الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ترخيص بالقتل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في خضم الحوادث التي نشاهدها كل يوم، والتي كان آخرها حادث قطاري الإسكندرية وما نتج عنها من عدد كارثي من الضحايا والمصابين، وأيًا كانت أسباب حدوث الحادث المأساوي بداية من الإهمال، التقصير، مرورًا بقدم وتهالك البنية الأساسية لسكك الحديد، وتخلف أساليب الإدارة والتدريب وصولا لعدم استبعاد الفعل الإرهابي عن تلك الحادثة تحديدًا، وحتى لا نتفاجئ من جديد بنوعيات أخرى من الحوادث، فإنني أتوجه بدعوة للسادة المسئولين إلى ضرورة سرعة تقنين تراخيص النقل الجماعي الفردي لـ "الميكروباص" بصفة نهائيًا، ولا أبالغ إذا أشارت إليها بأنها ترخيص بالقتل المجاني اليومي على كل الطرق وفى كل أنحاء جمهورية مصر العربية.
وبمراجعة النظم المطبقة فى أغلب دول العالم، نجد أن تراخيص وسائل النقل الجماعى الخاص عادة ما تمنح لشركات وليس أفراد، وتقوم هذه الشركات بتغطية مناطق معينة بوسائل نقل جماعية، هذه الشركات ذات إطر قانونية ولوائح وإدارات تشرف على نشاطها وتحسن اختيار من مضيفيها وتقوم بمتابعة الحالة الصحية لموظفيها، وخاصة السائقين منهم، وتقدم لهم التغطية التأمينية التي تكلف لهم الاستقرار النفسي، كما إنها تسعى لسماع أي شكاوى من مستخدميها أو حتى أى شخص شهد إساءة حتى تتمكن الشركة من محاسبتها ومحاسبة سائقها عما تقدم منهم من مخالفات لآداب الطريق والقيادة.
فى الحالة المصرية إنفتح المجال أمام ترخيص "الميكروباص" منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بسبب القصور الشديد فى شبكة المواصلات والنقل الحكومية، والزيادة السكانية، إضافة إلى التوسع في المناطق العشوائية البعيدة عن خطوط خدمة وسائل النقل الجماعي الحكومي، وربما يظن البعض أن إتاحة الفرصة بهذه الصورة الفوضاوية الحالية أمام أى شخص تتوافر له سيارة "ميكروباص" ورخصة قيادة أن يصطحب معه أربعة عشر روح أو أكثر حسب حجم السيارة مما يسهم فى تحسين حالة النقل الجماعى وحل أزمات المواصلات التى غابت عنها الدولة سنوات طويلة.
لكن الحقيقة أنه على مدار أعوام طويلة كانت سلوكيات وتصرفات سائقي "الميكروباص" سببًا رئيسيًا ومباشرًا في انهيار حالة الطرق وارتباك الحركة المرورية فى جمهورية مصر العربية، وصولًا لدولة الفوضى المرورية والأخلاقية التي يتزعمها أباطرة سائقي "الميكروباص".
إذ لا يكفل قانون المرور الحالي أى طريقة حقيقية لمحاسبة سائقي "الميكروباص" فى حالة تضرر المستخدمين من الخدمة، وما أكثر هذه الأضرار، أو لمراجعة سلوكه فى قيادة السيارة حتى، من القيادة العكسية أو كسر إشارات المرور أو الوقوف فى منتصف الطريق والقيادة بسرعة جنونية وما يصاحب ذلك من كوارث اشتهر بها السادة سائقوا "الميكروباص"، وهو أمر يتسبب فى مئات الحوادث يوميًا والكثير منها للأسف الشديد ينتج عنه خسائر جسيمة فى الأرواح.
ربما نحن بحاجة إلى التذكير بأن جمهورية مصر العربية هى الأولى عالميًا فى معدل الوفيات بسبب حوادث الطرق لعام 2016 بحوالى خمسة وعشرون ألف شخصا بين قتيل ومصاب، وبخسائر تتراوح بين ثلاثون إلى خمسة وثلاثين مليار جنيه فى السنة، إضافة إلى استخدم بعض تلك السيارات في جرائم السرقة بالإكراه والقتل بالإكراه والخطف والاغتصاب على يد عصابات تتحرك بتلك الوسيلة غير المسيطر عليها.
هنا نشدد على أننا فى حاجة ماسة لسرعة إصدار قانون المرور الجديد، مع البحث فى إمكانية تقليص هذه الفوضى حتى نتخلص منها تدريجيًا، بمنح المزيد من الترخيص لشركات النقل الجماعى، وتنظيم عملهم، مع إمكانية تكوين شركات مساهمة يمتلك فيها أصحاب تلك السيارات "الميكروباص" اسهما فيها، بحيث تضمن هذه الشركات تأمين على السيارات وأرواح الركاب وتقسيم العمل والالتزام بخطوط السير لحل كل ما أفسدته التراخيص العشوائية لأصحاب السوابق الجنائية وأصحاب السلوكيات غير المنضبطة حتى تكون قيادة هذه السيارات خاضعة لاختبارات صارمة، إضافة لاختبارات القيادة العادية والتحاليل الطبية، حتى نقضي على ظاهرة الترخيص بالقتل لحماية دماء المصريون.