ربما لم يقرأ الآية، أو لم يستمع لعقوبة عقوق الوالدين، أو ربما لم يخبره أحد بأن الله قضى بالإحسان إليهما بعد عبادته، ربما لأنه لا يجيد القراءة ولا الفهم، لكن كيف طاوعه قلبه أن يلقى بأمه فى الشارع وقد بلغت من العمر أرذله، لم يثنيه عن قراره لوم الناس ولا أنّات من حملته طيلة عمرها، لم يتألم لنومها على الرصيف ولم يستيقظ ضميره من سباته.
تُعرّف الحاجة سعدية نفسها بأنها أم لابن عاق انعدمت من قلبه الرحمة، ألقى بها على الرصيف دون مأوى، فعطف عليها أبناء الحلال واستأجروا لها شقة، فاضطرت للعمل لتسد جوعها، لكن عافيتها لم تساعدها، ولم يكن لها مخرج إلا أن تبيع «العيش»، لتوفر منه القليل الذى يأتيها بأبسط احتياجاتها.
تواصل الحاجة سعدية وهى تبكى: «ابنى البكرى قرر ياكل حق إخواته البنات اليتامى، وعندما وقفت له، رمانى فى الشارع..» تبكى ثم تتابع: «قلت هيبقى سندى لأنه الولد الوحيد على ٦ بنات، لكنه كسرنى.. كان له أخين وماتوا وهو بالنسبة لى مات، إزاى يكون ابنى وهو عارف إنى ممكن أقعد يوم بطوله من غير زاد ولا لقمة تخش جوفى.. أنا بسأل نفسى إيه اللى حصل فى الدنيا!
وتختتم: «أنا مش عايزه منه ولا من غيره حاجة، أنا عايز ربنا يقوينا وأموت من غير ما اتحوج لحد، وألاقى مكان يسترنى لما أموت.. وعنده بقى هو اللى يفصل بين الظالم وبين المظلوم ويسأل ابنى يقوله إنت عملت فى أمك كده ليه؟».
