الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

ثقافة التنافس.. هل من منافس؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان هناك تسعة متسابقين فى أولمبياد سياتل، وكان كل المتسابقين معوقين جسديًا أو ذهنيًا، وحين انطلق مسدس بداية السباق وأثناء الركض، انزلق أحد المشاركين، وتعرض لشقلبات متتالية، وحين بدأ فى البكاء على المضمار، سمعه الثمانية الآخرون، فأبطأوا من ركضهم، وبدأوا ينظرون إلى الوراء نحوه، وحينها توقفوا عن الركض، وعادوا كلهم إليه، فجلست بجانبه فتاة منغولية، وضمته نحوها، وسألته وهى متأثرة جدًا: أتشعر الآن بتحسن؟ فقال نعم.
وهنا نهض الجميع ومشوا جنبًا إلى جنبٍ، حتى وصلوا معًا إلى خط النهاية، فانتفضت الجماهير الحاضرة، وهللت وصفقت لهم.
ومن منطلق هذه القصة هيا بنا نناقش مفهوم المنافسة..
هناك شيء ما بداخلنا يجعلنا نستمتع بالمنافسة، وممارسة لعبة التفوق فى التعامل مع الآخرين، وهذا تنافس غير طبيعى، وكما أنه غير بناء، فحيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء.
وهذا التنافس المرضي، ناتج عن مشاعر متأصلة فى أعماق البعض بعدم الأمان، لأنهم يعيشون فى مجتمع نشأ على فكرة الخسارة والمكسب، وغالبًا ما يربط بين الفوز والإحساس بالقيمة، ويعتبر أن «الفوز ليس كل شيء بل هو الشيء الوحيد»..
ومن هنا لا يستطيع الإنسان أن يُفرق بين هويته وما يفعله.
وهناك مفهوم خاطئ مفاده أن المنافسة مع الآخرين تؤدى إلى تحسين الأداء، ولكن أثبتت بعض الدراسات أن الذين يتنافسون من أجل هزيمة الآخرين أداؤهم أقل بكثير من الذين يتنافسون مع أنفسهم، لذلك فالمنافسة الوحيدة البناءة هى التى يتنافس فيها الإنسان مع نفسه، والتى فيها أيضًا يفسح المجال للتعاون مع الآخرين، (وهذه هى فلسفة التعليم فى المناهج الأمريكية).
والعجيب أننا نجد أن الأصل اللاتينى لكلمة منافسة Compotore تعنى «نُجاهد معًا»، ونرى هذا المعنى التنافسى يتجلى مثلًا فى لعبة الجولف، والتى نجد فيها أن اللاعبين يُريدان تحسين أداءهما والاستمتاع فى نفس الوقت، فكل منهما يُجارى الآخر بدلًا من تبديد طاقته بحثًا عن أخطاء الطرف الآخر.
والآن إذا أردت أن تعرف هل أنت وقعت فى مصيدة التنافس غير الطبيعى أم لا، لاحظ الآتي:
١- هل أنت دائم التحدث عن إنجازاتك؟
٢- هل أنت تحب وتشجع المواقف التى تدعو للتنافس مع الآخرين؟
٣- هل أنت لا تقبل الخسارة فى منافستك مع الآخرين؟
٤- هل تُعانى ألمًا عاطفيًا كبيرًا عند تلقيك الخسارة؟
٥- هل تشعر بالارتياح عند معاناة الآخرين؟
٦- هل فرحك بنجاحات الآخرين مصطنع؟
٧- هل تحاول تسلق سُلم النجاح بصرف النظر عن الطريقة؟
٨- هل تُفتش عن أخطاء الآخرين ولو فى أدق التفاصيل؟
٩- هل أنت لا تقبل أن يكشف أحد عن ضعفاتك؟
١٠- هل وجودك يسبب إنهاكًا لكل من يتعامل معك، لأنك تدفعهم بإجبارٍ إلى المنافسة؟
عزيزى القارئ..
عليك أن نُحدد ما تريد أن تنجزه، ثم تتابع تحديد ذلك الهدف فى ضوء الضمير الإنساني، والأخلاقي، وعمل الله فيك.. واستخدام لفظة الفوز يقتصر على التقدم الذى أحرزته لنفسك، فلا تقع فى مصيدة مقارنة نفسك مع الآخرين، لأن نهاية ذلك الطريق ليس النجاح بل الإحباط والغيرة فحياة الجسد هدوء القلب، ونخر العظام الحسد، فالحياة أكبر بكثير من مجرد أن تحقق الفوز لنفسك، ويتجلى سمو هذه الحياة فى مساعدة الآخرين على النجاح والفوز، حتى لو كان هذا معناه أن تبطئ خطواتك، وتنظر إلى الخلف وتغير اتجاه سباقك.