الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدولة المصرية وصراع الحضارات "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان عقلاء البشر يتحدثون عن حوار الحضارات وليس صراعها فإن قطار الواقع يندفع بسرعة مذهلة نحو الصراع المسلح الذى بات وشيكًا أو هو قد بدأ بالفعل على أرض الشرق الأوسط فى سوريا واليمن والذى إذا استمر لأكثر من هذا وتدخلت فيه الأطراف الحالمة بعودة سيطرتها على العالم فإنه سينتهى حتما بالقضاء على الأخضر واليابس، وليس غريبًا على الإنسان أن يقوده عقله إلى الدمار، فالحرب العالمية الأولى راح ضحيتها ما يقرب من العشرين مليونا، والحرب العالمية الثانية راح ضحيتها أكثر من ستين مليونا، ويكفى أن نتذكر معا أن قابيل حين قتل شقيقه فإنما قتل قرابة ربع سكان الأرض حينها، وعاش هو لينجب ذرية استمرت حتى الآن، وهى ذرية ابن القاتل، ولعل بعضنا لايعلم أن قرابة الخمسمائة مليون قد ماتوا من جراء الحروب على الأرض، وإذن فخيار القتل سهلًا عند البعض خاصة الذين يرون فى هذا الفعل الشنيع عقيدة تقرب القاتل إلى الله أو يرون فيه صراع وجود، وفى المقال السابق تحدثنا عن النزاعات القومية التى انتشرت مع مطلع الألفية الثالثة، وذكرنا أن عوامل عدة هى التى ساعدت فى خلق هذه الروح، أهمها يكمن فى سيطرة قطب واحد على العالم، فلا شك أن هذه السيطرة قد دفعت بعض الأمم إلى التفكير فى بعث ماضيها العريق لتشارك هذا القطب فى هيمنته على خيرات العالم ومقدرات الشعوب، لاسيما أن كل الدراسات العلمية تؤكد أن الثروات الطبيعيه تقل بشكل ملحوظ وقد لا تكفى استخدام البشر لأكثر من خمسين سنة قادمة، أما العامل الثانى الذى أدى إلى بعث هذه الروح فأظنه انتشار الإباحية، لأن التطرف يخلق دائما تطرفا نقيضا، والإباحية تؤدى إلى خلق تيار متشدد، وهذا هو الملحوظ فى معظم دول العالم، فالتيارات المتشددة والأصولية هى التى تصل إلى الحكم وأحزاب اليمين هى من تمتلك الأغلبية الآن فى كثير من برلمانات دول أوروبا وأمريكا، وبداخل هذه الأحزاب من يؤمن بالحرب المقدسة وقتال الأغيار وهى نفس معتقدات التيار الأصولى الإسلامي، فلا حوار مع الآخر ولكن قتال ودماء، وهذه الأفكار الدامية يستغلها الساسة فى إنماء النزعة العرقية والطائفية، فاليمين الإسرائيلى يرفض السلام ويدعو إلى القتال وإقامة إسرائيل الكبرى واليمين البريطانى هو من دفع الحكومة إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو من يتحدث عن إحياء الإمبراطورية القديمة التى لا يغيب عنها الشمس، وعن دور بريطانيا فى نشر المذهب البروتستانتى الذى يدين به قرابة الثمانمائة مليون مسيحى، وأما اليمين التركى فهو من يفكر فى إحياء الخلافة الإسلامية والإمبراطورية العثمانية وأما اليمين الإيرانى فهو من يفكر فى المد الشيعى وإعادة الإمبراطورية الفارسية القديمة، حتى ألمانيا التى قسمت إلى دولتين لسنوات طويلة عادت اليوم بفكر يشبه ما كان يدعو له هتلر، وهناك من يؤمن بهذا الفكر ويعمل على إشعال نيران الحمية الوطنية فى نفوس الشعب الألمانى ووفقًا لاستطلاعات الرأى ولسائر الإحصاءات فإن اليمين المتطرف فى تقدم مستمر وإن خطه البيانى يرتفع كثيرًا خاصة فى وجود«داعش» و«أنصار بيت المقدس» و«تنظيم القاعدة» وغيرها من الجماعات والتيارات التى تحارب المسلمين،وتخدم مصالح ومطامع الكيانات الحالمة بالتوسع، والمثال فى سوريا وليبيا واليمن والعراق، ومن الغريب أن هذه الجماعات الجهادية قد بدأت حربها ضد الأنظمة الموجودة أثناء فوضى ما سمى بالربيع العربى بحجة إقامة حياة ديمقراطية، مع العلم أن هذه الجماعات لاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالديمقراطية وإنما هى تحارب بالوكالة عن دول أخرى لا تريد أن تظهر الآن على مسرح الأحداث أو قد تظهر ولكن على استحياء وبعضها يظهر بعكس الحقيقة، فهناك من يحارب داعش وفى نفس الوقت يمولها ويدعمها، وهناك من عقد اتفاقيات معها لشراء البترول الذى سيطرت عليه بثمن بخس، وبدلا من نعتها بداعش نرى بعض وسائل الإعلام التى تطلق عليها مسمي «تنظيم الدولة الاسلامية» وفى مقدمة ذلك الجزيرة القطرية والـ bbc البريطانية وcnn الأمريكية، وذلك لكى يتحقق المراد ويتحول الحوار إلى صراع دامٍ ينتهى بعودة الاحتلال للمنطقة بعد تغيير خريطتها، وما من شك فى أن مصر كانت ولم تزل مطمعًا لكل هؤلاء، هكذا يقول التاريخ، فاليونان ما تحولت إلى إمبراطورية إلا بعد ما عبرت البحر واحتلت مصر ثم الشام ونفس الشىء ينطبق على الرومان وعلى العثمانيين الذين أصبحوا خلفاء عقب احتلالهم لمصر، وكذلك على الإنجليز الذين حاولوا مرة بعد أخرى احتلال مصر، حتى تحقق حلمهم فى ١٨٨٢ ووقتها صارت بريطانيا دولة عظمى بلا منازع، وإذن فمصر مستهدفة، وما علامة النصر التى رفعها أحمدى نجاد عند زيارته القاهرة أثناء حكم مرسى إلا دلالة على أطماع الدولة الفارسية، وما بكاء أردوغان على الإخوان إلا دلالة على إخفاق حلم الدولة العثمانية، وما رفض أمريكا لثورة الشعب فى الثلاثين من يونيو إلا دلالة أيضًا على تبخر حلم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط، ولكن من الخطأ أن نتصور أنهم جميعًا قد رفعوا أيديهم عن مصر، فهى لم تزل صوب أعينهم ولذا يجب على الشعب أن يعى تمامًا أهمية الوقوف ضد أى دعوة لهدم مؤسسات الدولة، وعلينا أن نلتف حول جيشنا العظيم الذى لولاه لكانت مصر مسرحًا لعمليات عسكرية بين كثير من الدول والكيانات، تماما كالذى يحدث على أراضى الدول المجاورة لنا.