السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سلامة موسى الحائر دومًا.. والديمقراطية «11»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نواصل كما وعدنا مع رسائل سلامة موسى لابنه ونقرأ «أرجو أن تكون قد تذوقت الحضارة الإنجليزية على مستوياتها العليا، دعك من حفلة تتويج ملكة بريطانيا، فإن المجلات الشهرية والأسبوعية والكتب مرآة تنجلى فيها هذه الحضارة وكذلك المسرح الإنجليزي. وسرنى أنك زرت بعض المصانع لأن الصناعة هى الشىء الوحيد الذى يفصل بين أوروبا وبيننا، وقد شرعوا ينتبهون فى مصر إلى قيمة الصناعة ولكنى أخشى أن تعارض أمريكا فى تطورنا الصناعي. قلت إنك ستزور السويد وهى من أعظم البلاد المتمدنة ويصفون نظامها بأنه الطريق الوسط أى بين الاشتراكية والرأسمالية، فلا تنس أن تسأل وتدرس، وهم يستحمون فى البحر بلا كلسون فافعل مثلهم، أعتقد أن عندهم متحفا مائيا شهيرا ومتاحف أخرى كثيرة، لم أعرف شيئا عن الأحاديث التى أذيعت فى أم درمان، وكل ما أعرفه أن الحكومة الحاضرة (حكومة يوليو) تحرمنى من إلقاء الأحاديث فى الإذاعة المصرية كما كانت تفعل حكومة اللعين فاروق. أنا أشترى الآن المجلات الآتية فإذا وجدت مجلات أخرى تستحق أن أقرأها فأرسلها بالبريد الجوى (مطبوعات) بعد حذف إعلاناتها. ويمضى رؤوف فى كتابه «سلامة موسي، أبي» كتب أبى فى إحدى رسائله: القاشانى زعيم إيران الدينى أرسل لى خطابا يقول فيه إنه لا يوافق على منح المرأة حقوقها وسوف أنشره فى مجلة آخر ساعة وكان قد أرسل لى خطابا نشرته فى أخبار اليوم. لا تنس أن تأكل بيضتين كل يوم فى الفطور وأرجو أن تتجنب الأطعمة المعلبة فإن بها ٧٥٠ مادة معقمة والتعقيم سم لا يظهر أثره إلا بالتراكم بعد مدة طويلة وربما تكون له علاقة بالسرطان. هل تعرف يا رؤوف إننى مضى على عام لم أدع فيه إلى إلقاء حديث بالراديو مع أن العقاد يدعي، وإنى أتعجب من الأهواء والأغراض، كان العقاد يصف فاروق أنه فيلسوف فى الوقت الذى كنت أنا أحبس فيه. كتابى «تربية سلامة موسى يترجم مسلسلا وينشر الآن فى «لافوا دو لوريان» ماما أرسلت لك اليوم جرائد ومجلات مع كتابى هؤلاء علموني، صحتى الآن أفضل ولو أننى سمنت قليلا، واعتقادى أن ما يحفظ صحتى أننى أنام كل يوم ثمانى ساعات، وأنا أعتقد أنك لست فى حاجة إلى المجىء إلى مصر مدة الصيف، وبدلا من ذلك تستطيع السفر إلى أوروبا، ولا تنس أن تقرأ عدة كتب والأمور استقرت فى مصر بعد الزعزعة الأخيرة، وأحسن ما أحب من رجال الثورة هو اعتمادهم على العمال وعنايتهم بشئونهم حتى أصبحت النقابة شيئا محترما. ولكن أعظم ما أخطأ فيه رجال الثورة أنهم اعتمدوا على مدنيين إقطاعيين مثل على ماهر وغيره ممن اعتقد أنهم يدسون للثورة فى الخفاء. بل حسبك أن تعرف إخلاصى أنا لهم ومع ذلك لم أدع إلى حديث فى الراديو طيلة العام الماضى كله.
أما طه حسين الذى كان يخاطب فاروق «يا صاحب مصر» والعقاد الذى كان يصفه بأنه أعظم فيلسوف وغيرها فيجدون الترحيب فى محطة الإذاعة أما أنا فلا. ومع ذلك فلست آسفا لأنى قانع بعيشى الآن. والآن يا رؤوف كم كتابا تقرأ كل أسبوع؟ وهل أصبحت القراءة عادتك أم أصبحت كسولا ليس لذهنك عضلات، أستغرب أنك طلبت ألبومين لاهدائهما لصديقتين، إذ إن السلوك الحسن يقتضى ألبوما واحدا. يجب أن تكون ثريا يا رؤوف ليس فى المال فقط بل فى الثقافة والفن والعلم والحب والصداقة لأن ثروة واحدة لا تكفى للرجل العصري. أرجو لك الخير يا رؤوف وكل عام وأنت بخير وصحة وسعادة فاليوم ١٩ أغسطس وهو عيد ميلادك.
غضب الشعب على الإخوان عظيما لمحاولة واحد منهم الاعتداء بالقتل على جمال عبدالناصر، وظنى أن الحكومة ستلغى جمعيتهم، وهذا حسن لأن الحركات الدينية لا يمكن أن تنهض إلا على التعصب والبغضاء. القرن العشرون هو قرن الحقائق لا قرن العقائد وهى على وشك الهلاك فى مصر فإن الإخوان كانوا يستعدون للهبوب فى ثورة سوداء كان لا بد أن تؤدى إلى حرب أهلية وربما إلى مذابح، ولكن يقظة الحكومة جاءت فى ميعادها، فإن القبض على زعماء الجماعة قد أدى إلى الاهتداء إلى قناطير بل أطنان من الأسلحة والمتفجرات التى كانوا يعدونها لتعميم الفوضى ثم الاستيلاء على الحكم بدعوى الدين. الإخوان المسلمون يلقون جزاء ما ارتكبت أيديهم وهم يبعثون لى بخطابات التهديد بالقتل لأنى كافر ابن كافر، وأنا بالطبع أهل هذه التهديدات. ولكن الخطاب الأخير جاء من الزقازيق وكانت وقاحة بالغة فأرسلته لرئيس النيابة».
«ويا رؤوف لا تهتم عندما لا تجد مقالا لى فى الأخبار، فإن هذه الجريدة تسير على خطة الديلى إكسبريس فهى تفضل أن تنشر مقالا خفيفا أو قصة جريمة على مقالي.
وأنا لا أبالي. هل تصدق أن بيت لاروس يستعد لطبع معجم عربى فى باريس بينما مجمع اللغة العربية هنا يهنأ بشرب القهوة والتدخين. صحتى جيدة جدا لا أشكو شيئا وسأبدأ السبعين فى ٤ يناير القادم، ولكن لا تنس أننى سأبدأها فقط أى أننى سأتم السبعين فى ٤ يناير ١٩٥٧.
هل تصدق يا رؤوف أن وزارة التربية والتعليم اشترت ٤٠٠ نسخة من كتابين لى لمكتبات مدارسها هما كتابا «طريق المجد للشباب» و«البلاغة العصرية واللغة العربية» وإلى الآن ما زال الراديو يقاطعني.
ألغيت المحاكم الشرعية والمجالس الملية وهذا ارتقاء عظيم وسيتلو هذا تشريع عام بشأن الزواج والطلاق. كتب العقاد كلمة سبنى فيها فلما كتبت الرد فى اليوميات حذفه الرقيب.. واكتفى بهذا القدر من رسائل سلامة موسى لابنه. أواصل مع أفضل من تتلمذ على يدى سلامة موسى وهو نجيب محفوظ.