الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

من "رابعة" لسوريا.. رحلة 3 شباب إلى "الجهاد المزعوم"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«إبراهيم»: سافرت لتأثرى بمؤتمر «مرسي» والإخوان عن «نصرة سوريا» 
شقيق «عمرو»: فتاوى «حسان» و«الحويني» أقنعته بالجهاد فى سوريا
وصديق «إسلام»: حازم أبوإسماعيل وراء مصيره الغامض

بينما قررت جبهة الإنقاذ مطلع يونيو 2013، أن تكون تظاهراتها الأولى ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، وذلك على خلفية الإعلان الدستورى الذى أصدره لتحصين قراراته من الطعون القضائية، على الجانب الآخر بدأت جماعة الإخوان تطلق صافرة الإنذار لأعضائها بالاستعداد للزحف نحو القاهرة؛ للرد على أى محاولات قد تطيح بحكم الجماعة التى كانت تحلم من أجله كثيرًا.
وفى ظل حالة الجذب والشد التى كانت تشهدها مصر، وصل لثلاثة شباب بمحافظة الجيزة «إبراهيم وعمرو وإسلام»، منشور من القيادة العامة للجماعة بضرورة الزحف نحو القاهرة يوم 15 يونيو 2013، لحضور مؤتمر لـ«نصرة سوريا»، وذلك على خلفية ما تشهده الأحداث هناك من حالة اقتتال داخلي.
بالفعل استجاب الشباب واستيقظوا فى السادسة صباحًا مقتطعين هذا اليوم، من رصيد إجازاتهم فى العمل للزحف نحو القاهرة.
وصل الشباب وقتها فى تمام العاشرة صباحًا لمدينة نصر بالقاهرة، وخلالها جلسوا فى أحد المساجد القريبة من استاد القاهرة لصلاة الظهر ومن ثم العصر، وبعدها توجهوا للمرور عبر بوابات أستاد القاهرة فى تمام الخامسة مساءً، حتى وصلوا إلى المقاعد الأمامية، ليكونوا فى أقرب مكان للمنصة التى يصعد عليها مشايخهم وعلمائهم.
فى السابعة مساءً وصل «مرسي» إلى داخل المنصة الرئيسية، حيث استقل سيارة مكشوفة السقف رافعًا يديه للجمهور، ليستعرض قوة جماعته من خلال الحشود الضخمة.
صعد إلى المنابر حينها مجموعة من السلفيين والإخوان أبرزهم «محمد عبدالمقصود» الداعية السلفى المتشدد الذى دعا وقتها الى المتظاهرين ضد «مرسي» ووصفهم بالكفار، كما صعد محمد حسان الداعية السلفي، وعبدالرحمن عبدالبر، مفتى الإخوان، وعاصم عبدالماجد أحد مؤسسى الجماعة الإسلامية.
وعلى مدار ساعات طويلة ارتفعت صيحات «النصر لسوريا» و«الجهاد فرض عين على كل مسلم».
هنا بدأ الشُبان الثلاثة التحدث فيما بينهم عن إمكانية مساعدة «المستضعفين» فى سوريا، وبدأوا بتجميع التجهيزات المنزلية لإرسالها عبر الجمعيات السلفية التى كانت قد أعلنت عن ذلك، واستمروا فى هذه الجمعيات 13 يوما حتى جاء يوم 28 يونيو، لتطالبهم جماعة الإخوان بالزحف نحو ميدان نهضة مصر أمام جامعة القاهرة، خلالها قرر الثلاثى الذهاب إلى هناك تنفيذا لتعليمات الجماعة للرد على الاعتصامات التى كانت أعلنت القوى السياسية عن الدخول فيها للمطالبة برحيل «مرسي».
بعدما وصل الشباب إلى الاعتصام رافعين راية «هى لله»، استمروا لأكثر من عشرة أيام داخل الاعتصام، وخلال هذه الفترة زادت حالة الغليان الداخلى خاصة مع الاشتباكات التى كانت تقع من حين لآخر مع الأهالى والمارة، حتى تواصل الشباب مع أحد سماسرة السفر الذى كان أيضًا داخل الاعتصام، ليتفق الشباب الثلاثة على تسهيله لسفرهم إلى سوريا، بالفعل عاد الشباب الثلاثة الذين تربطهم ببعضهم صلة قرابة إلى منزلهم لإلقاء نظرات الوداع على الأهالى والأصحاب والأقارب قبل السفر الذى قد يكون الأخير، وذلك لكونه مصيرا أسود لا يعرف ما قد يجرى لهم

التجهيز للسفر
فى صبيحة يوم 5 أغسطس 2013، انتقل اثنان من الشباب هما «عمرو وإبراهيم»، إلى محطة سكك حديد مصر، لاستقلال القطار المتجه إلى الصعيد وبالتحديد إلى محافظة أسوان، حيث يتم مقابلة أحد المسئولين عن عمليات تهريب البشر عبر الحدود المصرية السودانية، وذلك حسبما حكى «إبراهيم عبدالحميد»، 34 سنة، لـ«البوابة»، بعد خروجه من السجن منتصف العام الماضي: «وصلنا إلى محافظة أسوان صبيحة اليوم التالى، وخلالها كان فى استقبالنا عم صلاح صاحب البشرة السوداء، وانتقلنا خلالها إلى أحد البيوت لأخذ وقت من الراحة قبل بداية الراحلة المليئة بالمخاطر، بعد 8 ساعات وفى ظلام الليل بدأت رحلتنا داخل إحدى السيارات متجهين نحو الأراضى السودانية.
ويستكمل «إبراهيم» لـ«البوابة»: أكثر من 48 ساعة داخل الصحراء، استمرت الرحلة بين الحدود المصرية والسودانية، خلالها تعرفنا على أكثر من شاب سافر من أجل نفس الغرض ألا وهو الالتحاق بما يسمى بـ«الجهاد فى سوريا»، وبعدما وصلنا إلى السودان التقيت بـ«حسين عبدالعال»، القيادى فى الجماعة الإسلامية بالخرطوم، وبعدها بدأ تجهيز تأشيرات السفر السياحية داخل مطار الخرطوم للسفر إلى تركيا لسهولة الدخول إلى سوريا عبر الحدود، ومن هناك تواصل معه شخص ليتم تهريبه عبر الحدود التركية إلى بلاد الشام.
وبعدها وصل الشباب الثلاثة إلى أرض الشام، وإلى هنا أصبح الانقسام المصيرى الجديد، فكل منهم أصبح أمامه مصير جديد داخل التنظيمات المسلحة رغم أنهم انضموا إلى جبهة النصرة، المبايعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، قبل أن يتم إعلان الانفصال عن التنظيم وتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام»، حيث سكنوا جميعا أماكن سيطرة التنظيم فى مدينة حلب السورية.

إبراهيم يعود إلى القاهرة
«هذه الرحلة كلفتنى أكثر من 500 دولار فى ذلك الحين»، بهذه الكلمات بدأ «إبراهيم» صاحب اللحية الكثيفة والوجه الأبيض، حديثه لـ«البوابة»، مضيفا: بعدما وصلت إلى سوريا كانت أمامى عدة خيارات أهمها هو الانضمام إلى أكبر التنظيمات المشاركة فى القتال ضد القوات السورية، وخلال ذلك الوقت تعرفت على أحد قادة تنظيم جبهة النصرة ويُدعى «أبوالبراء الشامي»، وبدأ فى إقناعى بالانضمام إليهم، وانخرطنا على الفور فى الدورة الشرعية التى يشترك فيها كل العناصر الجدد داخل التنظيم، وبعدها التحقت بالدورة العسكرية.
وتابع: قضيت بداخل الجبهة ما يقارب العام ونصف العام، وعملت فى البداية داخل الجهاز الإدارى للتنظيم، وبالتحديد فى مكتب استقبال المقاتلين الجدد، وبعدها انتقلت إلى جبهات القتال واستمريت فيها لمدة تزيد على 3 أشهر، وبعدها بدأت أفكر فى الرحيل والعودة إلى بلدي، وهنا كان الاختيار الصعب، لأنه لو عرف عنك ذلك سيتم تصفيتك فى الحال.
بدأت أبحث عن المخارج التى أعود من خلالها سالما، وفى أحد الأيام كنت أتحدث مع شخص قرر مساعدتى فى الهروب من الجبهات، والعودة لتركيا عبر حدودها مع سوريا، وبالفعل حدث ذلك فى مطلع عام 2015، وكان لى أحد الأقارب المصريين يعمل بتركيا فى إحدى القنوات الفضائية وتدعى «القناة» التى تبث من تركيا باللغة العربية، وبعدما وصلت إليه بدأت فى تجهيز الأوراق للسفر إلى السعودية حتى لا أعود إلى مصر مباشرة خوفًا من الأمن، وحصلت على تأشيرة الدخول للسعودية لأداء العمرة، وقضيتها وبعدها حصلت على تأشيرة الدخول إلى مصر.
وعن أسباب تأثره بالفكر الجهادي، يحكى: كنت منذ صغرى أستمع وأحضر جلسات للشيخ محمد حسان الداعية السلفي، كما تأثرت فيما بعد بالشيخ محمد عبدالمقصود القطب الإخواني، وأبوإسحاق الحوينى الداعية السلفي، الذين أكدوا لنا جميعا بفرضية الجهاد على كل مسلم بالغ عاقل.
ما دفعنى لهذا هو ملاحظاتى التى وجدتها منذ أول يوم دخلت إليهم، لأنى كنت أظن أنهم يتعاملون بدين الله وشرعه، ولكنى وجدت منهم أفعالًا ليست من الدين فى شيء كتعذيب الناس حتى يعترفوا بما لم يفعلوه، والقتل لمجرد الشك بدون ثبوت أى تهمة فقط وغيرها من الأمور التى لم أتصورها، كذلك يروى الأسباب التى دفعته للهروب من التنظيم المسلح.
بينما انتقل بحديثه إلى الأجواء التى عاشها فى مصر بعد العودة من التنظيمات، يقول إبراهيم: بعد العودة إلى مصر سكنت فى إحدى المناطق بالمهندسين لمدة شهر كامل دون أن أتعرض لمساءلة، وبعد تداول أنباء عن مقتل الشاب عمرو الذى كان يرافقنى فى رحلتى لأحد التنظيمات الإرهابية، وبالتحديد فى يونيو 2015 وفى تمام الساعة الرابعة من صباح ذلك اليوم استيقظت على صوت طائرة جوية قريبة جدًا من العمارة التى أسكنها، ما أفزعنى فاستيقظت مسرعا نحو الشرفة لرؤية ما يحدث، حيث رأيت أكثر من 5 عربات أمن مركزى أسفل المنزل، وسمعت هجوما على الشقة وعلمت وقتها أننى المطلوب فأسرعت نحو الباب خوفا من فزع زوجتي، وسلمت نفسي، وسجنت نحو 9 أشهر، وخلالها أعلنت توبتى وتبروئي من التنظيمات الإرهابية بجميع أشكالها.


عمرو» النهاية فى جهاد وهمي
كان من بين هؤلاء الشباب الثلاثة، شاب يُدعى عمرو (30 سنة)، كانت حياته مليئة بالحماس والثأر من أجل الدين، حسبما حكى أخوه الأصغر «أحمد»، الذى أكد أنه كان يتمتع بالاستماع لعدد من المشايخ وعلماء السلفية الذين اجتاحوا البلاد منذ عام 2008 وذلك مع الطفرة الإعلامية التى شهدتها مصر بعد سماحها بإصدار مجموعة من القنوات الدينية التى كانت تتبنى الفكر السلفي، أبرزها فى ذلك الوقت كانت قناة «الناس»، وكان يظهر عليها عدة مشايخ هم «محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وحازم شومان وأبوإسحاق الحويني».
وبداية الانطلاقة غير المتوقعة من «عمرو» كانت مع مؤتمر «نصرة سوريا»، الذى عقدته جماعة الإخوان فى منتصف يونيو، وبعد عودته إلى المنزل شهد عليه عدة تغييرات لكنه رفض التحدث بأى طريقة، خاصة أن له زوجة وأولادا فكان الجميع سيعارضه، لكنه ذهب ولم يخبر أحدا إلا بعد وصوله إلى الأراضى السورية، وهذه الفترة.
«البقاء لله فى عمرو، إنه توفى اليوم بعد صلاة الفجر بساعات قليلة، وذلك خلال إحدى العمليات مع قوات النظام السوري، فى مدينة حلب السورية»، لم يستطع «أحمد» إبلاغ أسرته بذلك الاتصال الذى تلقاه وفى 21 يوليو 2015، حتى فتح والده حسابه على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، إذ يرى صورة عمرو مقتولًا.
«إسلام».. مصير مجهول منذ سنتين
كان «إسلام» ضمن الشباب الذين لا يعرفون دينهم، وأدمن المخدرات والسهرات الليلية، حتى جاءه أحد أصدقائه يعرض عليه الانضمام له فى تلقى دروس المشايخ فى مسجد «أسد بن الفرات» بحى الدقى فى الجيزة، لحضور الدرس الأسبوعى للشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، بعدما أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2012، وذلك حسبما نقل «محمد»، أحد الأصدقاء المقربين من «إسلام» حينها: بعدما كان إسلام شابا غير متدين أصبح ضمن الصفوف الأولى فى التشدد، فكان يمنع إخوته من الخروج نهائيًا من المنزل، وسافر بعد مشاركته 5 أيام فى اعتصام رابعة العدوية، وبعدها حجز تذكرة طيران إلى تركيا ومجموعة أخرى من الشباب، «وكنت على تواصل دائم معه عبر برنامج الشات فيديو الشهير الإسكيب».
واستكمل: حكى لى بعدما وصل إلى هناك أنه انتقل من تركيا إلى سوريا عبر الحدود ودفع وقتها 300 دولار لوسيط كان ينقل يوميًا أكثر من 50 شابا، داخل عربات نقل المعدات الثقيلة، وانضم بعدها إلى حركة «تحرير الشام» بمدينة إدلب السورية، وبعدها كان يتحدث عن بعض الخلافات التى كانت تقع مع بعض القادة بسبب الاستحواذ على الأموال، كما نقل أنه التقى هناك بـ«أبوالعلاب عبدربه» أحد قادة الجماعة الإسلامية الذى هرب بعد نجاح ثورة 30 يونيو إلى سوريا، كما التقى «إسلام يكن» أحد الشباب الذى انضم إلى تنظيم «داعش» هناك، قبل انضمامه إلى التنظيم.
وزاد «محمد»: «إسلام» أصبح مصيره مجهولا منذ مطلع العام الماضي، حيث كانت آخر مكالمة هاتفية فى ديسمبر 2015، ومنذ ذلك الحين لم يحدث أحدا من أهله أو أسرته ولم يبلغهم التنظيم بأنه مات أم ما زال حيا، وخلال هذه الفترة توفت والدته حزنا عليه، بعد إصابتها بجلطة إثر علمها بسفره إلى التنظيمات الجهادية فى سوريا.


قادة فتاوى السفر إلى سوريا خارج عن الجهاد العيني
أين من صعدوا على منصة استاد القاهرة لنصرة سوريا وفرض الجهاد على الشباب، ومن صعد على «رابعة» ودعا للذهاب نحو سوريا لنصرة الإسلام والمسلمين المستضعفين فى سوريا؟، وخلال محاولات البحث وبكل تأكيد لم يذهب جميع من شاركوا فى هذه الفتوى التى قضت على حياة الشباب.
فمنهم من يعيش الآن فى قصور داخل مصر، كالداعية السلفى محمد حسان، والدكتور ياسر برهامي، وحازم شومان، ولم يُسمع بسفرهم أو أى من أبنائهم.
بينما يعيش خارج مصر محمد عبدالمقصود، وعاصم عبدالماجد، وأبوإسحاق الحويني، ووجدى غنيم، الذين تنتشر صورهم وأخبارهم عبر وسائل الإعلام وهم يعيشون فى رفاهية.
أما عن الباقى فهم لم يسعفهم الحظ الهروب خارج مصر كـ«صفوت حجازى الداعية الإخواني، وعبدالرحمن عبدالبر مفتى الإخوان، محمد البلتاجى عضو مكتب الإرشاد ومحمد بديع مرشد الإخوان»، فهم حاولوا الهرب من قضايا الإرهاب والعنف ولكن القبضة الأمنية القوية التى شهدتها البلاد فى أعقاب ثورة 30 يونيو، حالت دون ذلك، فمصيرهم الحالى ما هو إلا سوء حظ.
يقول طارق البشبيشي، القيادى الإخوانى المنشق، إن الجماعة استغلت الشباب وحماستهم فى مواجهة النظام المصرى ولكنها فشلت فى ذلك، بينما الشباب الأكثر حماسة كانت سوريا هى مقصده، حيث سافر المئات من شباب الإخوان إلى سوريا، بزعم محاربة الشيعة، وفى نفس الوقت لم يقدم أحد منهم أبناءه أو حتى نفسه كما يتباكون أمام الشباب.
ويضيف البشبيشى لـ«البوابة» أن «تداول صور لبعض المشايخ السلفية داخل القصور الخاصة بهم وداخل حمامات السباحة تؤكد على أن ما تم إصداره من فتاوى بخصوص الزهد وإعلان الجهاد فرض عين على كل مسلم، كان بغرض سبوبة ولو لم يكن هذا لقدم نفسه أمام الشباب»، موضحًا أنه لم ينضم أى من صعدوا إلى منصة رابعة العدوية أو منصة النهضة، إلى أي من التنظيمات أو حتى النفير نحو سوريا، ولكنه كان حديثا أمام شاشات التلفاز فقط.