الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

الشيخ عبد المتعال الصعيدي.. المجدد المجهول

الشيخ عبدالمتعال
الشيخ عبدالمتعال الصعيدى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مرت منذ شهور عدة، الذكرى الواحدة والخمسون على رحيل الإمام المجدد عبد المتعال الصعيدي، والذي توفى في ١٣ مايو ١٩٦٦، وسط نسيان تام من مؤسسة الأزهر ومن المؤسسات الثقافية في بلادنا. 
والشيخ عبد المتعال الصعيدي، ينتمي إلى أسرة صعيدية بالأساس، وهي أسرة شريفة، يعود أصلها إلى آل البيت النبوي الشريف، وكان والده «عبدالوهاب» الوحيد وسط إخوته الذي يجيد القراءة والكتابة، ويحفظ القرآن الكريم؛ حيث طلب العلم في الجامع الأحمدي بمدينة طنطا، غير أنه فضل بعد ذلك أن يعود إلى العمل في الزراعة مع إخوته.
ظهر نبوغ «عبدالمتعال» مبكرًا للغاية، إذ استطاع أن يقبل على العلم بشغف كبير فحفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، وكان متفوقًا على أقرانه، كذلك أظهر براعة فائقة في علم الحساب وغيره من العلوم الأخرى، والتحق عبد المتعال بالدراسة في المعهد الأحمدي بمدينة طنطا وأكمل تعليمه، وكان من أوائل الخريجين فيه، والتحق للعمل بالتدريس، فعمل مدرسًا في الجامع الأحمدي، وغيره من مؤسسات الأزهر.
وكان له دور كبير فى مختلف الأنشطة فى عصره من خلال مقالاته التي كان يعمل على نشرها فى مختلف الصحف والمجلات، إضافة إلى قيامه بدور بارز في عملية تطوير نظم التعليم في الأزهر؛ حيث كان من الذين نادوا بالتجديد والإصلاح فيه على الرغم مما لاقاه بسبب ذلك، وقد استمر على سياسته تلك حتى انتقل إلى جوار ربه سنة ١٣٨٦هـ/ مايو ١٩٦٦م.
وقد بلغ عدد الكتب التي ألفها عبدالمتعال الصعيدي: ٤٩ كتابًا مطبوعًا و٢٠ كتابًا مخطوطًا وعدد ٢٤ مقالا بجريدة «السياسة» الأسبوعية، وعدد ٣٨ مقالا بجريدة «البلاغ» الأسبوعي، وأهدى عدة مؤلفات للأزهر، مثل: «تاريخ الإصلاح في الأزهر، وحكماء اليونان السبعة، وقضايا المرأة، والفن القصصي في القرآن».. وأشهر مؤلفاته المتداولة والتي يمكن الحصول عليها لمن يريد هى: «المجددون في الإسلام، والقضايا الكبرى في الإسلام، ولماذا أنا مسلم»، وكتابيه الأهم والأخطر: «الحرية الدينية في الإسلام، وحرية الفكر في الإسلام». 
جمع الصعيدي بين الثقافة القديمة «الموروث» والحديثة «المقتبس»، وكونه يجمع بين الثقافتين جعله لا يشعر بنقص في نفسه، كما يشعر غيره ممن يقتصر على الثقافة القديمة وحدها، فالصعيدي وكتابيه «الحرية الدينية في الإسلام»، وكتاب «حرية الفكر في الإسلام» طرح فيهما لأول مرة في تاريخ الفكر المعاصر قضية حد الردة وعدم جواز تطبيقه في العصر الحديث، وله كتاب كامل عنوانه «مع زعيم الأدب العربي في القرن العشرين»، يتناول فيه بعض كتابات «طه حسين»، والتي كانت مثار نقاشات وجدلا فكريا وثقافيا في أوائل القرن العشرين، مثل: الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر، ولكن بشكل هادئ وعقلاني. 
ولم يكن هذا الكتاب هو الوحيد في الاختلاف مع طه حسين، ولكنه كتب كتيبا صغيرا تحت عنوان «اجتهاد جديد فى آية {وعلى الذين يطيقونه فدية}»، مستعيدا بما كتبه الشيخ «عبد الحميد بخيت» مفسرًا هذه الآية، باعتبارها تبيح الإفطار في شهر رمضان، وعندما ثار الأزهر وعلماء المسلمين على الشيخ بخيت، كتب الدكتور طه حسين مقالين تحت عنوان «حق الخطأ»، ودافع فيهما عن الشيخ بخيت.
اتهمه البعض بسوء فهم الإسلام، ويقول الباحث والمفكر، إبراهيم عوض، «كلما طالعت شيئا لهذا العالم الجليل في الدين أو في تاريخ الأدب أو في النقد تعجبت لعمق نظره وسلاسة أسلوبه وبراعة تحليله وشجاعته وتنور عقله وسعة علمه. رحمه الله. اعرفوا لهذا الرجل قدره. لقد اكتشفته منذ عقود ولم تتغير نظرتي إليه».
ويتابع «عوض»: كان الرجل يقتحم بشجاعة فائقة كل جديد، ومع هذا لم يأخذ حقه، والعجيب أن هناك من يتهمه بسوء النية نحو الإسلام. والصواب أنه كان ينبغي أن يتهمه بأنه يفهم الإسلام على نحو غير ما يفهمه الآخرون.
وأضاف «عوض»: «أنا أرى أن الإسلام اختطفه بعض من يتحدثون عنه وأخذوه بعيدًا عن مراميه وغاياته، فصار شيئا آخر، وصارت النتيجة هى ما نراه من تخلف المسلمين أصحاب أعظم دين. إن دين محمد رسالة حضارية فى غاية الرقي والسمو، لكن هؤلاء شغلوا الناس بالتفاهات وركزوا على الشكليات وعلى أشياء ملقاة في الزوايا المظلمة التي نسج عليها العنكبوت خيوطه وجعلوها هي الإسلام، حتى أصبحت السمة العامة للمسلمين هي الجهل والرغبة في الحصول على ما يريدون دون بذل جهد والرضا بمكانهم في قافلة الحضارة في المؤخرة، والاعتماد في غالب الأحيان على الغربيين دون أن يفكروا في المشاركة في إنتاج الحضارة».
ويضيف «عوض»: لأن استخدام العقل في مناقشة أي شيء سبة، وصرنا نسمع أن الدين لا يؤخذ بالعقل، «أمال يؤخذ بماذا؟»، وهل لدينا سوى العقل نتناول به كل شيء وأي شيء؟ هل أعطانا الله شيئا نفهم به الأمور والأشياء سوى العقل؟ 
الصعيدي لحقه الظلم حيًّا وميتًا
من جانبه، قال الدكتور حسام عبدالظاهر، الباحث في التراث والتاريخ الإسلامي‏ لدى ‏دار الكتب والوثائق القومية، إنه‏ منذ سنوات عدة لفت نظره كتابات العلامة المجدد الشيخ عبدالمتعال الصعيدي، وأخذ يتتبع مقالاته في الدوريات القديمة ويقرأها متيقنًا من أن كل مقالة له بها الكثير من لمحاته التجديدية، وكان من الدوريات التى اطلع عليها جريدة «السياسة» الأسبوعية، والتى وجد بها الكثير من مقالاته. 
وأضاف «عبدالظاهر»: «أرى أن الشيخ عبدالمتعال الصعيدي ظُلم حيًا وظلم ميتًا، وأن الظلم الذي حاق به جاءه من قبل جميع الاتجاهات على حد سواء، وأن فكره يحتاج إلى إعادة بحث ونظر، وهو عالم جليل، يُعد أحد الأعلام الذين يجب أن يفتخر بهم أزهر القرن العشرين، هذا من الوجهة العامة، أما الوجهة الخاصة فالأمر يحتاج إلى تدقيق قد يأتي وقت لأكتب عن الناحية التاريخية في فكر الصعيدي، وهو ما لفتني إلى كتاباته».