الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في محبة القهوة.. محمود درويش يغامر بحياته لصنعها!

محمود درويش
محمود درويش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"القهوة هي هذا الصمت الصباحي الباكر المتأني والوحيد الذي تقف فيه وحدك مع ماء تختاره بكسل وعزلة في ‏سلام مبتكر مع النفس والأشياء وتسكبه على مهل في إناء نحاسي صغير وداكن وسري اللمعان، أصفر مائل إلى ‏البني ثم تضعه على نار خفيفة، آه لو كانت نار الحطب".
هكذا كان يتغزل الشاعر الكبير محمود درويش في القهوة، لكن الأمر تعدى إلى كونها مشروب مفضل بل باتت دليله إلى عادات الناس وتفاصيل حياتهم، فمثلا إذا أراد تناول قهوة ذات رائحة ما التقطتها من شيء آخر، فهذا يعني أن سيدة البيت مهملة، وبيتها غير مرتب، ومطبخها نهب للفوضى وهكذا.
أصدقاء محمود المقربون يعترفون بأنه كان يصنع لهم القهوة بنفسه، ويتفنن في ذلك، ولا يحب أن يصنعها أو يقدمها لهم أحد غيره، كان يصر على أن يصنع القهوة بيديه، ويخدم زواره.
رائحة القهوة عنده عودة وإعادة إلى الشيء الأول، لأنها تنحدر من سلالة المكان الأول، هي رحلة بدأت من آلاف السنين. ومازالت تعود. القهوة مكان، القهوة مسام تُسرِّب الداخل إلى الخارج، وانفصالٌ يُوَحِّد ما لا يتوحّدُ إلّا فيها هي رائحة القهوة.
ولأهمية القهوة كان يغامر درويش بنفسه من أجل صنعها، فأثناء الحرب، في بيروت عاش في شقة تفصل واجهة زجاجية فيها بين غرفة النوم والمطبخ، وهي معرّضة للقناصة، وعندما يريد أن يذهب ليصنع فنجان قهوة كان يتردد في المغامرة بروحه من أجل المرور إلى المطبخ وصنعها!.
وكتب درويش عن عشقه للقهوة في كتابه "ذاكرة للنسيان": أريد رائحة القهوة. أريد هدنة لمدة خمس دقائق من أجل القهوة، لم يعد لي من مطلب شخصي غير إعداد فنجان القهوة، فالقهوة لمن أدمنها مثلي مفتاح النهار. والقهوة لمن يعرفها مثلي أن تصنعها بيديك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل القهوة هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت.. في وسع الغزاة أن يسلطوا البحر والجو والبر عليّ ولكنهم لا يستطيعون أن يقتلعوا منّي رائحة القهوة. سأصنع قهوتي الآن. سأشرب القهوة الآن. سأمتلئ برائحة القهوة الآن لأعيش يومًا آخر أو أموت محاطًا برائحة القهوة!.