الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صلاح عبدالصبور..عرّاف الحرية

صلاح عبد الصبور
صلاح عبد الصبور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بنفوسهم، فإذا ظفروا بنفوسهم، فقد وصلوا" ولا يجد فارس الشعر الحر صلاح عبدالصبور، أبلغ من هذه المقولة تعبيرا عن غايته من الشعر والكتابة؛ وهو من اعتبرته جامعة أوكسفورد أحد أهم مئة شاعر خلال القرن العشرين؛ ذلك أنه طوع الحياة اليومية بأسلوب فريد ومغاير لتقاليد البلاغة العربية، وظلت كلماته محفورة بذاكرة الأجيال..
انتهت حياة صلاح عبدالصبور متألمة؛ فجعته كلمات رفاقه بمنزل الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي في 13 أغسطس 1981، اتهموه خلالها بمحاباة السلطة، وقد تعرض بالفعل لضغوط قاسية لتمرير التطبيع مع إسرائيل بعد اتفاقية كامب ديفيد لكنه استقال احتجاجا على التعسف.. وكان هو من كرس ثورة مدوية على الظلم بدفاتر أشعاره..
في كتابه "حياتي مع الشعر" يؤكد عبدالصبور أن الفنان مهمته قرع الأجراس والصراخ بملء الفم، وإما أن ينقذ السفينة أو يغرق مع أهلها؛ وهو لا يرى نفسه شاعرا حزينا كما وصفه البعض، ولكنه شاعر متألم لا يعجبه الكون.. يحمل بين جوانحه "شهوة إصلاح العالم" التي قادت الفلاسفة والأنبياء من قبل.
عبد الصبور وُلد في الزقازيق عام 1931 نشر مجموعته الشعرية الأولى “الناس في بلادي” عام 1957، والتي كانت الظهور الأول للشعر الحر في الساحة الأدبية العربية، وقد تابع أسلوبه الجديد بدواوين”أقول لكم”، و”تأملات في زمن جريح”، و”أحلام الفارس القديم”، و”شجر الليل”.
يقول في أولى روائعه: “سنعيشُ رغم الحزن، نقهره، ونصنع في الصباح أفراحنا البيضاء، أفراح الذين لهم صباح”
والأهم أن عبدالصبور استطاع أن "يجوب بحار المعرفة السبع بلا كلل" ويتفقد بعناية تراث الشعر العربي والعالمي، ويقدم بالوقت ذاته شعرا فصيحا بنفس حداثي عصري، وهو ما أخفق فيه أغلب مجايليه ممن اغتربوا أو تزمتوا بقوالب جامدة؛ ظل يؤكد أن التراث حي وكل قصيدة لا تجد امتدادا بالمستقبل ليست تراثية.
وتجلى نبوغ صلاح عبدالصبور في المسرح الشعري الذي أنزله من الأبراج العاجية وجعله مادة خصبة تستلهم التراث وتحاكي واقع الناس وتنقد الحكام ولا تسقط بفخ الأيديولوجيا والتحزب، جرى ذلك برائعته "مأساة الحلاج" و"بعد أن يموت الملك" و"مسافر الليل" و"ليلى والمجنون" وغيرها من الأعمال التي حازت جماهيرية غير مسبوقة منذ رحل أمير الشعر العربي أحمد شوقي.
كما قدم عبدالصبور للنثر أعمالا ضافية كـ"حياتي في الشعر" و"على مشارف الخمسين" و"تبقى الكلمة" و"رحلة الضمير المصري" و"حتى نقهر الموت".
تقلب صلاح عبدالصبور بين الماركسية والإلحاد والإيمان السهل حتى وصل لـ"إيمان مشخصن"، وهو كما نراه بمسرحية الحلاج يقول: "فكيف اذا نصفى قلبنا المعتم؟/ ليستقبل وجه الله يستجلى جمالاته/ نصلى نقرأ القرآن/ نقصد بيته ونصوم فى رمضان؟/ نعم لكن هذى اول الخطوات نحو الله/ خطى تصنعها الأبدان/ وربى قصده للقلب/ ولا يرضى بغير الحب.
وكانت "مأساة الحلاج" ذروة إبداعه الأدبي، نال عنها جائزة الدولة التشجيعية، لكن ما ناله من الاتهامات بالإلحاد كان قاسيا، ذلك أن بعض قرائه لم يستوعب إحالاته الفلسفية والصوفية والتي تفهم بغايتها لا ذاتها. والمسرحية تجاهر بأوجاع بلاده فقال أن الفقر بأنه ليس الجوع إلى المأكل أو الكسوة، وإنما "القهر وإذلال الروح" أو كما يقول على لسان أبطاله: “إذا وليتم لا تنسوا أن تضعوا خمر السلطة فى أكواب العدل"؛ كما تعلو الروح الثورية بـمسرحيته "ليلى والمجنون": "في بلد لا يحكم فيه القانون/ يمضي فيه الناس الي السجن بمحض الصدفة/ لا يوجد مستقبل/ في بلد يتمدد فيه الفقر/ كما يتمدد ثعبان في الرمل/ لا يوجد مستقبل".
عاش عبدالصبور يعتبر حياته وقتا مفقودا بين وقتين.. أو هو وقت قادم.. وقد أصبح بمرور الوقت في سلام مع الله، فكل إضافة للبشرية هي خطوة نحوه، كان يبحث عن براءة الخروج من تجربة كما يخرج الذهب من النار وقد اكتسب شكلًا ونقاء؛ يقول: إن مسئولية الإنسان هى أن يشكل الكون وينقيه فى نفس الوقت.