الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

في الذكرى الـ65 لرحيلها.. "سميرة موسى" نابغة من نساء مصر

 سميرة موسي
سميرة موسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشرقت الشمس بمولد فتاة رابعة لرجل ريفي من قرية "سنبو" يقال إنها قرية فرعونية بمحافظة الغربية، كان والدها ينتظر ولدًا إلا أنه لم يعرف أنه أنجبت له نابغة نساء عصرها والتي لقبت بـ"ميس كوري الشرق"، ورزقه الله بولدين بعدها وكأنها فاتحة الخير، أول معيدة مصرية بكلية العلوم بجامعة "فؤاد الأول" رغم أنف الإنجليز، لكن سرعان ما غابت شمس النابغة ولقيت مصرعها غريبة بعدما أنهت دراسة الدكتوراه بولاية "تنيسي" بالولايات المتحدة الأمريكية، وكأنه جزاء لعبقريتها.
ولدت سميرة موسى، عالمة الذرة المصرية بقرية سنبو الكبرى بمركز زفتة محافظة الغربية في مارس 1917، ونشأت في دار رجل يناقش فيها الأمور الوطنية والسياسية، كانت تتمتع بذاكرة قوية تمكنها من حفظ الأشياء حال قراءتها، حفظت القرآن الكريم، ولاحظ الجميع نبوغها وتفوقها، فغير الأب نمط حياته من رجل ريفي وانتقل بها للقاهرة ليقيما هناك، واشترى فندقًا بحي الحسين لاستثمار أمواله، التحقت سميرة بمدرسة "قصر الشوق" الابتدائية ثم بـ"مدرسة بنات الأشراف" الثانوية الخاصة، والتي قامت على تأسيسها وإدارتها "نبوية موسى" الناشطة النسائية السياسية المعروفة، عاصرت رموزًا نسائية كـ"هدي شعراوي" و"صفية زغلول" و"نبوية موسي" وكانت على حذوهن.
** مراحل التعليم والجوائز:
كانت الأولى على شهادة التوجيهية عام 1935، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفًا في ذلك الوقت حيث لم يكن يسمح لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا من المنازل حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر.
ووصل نبوغها إلى أنها قامت بإعادة صياغة كتاب الجبر الحكومي في السنة الأولى الثانوية، وطبعته على نفقة أبيها الخاصة، ووزعته بالمجان على زميلاتها عام 1933.
*المرحلة الجامعية:
اختارت سميرة موسى كلية العلوم،في الوقت الذي كانت فيه أمنية الفتيات الالتحاق بكلية الآداب وتأثرت علميًّا واجتماعيًّا بأستاذها الدكتور "علي مشرفة"، أول عميد مصري لكلية العلوم، وحصلت على بكالوريوس العلوم واستكمالًا لطريق التميز كانت الأولى على دفعتها، وتعينت بالكلية كأول معيدة مصرية رغم اعتراض الأساتذة الإنجليز وقتها، وذلك بمساعدة عميد الكلية. 
***شهاداتها العلمية:
حصلت على شهادة الماجستير في "التواصل الحراري للغازات"، سافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، أنجزت الرسالة في سنتين وقضت السنة الثالثة في أبحاث متصلة وصلت من خلالها إلى معادلة مهمة "لم تلق قبولًا في العالم الغربي آنذاك" تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة، مثل النحاس، ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون في متناول الجميع، ولكن لم تدون الكتب العلمية العربية الأبحاث التي توصلت إليها د. سميرة موسى.
**اهتماماتها السياسية:
كانت تأمل فى أن يكون لمصر والوطن العربي مكان وسط هذا التقدم العلمي الكبير، حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام، وعلى الدولة متبنية السلام التحدث من موقف قوة، فقد عاصرت ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التي دكت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945 ولفت انتباهها اهتمام إسرائيل بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلح النووي في المنطقة.
بعض إنجازاتها:
قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948 حرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي، ونظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم، وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم، وقد توصلت في إطار بحثها لمعادلة لم تكن تلقى قبولًا عند العالم الغربي.
وكانت "سميرة موسي" تأمل لتسخير الذرة لصالح الإنسان ومعالجته طبيًّا، وكانت تردد دائمًا: "أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين". كما كانت عضوًا في كثير من اللجان العلمية المتخصصة، على رأسها "لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التي شكلتها وزارة الصحة المصرية.
*مشاركاتها الاجتماعية:
شاركت بجميع الأنشطة الحيوية حينما كانت طالبة بكلية العلوم انضمت إلى ثورة الطلاب في نوفمبر عام 1932 والتي قامت احتجاجًا على تصريحات اللورد البريطاني "صمويل"، كما شاركت في مشروع القرش لإقامة مصنع محلي للطرابيش وشاركت في محو الأمية بالريف المصري من خلال مشاركتها بجمعية الطلبة للثقافة العامة، وساعدت الفقراء والأطفال المشردين من خلال مشاركتها بجمعية النهضة الاجتماعية.
*مؤلفاتها
تأثرت "عالمة الذرة" بإسهامات المسلمين الأوائل، كما تأثرت بأستاذها "علي مشرفة"، ولها مقالة عن الخوارزمي ودوره في إنشاء علوم الجبر، ومقالات أخرى، من بينها مقالة مبسطة عن الطاقة الذرية أثرها وطرق الوقاية منها، شرحت فيها ماهية الذرة من حيث تاريخها وبناؤها، وتحدثت عن الانشطار النووي وآثاره المدمرة وخواص الأشعة وتأثيرها البيولوجي. 
وعن أمريكا قالت:
سافرت "سميرة موسى" إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا لتدرس في جامعة "أوكردج" بولاية تنيسي الأمريكية، ولم تنبهر ببريقها أو تنخدع بمغرياتها، حيث شهد لها خطاب أرسلته إلى والدها قالت: "ليست هناك في أمريكا عادات وتقاليد كتلك التي نعرفها في مصر، يبدءون كل شيء ارتجاليًّا، فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب، كثيرون منهم جاءوا إلى هنا لا يحملون شيئًا على الإطلاق فكانت تصرفاتهم في الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلى بلد يعتقد أنه ليس هناك من سوف ينتقده لأنه غريب".
**غروب شمسها:
استجابت إلى دعوة للسفر إلى أمريكا في عام 1951، أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، تلقت عروضًا لكي تبقى في أمريكا لكنها رفضت بعبارتها المأثورة "ينتظرني وطني الغالي مصر"، وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية بضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس، وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في وادي عميق، قفز سائق السيارة واختفى إلى الأبد، فيما أوضحت التحريات أن السائق كان يحمل اسمًا مستعارًا وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها.
كانت تقول لوالدها في رسائلها: "لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أعمل حاجات كثيرة". وقد علق محمد الزيات، مستشار مصر الثقافي في واشنطن وقتها، أن كلمة "حاجات كثيرة" كانت تعني بها أن في قدرتها اختراع جهاز لتفتيت المعادن الرخيصة إلى ذرات عن طريق التوصيل الحراري للغازات، ومن ثم تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكاليف.
وفي آخر رسالة لها كانت تقول: "لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان وسأستطيع أن أخدم قضية السلام"، حيث كانت تنوي إنشاء معمل خاص لها في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، وترددت بالصحف الأخبار حول اغتيالها من قِبل الموساد الإسرائيلي؛ لمحاولتها نقل العلم النووي لمصر والعالم العربي، وإلا لماذا قيدت القضية ضد مجهول؟
ونشرت الصحف المصرية في 19 أغسطس عام 1952 خبر مقتل "عالمة الذرة" سميرة موسى بعد إنهاء دراسة الدكتوراه بجامعة "أوكردج" بولاية تنيسي الأمريكية، حيث لقيت حتفها في 15 أغسطس 1952 إثر حادث سيارة، بينما سلمت السفارة المصرية إلى والدها نوتة سوداء صغيرة كانت تسجل فيها خواطرها، وكانت آخر ما خطّته فيها "ثم غربت الشمس".