الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدولة المصرية وصراع الحضارات «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك عوامل عدة أدت جميعها إلى بث نزعة القومية عند الشعوب ذات الحضارات القديمة، فالعالم الآن يموج بالصراعات التى تستهدف سيطرة حضارة على أخرى، وفرض سطوتها لإعادة إحياء الإمبراطوريات التى اندثرت عقب الحرب العالمية الثانية، وما كان انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى إلا رغبة ملحة عند الكثيرين من أبناء شعب هذا البلد العريق فى إنهاء حالة التبعية التى فرضها الحكام الإنجليز فى العقود الثلاثة الأخيرة، وجعلت من بريطانيا تابعًا مطيعًا لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما كان التاج البريطانى هو القوة العظمى الأولى فى العالم والإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، والتى وصلت فى يوم من الأيام إلى حد احتلالها لربع مساحة اليابسة فى العالم، بينما نصف بلدان الكرة الأرضية يتبعونها سياسة وثقافة، وأما إيران فقد ازدادت فيها الرغبة مؤخرا لإحياء فكرة الإمبراطورية الفارسية، وذلك على عكس كل التوقعات التى تبعت الثورة الإسلامية فى ١٩٧٩، والتى كانت تتمحور حول المد الشيعى للمنطقة العربية، فها هى الآن تصارع من أجل تسمية الخليج العربى بالخليج الفارسي، وها هى تحاول بسط نفوذها على كثير من الدول المجاورة، وتتزعم فكرة تدويل الحج لتسلب المملكة العربية السعودية زعامتها الروحية، وثمة محاولات واضحة لرواد مواقع التواصل الاجتماعى تتزعمها إيران لإحياء اللغة الفارسية ونشرها، لتكون طهران مركز العالم الشرقى كما كانت «المدائن» قبل الإسلام، حين كانت فارس تسيطر على العراق وبعض أجزاء الشام ومناطق من الجزيرة العربية، وكان كسرى يقوم بتعيين الملوك والحكام لكثير من الممالك العربية التابعة له، وهل كان الملك النعمان بن المنذر ملك الحيرة إلاّ أحد أتباع الإمبراطورية الفارسية، والتى انصهرت وذاب حلمها داخل حلم الحضارة الإسلامية عقب الفتح الإسلامى لفارس فى منتصف القرن السابع الميلادي، وأما تركيا فقد استيقظ بداخل حكامها قبل شعبها فكرة بعث الخلافة العثمانية من جديد، ولأن هذه الفكرة هى واحدة من الأهداف التأسيسية لجماعة الإخوان التى ظهرت فى مصر على يد حسن البنا عام ١٩٢٨ كرد فعل لسقوط الخلافة الإسلامية فى ١٩٢٤؛ فقد وجدت الإدارة التركية هواها فى دعوة الإخوان، فالطريق واحد والهدف واحد، ولكن ما يضمره العقل التركى هو ليس إحياء الخلافة الإسلامية، وإنما إحياء الإمبراطورية العثمانية، فأردوغان يتطلع إلى حكم الدول الإسلامية قاطبة تحت مسمى الخليفة، ولذلك فإن يده تمتد إلى خارج حدوده، فنرى جيشه على أرض سوريا والعراق وقطر، ونسمعه وهو يتدخل فى الشئون الداخلية لمصر ولكثير من الدول الأخرى، معطيًا لنفسه الحق فى فرض ما يريده على الآخرين، وأما روسيا فقد استشعرت خطورة ما يحدث حولها، ويبدو أن شعبها قد استيقظ من نومه الذى أعقب بيريستروكيا جورباتشوف، والتى أطلق بها رصاصة الموت على الاتحاد السوفيتى، الكيان الأكبر فى العالم وقطب التوازن العسكرى والسياسى للأرض خلال القرن الماضي، والذى كان وريثًا شرعيًا لروسيا القيصرية، وفى وجود الرئيس بوتن اشتعلت نار الحمية فى قلوب أبناء بلد الجليد، وها هم يتطلعون اليوم إلى إحياء تاريخ أجدادهم حين كانت الدنيا تنتظر إشارة من القيصر، وأما فرنسا فقد أدركت أن الاكتفاء بالدور الثقافى لن يجدى فى عالم تحفه الصراعات من كل جانب فقررت الدخول إلى ملعب الوجود وإحياء الماضى العريق لفرنسا نابليون، خاصة بعد ما طالتها يد الإرهاب الأسود، وأما إسرائيل فلم يزل حلم مملكة داود يراودها منذ وضع هرتزل علمها بنفسه فى نهاية القرن التاسع عشر، وهى الدولة الوحيدة فى الأمم المتحدة التى لم تضع حدودًا جغرافية لنفسها، ولم تعلن صراحة تخليها عن هذا الحلم القديم، وأما العالم العربى فقد شهد انهيارًا متعمدًا منذ نهاية ٢٠١٠، وهو ما أطلق عليه «الربيع العربى»، والذى نتج عنه تدمير عدة دول وسقوط مؤسساتها الحامية لها، بينما نجت مصر من هذا المصير بفضل شعبها وجيشها، ولست أشك فى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى حين طلب من الإعلام ضرورة التركيز على فكرة تثبيت الدولة فى مؤتمر الشباب الذى عقد مؤخرا بالإسكندرية، كان يقصد تنبيه أبناء شعبنا إلى ما يحدث حولنا من صراعات هدفها إسقاط الدولة، وهى رغبة عند كل طامع يريد اللعب على أرض مصر من أجل إحياء مشروعات تاريخية بالية.. وللحديث بقية.