحل ومواضع زيارة العائلة المقدسة لأرض مصر، وهناك كتابات لاحقة تحدثت عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، فهناك مصدران تاريخيان وحيدان عن مجيء العائلة المقدسة إلى موضع الكنيسة.
موهوب بن منصور
هو أحد كتبة ومكملى كتاب «سير البيعة المقدسة»، والمعروف حاليًا باسم «تاريخ البطاركة»، وذكر الكنيسة أثناء كتابة سيرة البابا كيرلس الثانى البطريرك (٦٧)، وفى خاتمة هذه السيرة ذكر لنا هذا المؤرخ كشفًا بالمزارات وآثار العائلة المقدسة التى زارها ورآها فى أيامه، فقال عنها «وأنا أذكر ما رأيته وتباركت منه، وآثارات سيدنا المسيح ووالدته السيدة مرتمريم العذرى القديسة فى عدة مواضع بأرض مصر، كنيستها بالمرتوتي».

أبوالمكارم سعدالله بن جرجس بن مسعود
عاش هذا المؤرخ فى النصف الثانى من القرن الثانى عشر، وإلى بدايات القرن الثالث عشر الميلادي، وله كتاب مهم عن «الكنائس والديارة» وكتب فيه عما كان يعرفه عن هذه الكنيسة فى عهده، وقال: «البستان المعروف بالعدوية ومنية السودان، بيعة السيدة الطاهرة مرتمريم المعروفة بالمرتوتى داخلة قبة، وكانت فى القدم معبد لبنى إسرائيل لما كانوا فى العبودية بأرض مصر. ولما ورد سيدنا يسوع المسيح إلى مصر ووالدته بالجسد ستنا السيدة العذرى الطاهرة والشيخ البار يوسف النجار من الشام جلسوا فى هذا المكان الذى فيه صورة السيدة، الآن قبالة المذبح المقدس، وأنشأها القبط على اسم السيدة. فإما أنها عرفت بالمرتوتى وهى لفظة بالرومي: متيرتا، أعنى أم الله الكلمة».
رحلة بحرية واستضافة يهودية
والأب استفانوس صبحي، راعى كنيسة السيدة العذراء بالمعادى، كان له حديث مع «البوابة» حول مرور العائلة المقدسة بأرض الكنيسة وتاريخها.. يروى القس فيها تاريخ الكنيسة، قائلًا: إنها بحسب التقليد المتوارث، كان يوجد بالمنطقة معبد يهودي، وأسر يهودية، استضافت العائلة المقدسة، لكن غير معلوم تحديدًا المُدة الزمنية التى أقامت بها العائلة المقدسة بأرض الكنيسة.
الكنيسة بدأ بناؤها فى القرن الرابع الميلادي، على يد القديسة الملكة هيلانة (٢٥٠-٣٢٧م) والتى خصصت أوقافا كثيرة على الكنائس، واهتمت ببناء كنائس وأديرة فى محطات العائلة المقدسة، كما فى أديرة وادى النطرون. ومرت الكنيسة بخمس مراحل للبناء والترميم كان أشهرها الترميم الذى اشترك فيه المعلم إبراهيم الجوهرى أواخر القرن الـ١٨ (الذى تقلد رئاسة كتَّاب القطر المصرى وهى رتبة تعادل رتبة رئاسة الوزارة). والترميم الأخير انتهى فى ١٩٨٥. والكنيسة بوضعها الحالى منذ القدم، وفى إحدى الفترات تم ضم جزء من الكنيسة للحوش الخارجي، ثم تمت إعادة الجزء للكنيسة مرة أخرى.
ما لا تعرفه عن الثلاث قباب
من أشهر ما تميزت به كنيسة العذراء الثلاث قباب الأثرية أعلى الكنيسة والتى تشبه الشكل المخروطى أقرب منه لنصف الدائرى، كما هو متعارف عن القباب، وأصبح هذا الشكل المختلف أحد أسرار تميز القباب الثلاث، وهناك أيضًا «حامل الأيقونات» الذى يرجع للقرن الـ١٨، وهو عبارة عن حاجز من الخشب يحمل الأيقونات المقدسة، وعلى يمين الهيكل الرئيسى توضع أيقونة السيد المسيح، ومن الجانب الآخر أيقونة العذراء، وتوجد أيقونة القديس يوحنا المعمدان على الجانب الأيمن من حامل الأيقونات.
وبحسب راعى الكنيسة، هناك رسومات لشكل القباب والنيل بمخطوطات أثرية محفوظة بالمتاحف، كما أن المكتبة الوطنية بأستراليا بها صورة لقباب الكنيسة بتاريخ ١٩٤٢، وفى متحف ركن فاروق بحلوان، توجد «زهرية» ورد من ثلاثينيات القرن الماضي، وهذه الزهرية رُسمت عليها صورة الكنيسة فى شكلها القديم، بقبة واحدة والنيل فى الخلف وحقل النخيل.
ويشير القس استفانوس، إلى أن الكنيسة تقوم بشكل دورى بصيانة وترميم لوحات وحامل الأيقونات.

كنيستان أعلى الكبرى
توجد أعلى الكنيسة الرئيسية كنيستان صغيرتان، تسع كل منهما ٦٠ فردًا على أقصى تقدير، الأولى باسم كنيسة السمائيين الـ٢٤ قسيسًا، والثانية باسم الآباء البطاركة أثناسيوس وكيرلس وديسقورس، وفى أعياد هؤلاء القديسين كل حسب تاريخه فى السنة يتم تنظيم صلاة القداسات.
قصة الإنجيل العائم
وعن قصة الإنجيل العائم الذى عُثر عليه بعد صلاة قداس الأحد صباح يوم ١٢ مارس ١٩٧٦، يروى راعى الكنيسة القس استفانوس صبحى، أنه بعد انتهاء صلاة القداس، وأثناء خروج المُصلين من القداس وجدوا «إنجيل» كبيرًا عائمًا على وجه الماء، فتعجب الجميع من المشهد، ونزل الأب بشارة وأخرج الكتاب لمعرفة قصته فوجده مفتوحا على الآية ١٩ من سفر أشعياء النبى التى تقول «مُبَارَكٌ شَعْبِى مِصْرُ».. واعتبر آباء الكنيسة أنها إشارة من الله بأن هذا المكان كان إحدى محطات العائلة المقدسة، أيضًا كونه مفتوحًا على الآية «مُبَارَكٌ شَعْبِى مِصْرُ» لتأكيد هذا الكلام. والكتاب عادى جدًا ومطبوع فى أواخر الستينيات، وتم الاحتفاظ بالكتاب داخل مزار الكنيسة وبجواره قصته. وكان الغريب فى القصة، استقرار الكتاب أمام الكنيسة تحديدًا، وأنه لم يتهالك بفعل المياه، بالإضافة إلى أنه مفتوح على صفحة وآية معينة، وتستعد الكنيسة لترجمة قصة الكتاب لعدة لغات للسماح للزوار المصريين الأجانب للاطلاع عليها.
معجزة الكتاب المقدس
ويروى راعى الكنيسة معجزة حدثت باسم الكتاب المقدس، فى تسعينيات القرن الماضي، حضرت أسرة من الإسكندرية قامت بتصوير الكتاب المقدس، وأثناء تحميض الفيلم ظهر طيف العائلة المقدسة على الصورة، وتم الاحتفاظ بهذه الصورة داخل المزار أيضًا، وهى المعجزة الوحيدة التى تم توثيقها داخل الكنيسة.
وحدثت داخل الكنيسة معجزات كثيرة على اسم العذراء والقديسين، لكن الكنيسة لم توثق منها شيئا، ويتم تداولها بين الناس، وهناك معجزة كان شاهد العيان عليها راعى الكنيسة، بطلتها شابة مسلمة حضرت فى أحد الأيام للكنيسة مع والديها، للصلاة «لستنا مريم» للتدخل فى مشكلة عدم اكتمال مراسم الزفاف لنجلتهم أكثر من مرة، دون أسباب. وهنا يروى القس استفانون «أن الفتاة وأسرتها حضروا للكنيسة وطلبوا منى السماح لهم بالصلاة أمام العذراء، فوافقت على طلبهم، ودخلوا المزار للصلاة، وبعد فترة جاءت نفس الأسرة وأخبرونى بأن المشكلة انتهت والابنة تزوجت، وتوالت الأحداث المفرحة لهذه الأسرة وبالتحديد نجلتهم التى أصبحت أمًا فيما بعد». وكما ظهرت العذراء بكنيسة الزيتون فى إبريل ١٩٦٨، وظهرت أيضًا بكنيسة العذراء بالمعادي، وكانت التمجيدات على اسم العذراء بكل أرجاء الكنيسة آنذاك، وكانت معجزة ظهور العذراء أحد أسباب شهرة الكنيسة فيما بعد.

المزار ومحتوياته
مُجهز بتكييف حفاظًا على الأيقونات الأثرية داخله والإنجيل العائم، وحمايتها من حرارة الشموع التى تشتعل أمام أيقونة العذراء لكل من تطأ قدماه هذا المكان المقدس، وخاصة فى فصل الصيف.. إنه مزار الكنيسة الذى يحوى داخله أيقونة أثرية للسيدة العذراء، أسفله تشتعل الشموع من زوار المكان المسيحيين والمسلمين، فكل منهم يُشعل شمعة مصحوبة بأمنية أمام صورة أم النور لتتشفع لهم أمام الله ليحقق أمنياتهم وطلباتهم.. المزار أيضًا يحوى رفات (بقايا جسد القديسين)، وبالمزار عدة قطع أثرية منها أدوات المذبح (صينية، كأس، إبريق، طشت غسيل، كرسى مذبح) التى تم استخدامها فى الكنيسة خلال القرنين الـ١٨، ١٩. أيضًا يوجد على باب المزار أيقونة للسيدة العذراء، وهى تحمل السيد المسيح والتى سال منها زيت مقدس (بحسب ما هو مُدون أسفل الصورة) يوم عيد الغطاس، وذلك أثناء مناقشة آباء الكنيسة ترميم الكنيسة من عدمه، واعتبروا أن الزيت إشارة إلهية من الله وقاموا بالترميم.
إحياء مسار العائلة المقدسة
تعمل الدولة متمثلة فى وزارة السياحة بإحياء مسار العائلة المقدسة، وكان من المفترض أن هناك خطة لبدء تنفيذها فى الأماكن التى خطتها العائلة المقدسة فى مصر.