الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نقد الأساس المعرفي للإسلام السياسي المعاصر «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يهدف خطاب «إسلامية المعرفة» إلى تجاوز ما يسمونه بـ«الفصام النكد» بين النظرية والتطبيق، وبين القيادة والقاعدة. أي، أنه خطاب يعبر عن استراتيجية حركة سياسية عقائدية هى حركة ما اصطلح عليه بـ«الصحوة الإسلامية» الممثلة ثقافيا للإسلام السياسي، والتى ظهرت فى نهاية سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. 
وهو أيضا خطاب مؤسسة قائمة بذاتها، هى مؤسسة «المعهد العالمى للفكر الإسلامى»؛ حيث يوجد مقره الرئيسى بالعاصمة البريطانية لندن مع فروعه المختلفة فى مختلف البلدان الإسلامية، ولواحقها وتوابعها من المؤسسات الدولية والحكومية المساندة والداعمة لها ماليًا وإعلاميًا وسياسيًا وثقافيًا. 
وهو خطاب يتمتع بمرجعيته وآلياته وفاعليته، وتحركه وتقوله وتدافع عنه بل وتحارب من أجله عسكريا، فئات اجتماعية فى مختلف المجتمعات العربية، لها أهدافها ومقاصدها، وتكتيكها واستراتيجيتها. وبتعبير آخر، إن خطاب «إسلامية المعرفة» عبارة عن مشروع فكرى وسياسى واقتصادي، أو بحسب لغتهم هو مشروع «حضاري» له سنده الاقتصادى والمالى والسياسى والرمزي، والسند الأخير، أقصد السند الرمزى، هو أهم دعم وسند يتلقاه: لأن له علاقة مباشرة بالدين الإسلامى وما يحمله من قوة رمزية وقدرة تسويغية وحجاجية وسلطوية فى ذاته، ولما يملكه أيضا من قوة فى بعث المخيال الجماعى والديني، لذلك؛ فإن أكبر سؤال يواجه أى مناقشة لخطاب «إسلامية المعرفة» هو هذه الصفة «الإسلامية» ليس فقط بسؤال القصد منا، مع أهميته، بل بسؤال الوظائف التى تقوم بها تلك الفئات السياسية باسم تلك الصفة؟ من هنا وجب علينا أن نعرف عن أية «إسلامية» يتم الحديث؟ وكيف يتم الحديث عن هذه الإسلامية؟ أقصد بذلك، القراءات المتبعة والتأويلات المستعملة. 
لذلك، لا يكفى القول إن «إسلامية المعرفة» جزء من استراتيجية الحركة الإسلامية، ولا الدول الداعمة للحركة الإسلامية، ولا البديل المعرفى للحركات الإسلامية، ولا النقد الإسلامى للمعرفة الغربية. إن «إسلامية المعرفة» تطرح مشكلة معقدة، وغاية خطيرة، إنها تطرح عملية تأسيس المعارف وقيامها، ومعيار المعارف ومبادئها على الهوية. وليس المقصود بتلك الهوية ذلك المبدأ المنطقى القائم على عدم التناقض، وإنما المقصود بتلك الهوية هو الهوية الدينية حصرا، وبحسب تصور قوى الإسلام السياسى لدين الإسلام. وعليه، فإن ما يطرحه خطاب «إسلامية المعرفة» هو مشكلة تأسيس المعارف على الدين وسلطته، وعلى الدين الإسلامى وسلطته حصرا. وقاعدته الأولية هى: إن جميع المعارف مؤسسة على اعتبارات دينية. 
٢. بين إسلامية المعرفة والصحوة الإسلامية:
تعتبر «إسلامية المعرفة» جزءا مما سمى بـ«الصحوة الإسلامية» التى تعنى نظرية فى الوجود والمجتمع والحضارة والإنسان والمصير، إنها كما حددها أحد أقطابه: «شعار حق وعدل، وإعمار وإصلاح، لا يخص المسلم وحده، ولكن يمد ظلاله بالرعاية لكل كائن ومخلوق، والكرامة لكل إنسان يمشى على وجه البسيطة... إن الإسلامية هى نداء حضارة ربانية لهذا العالم الممزق المتناحر المهدد بالدمار». وفى هذه الحضارة يكون المسلم هو «النموذج الفردى الشمولى الحق لحضارة الحق والعدل والأمن والسلام، حضارة العصر الجديد، العصر الذى يتطلع إليه منذ أمد بعيد الحكماء والعقلاء، وأصحاب البصائر والضمائر».
من الضرورى الإشارة فى هذا السياق، إلى هذا الترديد والتكرار المثير لكلمة الحق، والذى يبدو وكأن «الصحوة الإسلامية» تتحدث باسمه؛ حيث يعنى هنا «الإلهى أو الربانى أو الدينى»، وأن احتكار الحق والحقيقة فى مثل هذه الخطابات هو المدخل الحيوى لاحتكار السلطة أيضا، سواء تعلق الأمر بالسلطة المعرفية أو الرمزية أو السياسية.
ولم تكتف الصحوة الإسلامية، بطرح السؤال المشروع، الذى طرح منذ زمن ما يسمى بـ «النهضة العربية»، وهو: لماذا تأخرت الأمة الإسلامية عن اللحاق بركب الحضارة؟ بل تزيده قوة أو حلما أو طوباوية، وذلك لأنها طرحت سؤالا سياسيا خالصا، وهو: «لماذا لا تقود البشرية؟»، ما دامت هى: {خير أمة أخرجت للناس}آل عمران، ١١٠. مما يفيد ضرورة انطباق النص على الواقع، ويؤدى فى الوقت نفسه إلى طرح سؤال آخر، وهو أين يكمن الخلل، هل فى النص أم فى الواقع؟ بالطبع يكمن الخلل، فى نظر الصحوة الإسلامية فى الواقع؟ من هنا، فإن دور هذه الصحوة هو ترقية المسلمين إلى مصاف النص المؤسس؛ لأن الأمة الإسلامية هى صاحبة الرسالة الخاتمة؟ 
قد لا يجب أن نستبق الأمور، ولكن إزاء طموح أو حلم مثل هذا الذى ظهر فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، يطرح علينا أردنا أم لم نرد، سؤال المآل، أو بتعبير آخر، أين آل إليه خطاب الصحوة الإسلامية هذه، وما مصير حامليه فى مصر والسودان والجزائر وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا... إلخ، وهذا بعد مرور ثلاثة عقود تقريبا؟
يحاول خطاب الصحوة الإسلامية الذى يستند إلى إسلامية المعرفة أن يكون إجابة لأزمة المجتمعات الإسلامية. والأزمة فى منظوره هى أساسا «أزمة فكرية»، ويصفها بـ «الأزمة الكبرى» الناتجة عن الجمود والتوقف عن مسايرة الركب الحضاري، وأن «سائر الأزمات التى تعانى منها إنما هى فى منهج الفكر، وما الأمور الأخرى إلا انعكاسات وآثار مختلفة لتلك الأزمة». وسبب اختلال منهج الفكر ناتج عن «الأهواء والانحرافات»، مما يعنى أن أسباب الأزمة ذاتية، ما دامت ناتجة عن المشكلة الفكرية، بل وأكثر من هذا ما دامت ناتجة عن الأهواء والانحرافات، مما يفيد الصبغة الشعورية والعاطفية والغريزية للأزمة، لذلك نجد خطاب الصحوة الإسلامية وتعبيره الفكرى الممثل بـ «إسلامية المعرفة» معبأ ومشحون بكل ما هو أخلاقى ومعيارى وما يجب أن يكون إلى درجة التشبع.