الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

العمارة المصرية القديمة.. تحف يهددها الإهمال

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تزخر مصر بمئات المباني الأثرية التي تتمتع بطابع معماري فريد على مختلف الحضارات، ولكل شكل معماري لهذه الأبنية فلسفة معينة سواء الإسلامية أو القبطية أو الرومانية، الباحث الأثري سامح الزهار المتخصص بالآثار الإسلامية، يعكف هذه الأيام على وضع سلسلة دراسات تكشف فلسفة العمارة التراثية القديمة، بوصفها واحدة من أهم مكونات العقل المصري، هذه الدراسات تقوم فكرتها على أن ما بناه الأجداد من حجارة كان له بوح يشبه القصائد وفلسفة اختلفت من عصر لآخر، ومن بلد لآخر.
يقول الزهار: إن للآثار اليونانية والرمانية فلسفة التأثير والتأثر بالحضارات الوافدة، وربما للآثار المسيحية فلسفة التسامح والمحبة، ولكن الآثار الإسلامية يغلب عليها فلسفة الشجن الممزوج بالعشق.

عصر المماليك
وفي كل عصر إسلامي فلسفة خاصة، حيث إن العمارة الإسلامية كانت معبرة عن الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي للدولة، ففي دولة المماليك نرى ضخامة العمارة وثراءها المعماري والفني والزخرفي، وما يخيم على الأبنية من قوة توحي لنا عن عظمة دولة المماليك سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وكأن كل سلطان أراد أن يتباهى بما بنى، فيأتي الابن ويبني أهم مما بناه أبوه وجده، كما انتشر ما يسمى بالمجموعات المعمارية، التي تتكون من عدة أبينة، كان أبرزها المدارس والمساجد والقباب والوكالات.

عصر الدولة الفاطمية
وفي عصور أخرى كالعصر الفاطمي، الذي يرتبط في العقل الجمعي بمظاهر الترف والموروثات من عادات وتقاليد ظريفة، كانت عمارتهم أيضًا تتميز بتوهج فنونها وتنوعها، ما يعكس لمن يشاهدها نظرة تؤكد من ورثه في ذهنه عن تلك الفترة.

عهد الدولة العثمانية
كما أن آثار العصر العثماني قد تميزت برشاقتها، التي تماشت إلى حد كبير من صورة العصر العثماني الرشيقة في بداياتها والتشابه الكبير بين العمارة في مصر وإسطنبول في تلك الفترة، حيث البعد عن الضخامة والمآذن التي تشبه القلم الرصاص.

فلسفة العمارة الإسلامية
يتابع "الزهار": للعمارة أثر كبير في توضيح التسامح الديني، فنرى أن أحد أهم مهندسي العمارة في مصر وبنّاء مهم للآثار الإسلامية هو سعيد بن كاتب الفرغانى، وهو مهندس قبطي، ونرى أيضًا التطابق في الواجهة الرئيسية للجامع الأقمر بشارع المعز لدين الله الفاطمي مع المتحف القبطي، والجامع الأقمر ذاته بني على أنقاض كنيسة قديمة أعلى بئر العظمة، التي احتوت على عظام لشهداء أقباط، وقد امتزج كل هذا ليخرج منه هذه الحالة الخاصة التي لا تتكرر كثيرًا.

كيف اقترنت الآثار الإسلامية المصرية بالفلكلور الشعبي؟
ويضيف: الآثار الإسلامية في مصر توجد أغلبها في المناطق الشعبية والأزقة والحارات، وهذا يفسر مدى اقترانها بالحس الشعبي وارتباطها بالمواطن الذي يقيم تجارته ويجلس على المقهى ويتجول في الشوارع المحيطة بالأثر، وكأن الأثر أصبح جزءا من الرؤية البصرية للمصريين بشكل يومي، وقد يتسبب هذا في تجاوزات بالتعدي على الأثر أو حرم الأثر، ولكن هنا يأتي دور الدولة التي يجب أن تنفذ قانون حماية الآثار بلا تراخ أو إهمال.

الزهار: أعتقد أن الدولة غير جادة في مسألة الحفاظ على التراث
يقول "الزهار": إن مصر حتى الآن لم تستغل آثارها الإسلامية ثقافيًا ولا سياحيًا ولا اقتصاديًا، فمصر تمتلك أهم آثار إسلامية على مستوى العالم وبها تنوع رائع لا انقطاع في سلسلة حلقاته، كما يوجد في مصر ما يمكن أن أسميه "آثار الأولياء والمريدين"، وهي مستقبل آخر للسياحة الدينية في مصر، حيث يوجد في مصر أكثر من 1000 ضريح لأولياء الله الصالحين وآل البيت والصحابة -رضوان الله عليهم- والعارفين والأقطاب الكبار ولم نلتف لذلك حتى الآن، وقد يترتب على هذا جرائم ثقافية، فعلى سبيل المثال أن ابن خلدون والمقريزي مدفونان في مصر، وكان يجب أن يكون مرقداهما مزارًا مهمًا، يأتي له الباحثون والدارسون من جميع أنحاء العالم، وهما مدفونان في مقابر الصوفية عند باب النصر، ولكن تاهت تلك المقابر.
وفي زمن ليس بالبعيد، قد هدمت الدولة كل هذا التراث من على وجه الأرض، كما يوجد في المقطم وشارع الأشراف عدد هائل يقدر بالمئات من مساجد وأضرحة كبار العارفين والأولياء، وعلى رأسهم الشاعر الصوفي الكبير سيدي عمر بن الفارض الذي يتغنى العالم بأشعاره، ولكن حالة مسجده الصغير وضريحه لا تختلف كثيرًا عن حال معظم آثارنا الإسلامية.
أعتقد أن الدولة غير جادة في مسألة الحفاظ على التراث والاستفادة منه اقتصاديا وثقافيا، حيث إن اختيار المسئولين يكون بناء على الاختيار من غير ذوي الخبرة وتتم الاستعانة بمعاونين لهم من أهل الثقة –من وجهة نظرهم– ولا توجد رؤية ولا خطة عمل واضحة، ويستمر المسئولون فى مصر على التراث باستخدام عبارات رنانة مثل "إدارة التراث بأفكار خارج الصندوق"ن مع العلم أن في جعبة الصندوق الكثير والكثير، لكن هذا الأمر لا يدركه إلا أصحاب الرؤية، الذين لا مكان لهم في المؤسسة الرسمية المصرية حتى الآن.