الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

معركة "الحرية الدينية في الإسلام" لم تحسم بعد

مشيخة الأزهر الشريف
مشيخة الأزهر الشريف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للمفكرين والمجددين مع الأزهر قصة طويلة، منذ بدايات القرن الماضي، وخاصة مع الشيخ علي عبدالرازق، وعميد الأدب العربي طه حسين، والمفكر قاسم أمين، وبصرف النظر عن الأحكام التي طالتهم من الأزهر؛ إلا أن في مجملها لم تخرج على أنها رأي فقهي، واجتهاد، في مسائل شرعية، لا ترقى إلى تنفيذ أحكام القتل والاغتيال، ولم يثبت على الأزهر، كمؤسسة، وأفراد؛ تورطهم في عمليات عنف أو اغتيال.
وكانت البداية، عندما ألف الشيخ عبدالمتعال الصعيدي، كتاب "الحرية الدينية في الإسلام"، في بدايات القرن الماضي؛ لينتهي إلى أن المرتد لا يقتل، وكان رأيًا جديدًا بالنسبة لما عُلم وتقرر في الأزهر، وقد استند إلى أدلة رآها ترجح وجهة نظره.

مذهب جديد
لخص الصعيدي أفكاره في هذه المسألة، في كتابه «الحرية الدينية في الإسلام»، أنه لا يكره على الإسلام بقتل ولا استتابة، بل يكتفي دعوته إلى الإسلام، بما يكتفي في دعوة من لم يسبق منه إسلامه ثم ارتد عنه، واعتبر الصعيدي، أن هذا المذهب، انفرد به في حكم المرتدين، ولم يسبقه أحد إليه أصلًا.
ونشر الكتاب، في الطبعة الأولى،  وأحدث صدى غير عادي، وتصدى لنقده الكثير من العلماء في عصره، أهمهم الشيخ عيسى منون، من هيئة كبار العلماء، وشيخ كليتي الشريعة والأصول، بجامعة الأزهر، وتصدى لنقده في بعض الأعداد بمجلة الأزهر، في عددين متتاليين.
كان رد عيسي منون، عنيفًا على الصعيدي، وقال أنه أجمع أئمة المسلمين من الصحابة وغيرهم على أن الرجل المرتد عن دين الإسلام يقتل بردته، واختلفوا في المرتدة، فذهب الجمهور إلى أنها لا تقتل كالمرتد، وذهب أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، وابن شبرمة، وابن علبة، إلى أنها لا تقتل، وروى ذلك عن ابن عباس.
الاختلاف في قتل المرتد
واختلفوا أيضًا، فقيل: يقتل المرتد مطلقًا حالًا من غير استتابة، وقيل لا يقتل مطلقًا إلا بعد استتابته، وقيل: إن كان زنديقًا يقتل من غير استتابة، وإن كان غير زنديق لا يقتل إلا بعد الاستتابة.
واختلف القائلون بالاستتابة، فقيل: يستتاب مرة، وقيل 3 مرات، وقيل في مجلس واحد، أو في يوم واحد أو في 3 أيام،  ونقل البعض على أنه يستتاب إلى شهر، وقيل أكثر، وعن إبراهيم النخير يستتاب أبدًا.
فريق هذه الحجج، يؤكد أن الإسلام أعطى حرية العقيدة، والاختيار بين الإيمان والكفر، ولكنه يرفض أن يعتنق أحد الإسلام، ويرضى به دينا، ثم يرتد عنه، ويعتنق عقيدة أخرى؛ لأن الدين، على حد قولهم: ليس ألعوبة، وبالتالي وجب تطبيق «حد الردة» على من يفعل هذا في الشريعة الإسلامية، مؤكدين أن النبي ﷺ، طبق «حد الردة» على بعض المرتدين في حياته.

الفقهاء المعاصرون يرفضون
"ذهب الفقهاء المعاصرون، من أمثال الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ شلتوت، والشيخ عبد الوهاب، خلاف غيرهم، إلى أن الردة جريمة، ولكن ليس فيها حد محدد، وإنما تترك لتقدير الحاكم والظروف التي يمر بها المجتمع، وفيها تعزير، والفرق بين التعزير والحد؛ أن الحد عقوبة محددة بالقتل أو بقطع يد أو بالجلد، والتعزير فيه مرونة، حيث يبدأ باللوم والعتاب والضرب للتأديب وينتهي بالقتل، فمثلا مشكلة المخدرات ليس فيها حد معين لكن الفقهاء قالوا: تعالج بالتعزير على حسب ما يراه القاضي، مبينًا أن الفقهاء المعاصرين اجتهدوا ووصلوا إلى أن حد الردة ليس هو القتل؛ لأنه غير موجود في القرآن الكريم، ولأن الحديث الذي معنا ورد برواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها: "لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ إلا بإحدَى ثلاثٍ: رجلٌ زنى بعد إحصانٍ، فإنه يُرْجَمُ، ورجلٌ خرج مُحَارِبًا للهِ ورسولِه – المرتد - فإنه يُقْتَلُ، أو يُصْلَبُ، أو يُنْفَى من الأرضِ، أو يَقْتُلُ نفسًا، فيُقْتَلُ بها"، فهذه الرواية وصفت المرتد التارك للدِّين بأنه خرج محاربا لله ورسوله وحدد له العقوبة، والعقوبة هنا ليست حدًّا وإنما يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، وهي عقوبة تعزيرية تطبق في "الحرابة"، ومن ثَمَّ تكون العقوبة على مقدار خطره، وهذا هو مفهوم الفقهاء المعاصرين لعقوبة المرتد متمسكين بقوله تعالى: "لا إكراه في الدين"، لافتًا إلى أن هناك أصواتا في الفقه القديم ترى أن الردة لا حد فيها بالقتل، واستدلوا على ذلك بأن النبي -
- رأى امرأة مقتولة وقال: لم قتلتموها؟ فقال: "ما كانت هذه لتقاتل"؛ لأن هذه لا يتصور منها خطر على المجتمع حتى تقتل".